السرداب !! أول مفردة يتفوه بها الوهابي في فتحه لملف دعوة مهدي آخر الزمان أحمد (عليه السلام) بعد تعريفه له بأنه ابن الإمام المهدي – أي من ذريته – إذ يقول:
( وباختصار هذا الرجل يقول بأنه أبن المهدي (الأب) محمد بن الحسنالعسكري ساكن السرداب – كما قيل وأنكروا أنه في السرداب – وليس ابنه المباشر وإنمامن ذريته ).
ولم يخب ظني في الوهابي هذا في عدم الفرق بينه وبين بقية المخلوقات التي لها آذان – أقصد الأرضية منها وتحديداً السائبة – إن لم يكن أسوأ حالاً منها بعد تنازله عما خص الله به الإنسان من عقل يتدارك به ما يجعله أضل من الحمار سبيلاً.
( ساكن السرداب – كما قيلوأنكروا أنه في السرداب ) من القائل بربك ؟؟ وعلى أي أساس استندت في كلامك ؟؟ هلا ذكرت لي من علمكم أسلوب النقد العلمي هذا، والذي تخيل لكم أنفسكم أنكم تتمكنون به من إبطال دعوة داعي الله وخليفته؟!
سمعت مفتي الأزهر (الشيخ علي جمعة) وهو يصف الوهابيين بالهلوسة، والآن وجدت أحدهم مثالاً لما حكم به الشيخ السني.
ليس عندنا مهدي ساكن في سرداب يا هذا، وهذه إحدى كذبات بعض شيوخكم كابن تيمية وغيره وقد طبل لها المستحمرون من أتباعهم الناعقين وراء كل ناعق.
يقول ابن تيمية في حديثه عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) :
(قال الرافضي : وولده مولانا المهدي محمد عليه السلام .. فيقال قد ذكر محمد بن جرير الطبري وعبد الباقي بن قانع وغيرهما من أهل العلم بالأنساب والتواريخ أن الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل ولا عقب والإمامية الذين يزعمون أنه كان له ولد يدعون أنه دخل السرداب بسامرا وهو صغير منهم من قال عمره سنتان ومنهم من قال ثلاث ومنهم من قال خمس سنين ) منهاج السنة: ج4 ص41.
ولست بحاجة إلى استعراض روايات أهل البيت (عليهم السلام) لإثبات وجود العقب للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وبيان كذب هذا الناصبي، إذ يكفي في الرد عليه ما تقدم نقله من أقوال أهل السنة ممن اعترف بولادة الإمام محمد بن الحسن (عليه السلام).
قال الزركلي: المهدي المنتظر: 256 – 275 ه= 870 – 888 م. محمد بن الحسن العسكري (الخالص) بن علي الهادي، أبو القاسم: آخر الأئمة الاثني عشر عند الإمامية. وهو المعروف عندهم بالمهدي، وصاحب الزمان، والمنتظر، والحجة، وصاحب السرداب. ولد في سامراء. ومات أبوه وله من العمر نحو خمس سنين. ثم قال – وهو يذكر ما نقله ابن تيمية -: وفي المؤرخين – كما في منهاج السنة – من يرى أن الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل. الأعلام: ج6 ص80.
أما من أين جاء ذكر السرداب ؟
لا يخفى حجم السعي الحثيث لحكام بني العباس الجائرين في القضاء على الإمام المهدي (عليه السلام) وترقبهم له قبل ولادته، وازداد الأمر بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) مباشرة في زمن المعتمد والمعتضد العباسيين.
يقول السيد محمد الصدر (رحمه الله): (وقد جردت السلطات ثلاث حملات للقبض عليه، إحداها قام بها المعتمد في الفترة القليلة المتأخرة عن وفاة الإمام العسكري “عليه السلام” والأخريان قام بهما المعتضد الذي تولى الحكم بعده). تاريخ الغيبة الصغرى:ج2 ص549.
وقد وردت رواية تتحدث عن إحدى الحملات الغاشمة على بيت الإمام العسكري (عليه السلام) بعد فشل ما سبقها من حملات للقضاء على الإمام محمد بن الحسن (عليه السلام): (ثم بعثوا عسكراً أكثر، فلما دخلوا الدار سمعوا من السرداب قراءة القرآن فاجتمعوا على بابه وحفظوه حتى لا يصعد ولا يخرج. وأميرهم – يعني قائد الحملة – قائم حتى يصل العسكر كلهم، فخرج من السكة التي على باب السرداب، ومرّ عليهم، فلما غاب، قال الأمير: انزلوا عليه. فقال: أليس هو مر عليك. فقال: ما رأيت. قال: ولم تركتموه؟ قالوا: إنا حسبنا أنك تراه( بحار الأنوار: ج13 ص118.
انّ هذا السرداب الذي كان جزءاً من بيت آل النبوة الطاهر، شأنه شأن باقي بيوت سامراء أو غيرها من مناطق العراق التي تستوجب بناء كهذا، والنص يتضمن خروج الإمام (عليه السلام) أمام أعينهم في لحظة هي غاية في الدقة والحكمة وهي لحظة انشغال قائد الحملة بوصول المدد. ثم اختفائه عن أنظارهم.
فمن أين إذن علم الوهابيون والنواصب بأنّ الإمام في السرداب وغاب فيه، وأنه ساكن فيه طيلة هذه السنين، وأنه نزل فيه وأمه تنظر إليه، و .. و .. من الخزعبلات التي تدل على قلة ورع قائلها وعدم حيائه وخجله، حتى زعم بعضهم – كابن خلدون – أنّ السرداب في الحلة لا في سامراء !!!
وإن اعترض أحد بورود ذكر السرداب في رواياتنا التي تتحدث عن أعمال عبادية معينة تؤدى فيه، فجوابه واضح إذ شأن هذه البقعة الطيبة المباركة شأن باقي البقاع الطاهرة التي تضمنت أجساد وأنفاس أولياء الله الطاهرين، والتبرك بآثار الأولياء والتقرب بها إلى الله أمر لا ينكره إلا من فسد قلبه وعقله كحال عوران الوهابية في أيامنا هذه.
أخرج البخاري في كتاب اللباس باب القبة الحمراء من أدم: (عن ابن أبي جحيفة عن أبيه قال: أتيت النبي (صلى الله عليه وآله) وهو في قبة حمراء من أدم ورأيت بلالاً أخذ وضوء النبي (صلى الله عليه وآله) والناس يبتدرون الوضوء فمن أصاب منه شيئا تمسح به، ومن لم يصب منه شيئا أخذ من بلل يد صاحبه( . صحيح البخاري: ج7 ص154.
وفي صحيح مسلم في كتاب الفضائل: ( عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيها فربما جاءه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها( .صحيح مسلم: ج7 ص79، باب قرب النبي من الناس وتبركهم به.
فهل يرى الوهابيون إن النبي صلى الله عليه وآله- وحاشاه – قبل بأمر ينقض التوحيد؛ الهدف الذي بُعث لنشره بين الناس ؟؟
وإذا كان ذلك التبرك من ضمن حقائق التوحيد التي رسخها رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) فما بالهم إذن يستكثرون تبرك أمته الحقيقية بآله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ؟! لا أعرف متى يعي المنكوسون القول فيتبعونه ويرفعوا عقيدة إبليس من صدورهم الخاوية من ذكر الله وتوحيده !!
————————————————-——————————————————————
( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 36 – السنة الثانية – بتاريخ 29-03-2011 م – 23 ربيع الثاني 1432 هـ.ق)