المقصود من القائم في هذا البحث هو ولد الإمام المهدي محمد بن الحسن عليه السلام الذي ذكرته وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وهو أحمد وهو قائم بأمر من أبيه الإمام المهدي.
ثالثاً :
* ( روى حذلم بن بشير قال: قلت لعلي بن الحسين u: صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته؟ فقال: يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة ، ويكون مأواه تكريت ، وقتله بمسجد دمشق ، ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقتد ، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس ، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان ، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ، ثم يخرج بعد ذلك)([1]).
والمهدي المقصود هنا غير الإمام المهدي محمد بن الحسن u لأنه يظهر بعد ظهور السفياني. أما ما زعمه الكوراني في كتابه عصر الظهور من أن للإمام المهدي ظهور أصغر، فهو تأويل وتخرص لا تساعد عليه الروايات، بعد ما ذكرنا. فالكوراني غفل عن حقيقة القائم، وقادته غفلته إلى افتراض هذا الظهور الأصغر المزعوم .
والحق إن القول بالظهور الأصغر متناقض للغاية ، إذ إنه يستلزم القول بغيبة ثالثة تعقبه ، وهذا يخالف النصوص الدالة على وجود غيبتين فقط ، كما إن هذا الظهور الأصغر المزعوم الذي يسبق السفياني سيكون سابقاً لليماني أيضاً بينما اليماني ممهد للإمام ، فكيف يكون ظهور الممهد له وهو الإمام سابقاً لظهور الممهد وهو اليماني؟
رابعاً :
* عن أبي خالد الكابلي ، قال : ( لما مضى علي بن الحسين u دخلت على محمد بن علي الباقر u، فقلت له: جعلت فداك قد عرفت انقطاعي الى أبيك، وأنسي به، ووحشتي من الناس، قال : صدقت ياأبا خالد ، فتريد ماذا ؟ قلت : جعلت فداك ، لقد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفة لو رأيته في بعض الطرق لأخذت بيده . قال : فتريد ماذا يا أبا خالد؟ قلت : أريد أن تسميه لي حتى أعرفه باسمه . فقال : سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد ، ولقد سألتني عن أمر ما كنت محدثاً به أحداً ، ولو كنت محدثاً به أحداً لحدثتك! ولقد سألتني عن امر لو أن بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة )([2]).
وعن جابر الجعفي ، قال : ( سمعت أبا جعفر u يقول : سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين u ، فقال : أخبرني عن المهدي ما اسمه ؟ فقال : أما اسمه فإن حبيبي عهد إلي أن لا أحدث باسمه حتى يبعثه الله...)([3]).
من المعروف إن أبا خالد الكابلي من خلص أصحاب الإمامين ؛ السجاد والباقر u ، و عدم معرفته اسم صاحب الأمر يضعنا بإزاء علامة استفهام كبيرة. وما يثير الاستغراب والتساؤل أكثر، أن الإمام الباقر u يمتنع عن إخباره باسمه .
هذه الإشارات توحي حتماً إن من يقع عليه السؤال ليس هو الإمام المهدي محمد بن الحسن u وإلا هل يجهل الكابلي، وهو من هو في قربه من الأئمة اسم الإمام المهدي u ؟ ثم أي صعوبة تلك التي تمنع الإمام الباقر u ، ومثله الإمام أمير المؤمنين u عن التصريح باسمه ؟
ولو أن الأمر حقاً متعلق بالإمام المهدي u ، فالخشية من أبناء فاطمة عليه مرتبطة بآخر الزمان ، فهل أبناء فاطمة الآن لا يعرفون اسم الإمام المهدي ؟ ثم أليس قد مر بنا قبل قليل أن جابر الأنصاري قرأ في لوح فاطمة أسماء الأوصياء ، ومنهم المحمدون الثلاثة ؛ محمد الباقر u ومحمد الجواد u و محمد المهدي u ؟ فالإمام المهدي محمد بن الحسن u كان معروف الإسم بين الشيعة ، بل ويعرفه أعداؤهم كالعباسيين وغيرهم، وليس ببعيد عن المتتبعين أن الخليفة العباسي محمد المهدي بن هارون الرشيد قد تلقب بلقب المهدي ادعاءً منه أنه هو المهدي المنتظر .
ويتضح من الرواية الثانية أن المهدي أو صاحب الأمر u قد عهد رسول الله بأن لا يُسمى حتى يبعثه الله، أي حتى يحظر ويباشر هو نفسه تعريف الناس بحقيقته. عن مالك الجهني، قال: ( قلت لأبي جعفر u إنا نصف صاحب هذا الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس. فقال: لا والله، لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك، ويدعوكم إليه )([4]).
وليس صحيحاً أبداً ما علق به الكوراني على الرواية حين قال: ( قد يكون مقصوده من قوله: (حتى يبعثه الله)، حتى يولد )([5]).
فمن الواضح أن أمير المؤمنين u لا يريد أنه (عليه السلام) هو سيخبر باسم المهدي u حين يبعثه الله، بل أراد أن المهدي هو من سيعرف الناس بنفسه، وهذا سيكون عند ظهوره لا ميلاده، وهذا ما تنص عليه الرواية الثالثة حيث يقول الإمام u لسلمان : ( لا يكنى ولا يسمى حتى يظهر أمره ) ، ففي الرواية إشعار بأن ثمة اختبار يتعلق بمعرفة المهدي u ، وهو سر الامتناع عن ذكر اسمه . ورد عن رسول الله قوله : (... له علم إذا حان وقته انتشر ذلك العلم من نفسه )([6]).
ويؤكد ذلك أنهم امتنعوا عن التصريح باسم القائم u في روايات كثيرة مع إنهم قد ذكروا اسم الإمام المهدي محمد بن الحسن u.
من هذه الروايات ما ورد عن عبدالله بن سنان، قال : ( سمعت أبا عبدالله u يقول: إنه ينادي باسم صاحب هذا الأمر منادٍ من السماء، ألا إن الأمر لفلان بن فلان ففيم القتال )([7]).
وعن أبي بصير، قال: حدثنا أبو عبد الله u، وقال : (ينادى باسم القائم يا فلان بن فلان قم )([8]).
خامساً :
* عن ابن أبي يعفور قال : ( دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وعنده نفر من أصحابه فقال لي : ( يا ابن أبي يعفور هل قرأت القرآن ؟ قال : قلت : نعم هذه القراءة ، قال : عنها سألتك ليس عن غيرها قال : فقلت : نعم جعلت فداك ، ولم ؟ قال : لان موسى عليه السلام حدث قومه بحديث لم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بمصر ، فقاتلوه فقاتلهم فقتلهم ، ولان عيسى عليه السلام حدث قومه بحديث فلم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بتكريت فقاتلوه فقاتلهم فقتلهم ، وهو قول الله عز وجل “ فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ” وإنه أول قائم يقوم منا أهل البيت يحدثكم بحديث لا تحتملونه فتخرجون عليه برميلة الدسكرة فتقاتلونه فيقاتلكم فيقتلكم ، وهي آخر خارجةتكون )([9]).
* عن أبي الجارود أنه سأل الإمام الباقر u : ( متى يقوم قائمكم ؟ قال : يا أبا الجارود لا تدركون. فقلت: أهل زمانه؟ فقال: ولن تدرك زمانه، يقوم قائمنا بالحق بعد إياس من الشيعة، يدعو الناس ثلاثاً فلا يجيبه أحد … الى قوله u : ويسير الى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية شاكين السلاح ، قراء القرآن، فقهاء في الدين، قد قرحوا جباههم، وسمروا ساماتهم، وعمهم النفاق، وكلهم يقولون يا ابن فاطمة ارجع، لا حاجة لنا فيك. فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الإثنين من العصر الى العشاء… ثم الكوفة فيقتل مقاتليها حتى يرضى الله تعالى )([10]).
* عن أبي عبدالله u إنه قال : ( لو قد قام القائم لأنكره الناس،لأنه يرجع إليهم شاباً موفقاً، لايثبت عليه ألا من قد أخذ الله ميثاقه في الذر الأول )([11]).
* وعنه u : ( وإن من أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شاباً، وهم يحسبونه شيخاً كبيراً )([12]) .
إذن الناس والشيعة تحديداً سينكرون القائم حين يخرج إليهم، فإن مدلول كلمة (صاحبهم) يرتبط بالشيعة بالدرجة الأولى كما هو معروف، ويمكننا في الحقيقة أن نجزم بهذا المعنى بقليل من التأمل؛ فالقائم بحسب نظرية أهل السنة (كما يسمون أنفسهم) يولد في زمانه، فلا وجود لأية مشكلة لديهم فيما يتعلق بسنه. بل لا توجد أية إشارة في تراثهم تشير الى أن المهدي أو القائم سيخرج بصورة شيخ كبير. نعم يمكن أن نتصور ورود هذا الإشكال بالنسبة للشيعة باعتبار أن معتقدهم (وهو الصحيح حتماً) ينص على ولادة الإمام المهدي u في زمن متقدم . ولكن حتى هذا الإشكال ضعيف يكاد لا يذكر، إذ إن المستقر في الأذهان والذي تؤيده كثير من الروايات،إن الإمام المهدي u سيظهر بعمر الشباب (40 سنة تحديداً) يستوي في معرفة ذلك عامتهم وخاصتهم، بل إن الروايات التي قرأناها أعلاه نفسها تخبر بأنه سيخرج بصورة شاب موفق .
يعلق الكوراني على هذه الرواية ، قائلاً : (يبدو أن أكثر هؤلاء البترية أصلهم شيعة)([13]). وهذا اعتراف من الكوراني بأن الشيعة يقاتلون القائم على الرغم مما شاب عبارته من تخفيف واضح، وهو على أية حال تخفيف على حساب الحقيقة الجلية في الرواية . ولعل الكوراني قد اعترى قلمه الارتباك وهو يقرأ أن هؤلاء البترية فقهاء في الدين ، أي انهم من فقهاء آخر الزمان . ولا أظن أحداً يماري في أن الإنكار هو مقدمة القتال، بل في الرواية الثانية (يدعو الناس ثلاثاً فلا يجيبه أحد ) ، فالإنكار يأتي بعد أن يدعوهم ويعرفهم بنفسه .
ومن هنا ينبثق السؤال :
لماذا ينكرونه ويقاتلونه إن كانوا يعلمون أنه الإمام المهدي الذي ينتظرونه ، لاسيما وهم من أصحاب الجباه المتقرحة من كثرة العبادة ؟ ألا يعلمون أنه منصور وأن عدوه مخذول لا محالة ، وحربه خاسرة ؟ لا شك في أن ما يحملهم على ذلك هو أن القائم ليس هو الإمام المهدي محمد بن الحسن كما يظنون ، وإنما هو ولده (أحمد) ، وحين جاءهم أنكروه ، وبادروا لحربه ، وقد مر أن اليماني يدعو للمهدي u ، بل في الرواية الأولى نص على أن أول قائم، أي الممهد هو من يقاتلونه ويقاتلهم .
ومن لطيف ما يذكر هنا، أن معاندي هذه الدعوة الشريفة يصرون على رفض الأدلة التي يسطرها لهم الأخوة الأنصار، بدعوى أن العلامات كفيلة بتعريفهم بحقيقة القائم، و نصرته، وأنا أسألهم هنا: لماذا لم تفد هؤلاء البترية معرفتهم بالعلامات؟ للبحث بقية.
([1]) الغيبة للطوسي : ص 444.
([2]) الغيبة للنعماني : ص 299 – 300.
([3]) الغيبة للطوسي : ص 305.
([4]) الغيبة للنعماني :ص 337.
([5])المعجم الموضوعي :ص 306.
([6])كمال الدين :ص 268.
([7])الغيبة للنعماني :ص 275.
([8])الغيبة للنعماني :ص287.
([9])بحار الأنوار : ج 52 – ص 375.
([10])تاريخ الكوفة: السيد البراقي. ص116- 117.
([11])الغيبة للنعماني : ص 194.
([12])الغيبة للنعماني : ص194 – 195.
([13])المعجم الوضوعي لأحاديث الإمام المهدي (ع) :ص 570.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 25/سنة 2 في 11/01/2011 – 6 صفر 1432هـ ق)