أخبار سياسية منوعة

الديمقراطية تشرعن الفساد وتحمي المفسدين!!!

ربما يجتهد المنتفعون من هذا النظام الذي هو نتاج الفكر البشري الذي بلغ الذروة في التعبير عن الانفصال عن الواقع السماوي والاستناد إلى الواقع الأرضي فاستغنى الناس اليوم عن الشرائع السماوية لأنهم لا يرونها قادرة على الإحاطة بمتطلبات الحياة بتصوراتهم ،

بل ويرونها نصوص جامدة غير قابلة على التأقلم مع حيثيات الواقع الاجتماعي للناس الذي هو يعيش التغير والتبدل المستمر من حال إلى حال ، فانحاز أولئك إلى كتابة شريعة بأيديهم ، وهذه الشريعة وهذا النص المكتوب فضلا على أنه نص غير محيط بكل تفاصيل الواقع وخاضع للتغيير والتبديل المستمر على وفق مزاج السلطة التي اختزلت مزاج الشعب في شخوص معينة ، ومن ثم فهامش التلاعب بالنص الحاكم غير المحكم كبير جداً ، وهذا الهامش الكبير بلسان أهله والعاملين فيه يقولون أنه يوفر منطقة يستطيع أن يستغلها من كان لديه (شطارة) في دخول هذه المنطقة والاستفادة المادية من وراء هذا الدخول ، بل يوصف أولئك (الشطار) بأنهم يتمتعون بـ(ذكاء) في استغلال ما يتيحه النص لهم ، ذاك أن النص هو معبر عن عيني من يكتبه ، ولما كان من كتبه لا يرى أبعد مما في يديه ، ويجهل الكثير عما يدور خلفه أو عن يمينه أو شماله ، فضلا على أنه لا يرى أبعد من المسافة التي توفرها له زجاجات نظارته الطبية ، فهو في الواقع يكتب نصا هوامش الاستفادة منه كثيرة ومتعددة حتى أن فرص إحكامه للأمور تكاد لا تبين ، ذاك أن هذا النص بعد أن يتسلمه المتسلطون على الناس يحاولون الترويج له بكل الطرق لأنهم يعرفون أن الزوايا المظلمة الكثيرة في مثل تلك الدساتير يوفر لشخوص الظلام الاجتهاد في اللعب في تلك الزوايا من دون أن تطالها عين الرقيب التي لا تستيقظ إلا في الثامنة صباحاً ، أما قبل ذلك وخاصة في ساعات الظلام الحالك ، فعين الرقيب تغط في نوم عميق أو هي في أحسن أحوال مصداقيتها تتناوم .
فالذي يتابع ما تقوله ألسنة الناطقين باسم السلطات الثلاث في الدول الديمقراطية يلحظ بوضوح أن تلك الألسن تجتهد في أن تتحدث بألفاظ مطاطة عن أخطر القضايا ، حتى كأنهم في ذلك يقولون للمفسدين افعلوا ما تشاؤون لأنه ليس في النص الصامت القدرة على نيلكم ، كما أن هناك أمرا مهما جداً ؛ ألا وهو غياب ناطق بالنص المكتوب ، فالديمقراطية تقول ؛ إن وجود قيم على النص ناطق به يعد محاولة لإنتاج الديكتاتورية ، والنضال التي خاضته الديمقراطية من أجل التخلص من شخص الناطق بالدستور المتمثل بشخص الحاكم نضالا لا يستهان به حيث سخر المؤمنون بالمشروع الديمقراطي كل الإمكانات المتاحة لإضعاف الرابط بين النص(الدستور) والناطق به ، فضلا على أن الناطق بالدستور كان قد أعان على نفسه في مساعدة الطرح الديمقراطي الذي يدعو إلى جعل النص حراً من سلطة القارئ الواحد ، بل والعمل على جعل النص مفتوحا لتعدد القراءات ، وتعد تعدد القراءات دلالة على غنى النص ، وهذا ما أسال لعاب الجميع في مقاربة النص فضلا على أن النص(الدستور) مفرغ من أي قدسية ، لأنه تسطير بشري بامتياز ، فهو ـ بحسب تعبير أحدهم ـ (ليس قرآنا) ثابتا لا يتغير ، بل هو مشروع محكوم بالتغيير والتبديل ، فالذي كتبه لا يعجز عن كتابة غيره ، ولاشك في أن المشروع الديمقراطي عمل على هدم كل مبتنيات الدكتاتورية ، بدءاً من النص المكتوب والعمل على تغييب كاتبه ، بل وجعل علاقة الكاتب المشرع حده مع النص حد الانتهاء من كتابته ، ومن ثم يجير هذا الكتاب باسم الشعب ، بمعنى أن مؤلف الكتاب هو : (الشعب)!!! ولاشك في هذا المؤلف لا يحاكم لا يخاصم ، بل لا وجود له على أرض الواقع ، ولا وجود له سوى في مخيلة من كتب ذلك الكتاب ليكون وثيقة يحلب بها هذه الأرض حلب (اليربوع) لضرع الشاة ، ولا يتركها حتى يميتها ، وهذه هي حال أولئك الذين يقاتلون من أجل الديمقراطية ، لأنها تتوفر على طرق للتحايل ومناطق للفراغ تجعل لعاب (المتشيطنين) يسيل سيلانا عجيبا ، وكذلك فهي توفر للكائنات الطفيلية مناخات كثيرة ومريحة نتيجة لما تتمتع به من زوايا مظلمة كثيرة لا سبيل لوصول النور إليها ، وامتناع وصول النور مرة يكون لعجز في النص ، وأخرى يكون بفعل فاعل .
نعم أن ثورة الديمقراطية على النظام الدكتاتوري لها ما يبررها ، فكون الدستور يكتب بإشراف الحاكم ويعطي الحاكم الحق في تكييفه بحسب ما يرى ويرتأي يصنع من هذا فرعونا لسانه وفعله يقول ما حكاه الكتاب المبين {… قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}(غافر/29) ، ولذلك يمكن أن نعد المشروع الديمقراطي ثورة غيرت ما حاول الفراعنة تثبيته على الأرض غير أن العلاج الذي جاءت به الديمقراطية لم يكن علاجا بقدر ما هو مرض جديد ، استبدلت به البشرية مرضها القديم الذي أشفت من ورائه على الهلاك ، لتجد نفسها في هذا المشروع الذي أبدعت في صناعته (شيطنة المتشيطنين) في ساحة مرض جديد يختلف بمواصفاته عن المرض القديم ، ولذا فالناس تكاد تكون آيست من شيء اسمه الشفاء ، فقبلت حالة استبدال الأمراض ، لعلها تجد في المرض الجديد حالا أهون من المرض القديم ، استنادا إلى المثل القائل (الذي يرى الموت يرضى بالسخونة) ، نعم مازالت حياة الناس مريضة بارتفاع درجة الحرارة ، ولكن هذا الارتفاع حتى لو كان يسلخ الجلد من العظم يبقى أهون بكثير من الذوبان في أحواض الأسيد ، والتحول إلى جسد مفروم تقتات عليه الأسماك في المياه الآسنة ، ليس مشكلة أن تصنع الديمقراطية من الناس سراقا ، فهذا أهون من أن تجعل الناس تحت بلوى سيف الطغاة ، ولكن ما لم يعرفه الناس أن الديمقراطية لم تختلف كثيراً عن مقصلة الطواغيت ، ولكنهم لا ـ أي هؤلاء الديمقراطيون ـ يذبحون الناس كما كان يفعل الدكتاتوريون ، بل يقومون بذلك بعد تخدير من يراد قتله ، ولذلك يموت من دون أي ألم ، أو كما يسميه أطباء الديمقراطية (الموت الرحيم) ، ولكن يبقى في نهاية المطاف (موت) فضلا على أن عجلة القتل المجاني لم تتوقف بالمشروع الديمقراطي ، بل ربما صارت أقبح ، صحيح أساليبها تطورت ولكن النتيجة واحدة ، بل لعل في الدكتاتورية عدو الناس واضح مشخص ، أما العدو في الديمقراطية فهو الشعب ، لأن الحاكم هو الظالم ، وبما أن الديمقراطية تقول أن مشروعها يستند إلى كون الشعب هو الحاكم فيكون بذلك العدو هو الشعب ، (يعني الشعب عليه أن يتآمر على الشعب لإزاحة الشعب من السلطة وإسقاطه ، وأخذها منه بالقوة) ، ولأن من رسم الأطر الديمقراطية أدرك تلك المعركة المحتملة وخطورتها فهو حاول أن يجد لها العلاج وهذا العلاج يكمن في مفصل (تداول السلطة) وهذا المفصل من شأنه أن يمتص الضغط الحاصل من جراء ظلم الشعب للشعب ، كما أن المخطط الديمقراطي يوهم المشاهد بأن الدمى قراطية التي على المسرح تتصرف بحرية كاملة لأنه ليس هناك من خيوط مرئية تتعلق بها ، وليس هناك من ممسك بتلك الخيوط ليحركها على وفق مصالحه ، فتلك الدمى العابثة تتحرك بحرية غريبة ، حرية تصل إلى المصادرة ، بل والتصفية من أجل الحفاظ على المسرح والمشاهدين ، والنص ، وحركة الدمى على المسرح!!!
لقد بقي المشروع الديمقراطي على السطور منذ كتاب (الجمهورية) لأفلاطون ومر بمراحل قراءة متعددة ومع كل قراءة يجد هذا المشروع حاله يقترب من الواقع وذلك من خلال اختزال عدد من التصورات الحلمية فيه ليكون مقبولا على أرض الواقع ، وأخيراً تنفست جمهورية أفلاطون في الواقع بعد مخاض طويل كانت البشرية فيه تتقلب على جمر موائد الدكتاتورية المتلونة ، ولكن ماذا يعني ولادة الديمقراطية في هذا الزمان؟؟؟ الجواب نجده عند رسول الله محمد(ص) الذي أشر على حال الانقلاب على شريعة السماء وكشف عن مرحلتيه الكبريين ؛ المرحلة الأولى : مرحلة الدكتاتورية المستندة إلى غصب المنصب الإلهي غصبا ، وهذا ما حصل في الشورى الكبرى ، حيث قال (ص) (تعقد في مدينتي لغصب خلافة أخي وغصب حق ابنتي) ، ولاشك في أن التحول من حكومة الطبيب السماوي العارف بأمراض البشرية والمجتهد في علاجها ، بل وتوفير سبل الوقاية لكثير منها ، يعد أمراً عظيما ، ولذلك اجتهد الانقلابيون على العمل بل والتظاهر على التزام سمت الطبيب السماوي في العمل ، ولم يكن التغيير سوى في شخص الجالس على كرسي السلطة ، مستغلين بذلك جهل العامة بحقيقة ذلك الانقلاب ، وعاملين على إشباع نهم الخاصة بتوفير متطلبات الجانب الشهوي الذي كثيرا ما كان الطبيب السماوي يعمل على قمعه لأنه أس الداء ، والحمية منه رأس كل دواء ، وكذلك فأولئك الخاصة تحملوا وصبروا على الطبيب السماوي لأنهم عجزوا من تدبير المؤامرات وحفظ الله سبحانه لطبيبه ، ولكن بعد موت الطبيب وتوفر الفسحة الزمنية للانقلاب حصل ما حصل ، وفيما حصل حكمة عظيمة حيث جعلت السماء الناس في امتحان حقيقي بين أن يختاروا الجانب الشهوي الذي وعدت بتوفيره حكومة الانقلاب ، وبين الجانب العقلي الذي يمثله امتداد الطبيب السماوي ، فاختار الناس ما يشتهون ، وانقلبوا على ما يحفظ لهم الصحة ؛ روحا وبدناً ، ومن ثم أي عتب على السماء في أن تشيع الأمراض؟؟! الناس هي التي اختارت الجانب الشهوي(المرضي) ، وأعرضت عن الجانب العقلي(الصحي) ، فهل من الحكمة أو الإنصاف عتاب السماء؟؟!! وعلى الرغم من أن نائب طبيب السماء اجتهد في بيان أن ما يصيب الناس من بلاءات وأمراض هو بسبب عزوفهم عن أخذ العلاج الإلهي من أهله ، وإذا ما استمروا على ذلك فسوف لا يحصدون إلا مزيدا من الأمراض والبلاءات ، فما كان جواب الناس الذين ألفوا المرض وتمردوا على الشفاء إلا أن قالوا لنائب الطبيب السماوي (لقد جادلتنا وأكثرت جدالنا فلئن لم تنته لنرجمنك)؟؟؟!!! وتقلب الناس في حضن الأمراض جيلا بعد جيل ، وكل أمة تورث من بعدها المرض بل وتوصيها بالحفاظ عليه ، إلى أن وصل الحال إلى آخر الزمان .
والمرض في آخر الزمان كان قد وصل إلى أخطر مراحله وإلى ذلك أشار طبيب السماء عندما قال (ص) (وأما الشورى الصغرى فتنعقد في آخر الزمان في الزوراء لتبديل أحكامي وتغيير سنتي) ، وكما شخص الطبيب حصل وهو من شهد له ربه سبحانه بقوله تعالى{وما ينطق عن الهوى}(النجم/3) ، نعم كانت سقيفة الزوراء المرحلة الفصل في قطع تعلق الأرض بالسماء ، فخرج المسلمون ـ سواء من عمل أو من رضي أو من سكت ولم يعلق أو ينتصر للحق والحقيقة ـ بسوادهم عن دين الله سبحانه ، حيث بدل الذين يدعون اتباع محمد(ص) أحكامه بأحكام اليهود والنصارى ، وغيروا سنته بسنة اليهود والنصارى ، ولذلك حظي عملهم برضا اليهود والنصارى ، وكأنهم لم يقرؤوا قوله تعالى{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}(البقرة/120) ، فراحوا يحاسبون ما قال الله سبحانه وما قال رسوله(ص) وأهل بيته الكرام الطاهرين(ص) على وفق منهج اليهود والنصارى ، ويقبلون ما قبل ذاك المنهج ويرفضون ما رفض فوجدوا أن المنهج يرفض كل رائحة لمحمد وآل محمد(ص) وهم الذين استلبوا الناس بالتزيي بزي رسول الله(ص) وآل بيته الكرام(ص) ، ولكنهم عملوا بخلاف أحكامه واستنوا سنة غير سنته ، بل المصيبة التي بتنا نعيشها اليوم هذا الصلف الذي بدا واضحا على الكثير من الألسن الناطقة باسم تلك القيادات الدينية التي تدعي التمسك بالإسلام عندما يقولون أن أهل البيت(ص) ـ وحاشاهم ـ هم أول من شرع للديمقراطية ، وراحوا يقولون الطاهرين ما لم يقولوا بل ويتأولون قولهم ، تماما كما فعل أسلافهم الذين أباحوا لأنفسهم الحرام واحتجوا على الله سبحانه بقول الله عندما قال قائلهم :
ما قال ربك ويل للذي شربوا *** بل قال ربك ويل للمصلينا
ولقد لعبت خمرة تلك الفكرة في الرؤوس لعبتها حتى بات اليوم تأويل آيات القرآن وأقوال الطاهرين(ص) نهجا ينتهجه أولئك الفقهاء ومن يسير بركبهم ويروج لمشروعهم من دون أدنى ورع ، مع أن ما قاله الله سبحانه والطاهرون من عترة نبيه(ص) يقع في الجانب النقيض للمشروع البشري في الحكم بشقيه ؛ الدكتاتوري والديمقراطي ، ولا يستطيع أحد من الناس أن يثبت ذلك إثباتا بل    كل الذي يتمسكون به نصوصا متشابهة تحتمل كذا وتحتمل كذا ، وعلى وفق مبانيهم ؛ إذا دخل الإحتمال فسد الإستدلال ، ولذلك فهم لا يستطيعون أن يستدلوا على ما يتأولون ولو بنص واحد على ما يقولون ، ودون ما يفعلون خرط القتاد ، ولذلك فهم يعمدون دوما إلى المتشابه من القول ويضلون ويُضلون ، وعلى وفق هذا المنهج يقومون بتشريع الفساد ، والتغطية على المفسدين .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى