مثقفون عراقيون وأنصاف وأرباع مثقفين منشغلون هذه الأيام بالملاحم التي تسطرها هيئة الإجتثاث، فحوارهم غير الشيق في غرف البالتوك وعلى الصحف الإلكترونية يلوك الأسماء المجتثة ويحاول بين الحين والآخر استشراف الأسباب الكامنة، والأبعاد المترتبة على ثقافة الإجتثاث.
لست الآن في صدد الإشارة إلى التطابق التام بين ثقافة الساسة العراقيين المتربعين اليوم على سدة الحكم وأسلافهم البعثيين، فلقد أضحى من مكرور الكلام، فالجميع كما يؤمن العراقيون اليوم هم بعثيون وإن لم ينتموا ! على حد المقولة الملتوية للطاغية صدام.
وما أرانا نقـول إلا معـاراً …….. أو معـاداً من قـولنا مكـرورا
كلام المثقفين للأسف الشديد كما كان دائما كلام مقاهٍ، كلام أناس لا يحسنون شيئاً سوى صنعة الكلام الفارغ، وآخر شيء قد تقودهم الصدفة للتفكير به هو واقع الشعب الذي يعاني الأمرين من ألعاب السياسة البهلوانية.
سأركز إذن على نقطة أراها مهمة بالنسبة للعراقيين تتعلق بطبيعة الخطاب الذي يمارسه البعثيون وخصومهم وماهية الحجج التي يسوقها كل منهم في معرض الطعن على الآخر، وسأركز أكثر ما أركز على منهجية خطاب كل من الفريقين، ولن يكون حديثي طويلاً – لحسن الحظ – نظراً للتشابه العجيب والغني بالدلالات في منهج المتنافرين ؟!!
فمن جهة البعثيين يحاول متكلموهم ( مفردة مقصودة بما تحمله من دلالات تراثية ) أن ينسونا ما علق بذاكرتنا المتورمة من صور أليمة حفرتها معاول حكمهم البغيض، عبر تهريب وعينا إلى نقطة الحاضر المكتظ بالمنغصات والعمالة للمحتل والفشل الذريع الذي يميز تجربة حكم مراهقي السياسة الأغرار اليوم. وبطبيعة الحال يكتسب حديثاً بهذه المضامين صورة الأحاديث الشيقة بالنسبة لنفوس يجرحها الهم اليومي وتعيش حالة شجن مأساوي بين الخيبة والرجاء. وستكون الثمرة المحرمة التي يتطلع نحوها الخطاب البعثي هي دائماً دفع الوعي العام لترديد بيت الشعر القديم:
يا ليت جـور بنـي مـروان دام لنـا * وليت عدل بني العباس في النار
أما متكلمو بني العباس فيطيب لهم كثيراً ترديد أسطوانة المقابر الجماعية والإلحاح على نكئ جراح الذاكرة، من أجل إبقاء العراقيين أسارى التجربة الماضية يجترون آلامها المبرحة ويتحقق بالنتيجة هدف ساداتهم المتمثل بصرف الوعي بعيداً عن فشل التجربة الحاضرة واخفاقاتها وبعثيتها إن صح التعبير، وهو صحيح من وجهة نظر معتبرة لا تخفى على القارئ.
إذن الجميع يمارس منهجية المهربين ويسعى لجر الوعي العراقي أو قل اركاسه في دائرة المستنقع الفكري الملائم، وفي دائرة الوعي المغلقة هذه يراد للعراقيين أن يمارسوا وظيفة فكرية وحيدة تتمثل بمقارنة أي الذئبين أقل فتكا من صاحبه، وكأن قدرهم أن يعيشوا هذا الأفق المظلم ويكفوا عن التطلع لرحب الله الواسع.
بطبيعة الحال العراقيون ليسوا طرفاً محايداً فيما يتعلق بصنع مستقبلهم وتقرير مصيرهم ولكنهم سيكونون كذلك إذا ما آمنوا مرة أخرى بنظرية تأجيل سعادتهم وعولوا – كما يفعلون الى الآن – على من يسمونهم قادتهم.
1٬064 2 دقائق