نتيجة الخلط في الفهم الذي تراكم خلال سنين طويلة في عدم التفريق بين المقصود بالامام المهدي ع في الروايات و بين شخصية اليماني المقدسة ضاعت الكثير من الحوادث التاريخية ( المستقبلية ) و الشخصيات المهمة في خضم هذا الخلط … فالقائم و المهدي لقبان استخدمهما اهل البيت (ع) في الكثير من الروايات للدلالة على اليماني ( ع ) و ليس على الامام المهدي (ع) لان اليماني يصدق عليه تسمية القائم لأنه اول المهديين و اذا قرأت الروايات عزيزي القارئ بهذا الفهم الجديد ستتغير الكثير من المفاهيم الخاطئة التي كرستها ترسبات الفهم الخاطئ للروايات فيما سبق .
و موضوع هذا المقال يبين شخصية مهمة تنصر اليماني في خضم ارهاصات الظهور بينما توهم الكثير انها تنصر الامام المهدي (ع) و سنوضح ذلك من خلال الروايات :
قال أبو عبد الله عليه السلام : بيننا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم بالبقيع فأتاه علي فسلم عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : اجلس فأجلسه عن يمينه ثم جاء جعفر بن أبي طالب فسأل عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقيل : هو بالبقيع ، فأتاه فسلم عليه فأجلسه عن يساره ثم جاء العباس فسأل عنه فقيل هو بالبقيع فأتاه فسلم عليه وأجلسه أمامه . ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام : فقال : ألا أبشرك ألا أخبرك يا علي ؟ قال : بلى يا رسول الله فقال : كان جبرئيل عندي آنفا وخبرني أن القائم الذي يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا من ذريتك من ولد الحسين عليه السلام فقال علي عليه السلام : يا رسول الله ما أصابنا خير قط من الله إلا على يديك .
ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا جعفر ألا أبشرك ؟ قال : بلى يا رسول الله فقال : كان جبرئيل عندي آنفا فأخبرني أن الذي يدفعها إلى القائم هو من ذريتك أتدري من هو ؟ قال : لا ، قال : ذاك الذي وجهه كالدينار وأسنانه كالمنشار وسيفه كحريق النار ، يدخل الجبل ذليلا ويخرج منه عزيزا يكتنفه جبرئيل وميكائيل . ثم التفت إلى العباس فقال : يا عم النبي ألا أخبرك بما أخبرني جبرئيل ؟ فقال : بلى يا رسول الله : قال : قال لي : ويل لذريتك من ولد العباس فقال : يا رسول الله أفلا أجتنب النساء ؟ قال له : قد فرغ الله مما هو كائن . بحار الانوار ج 51 ص 76 .
ان الشخصية الوارد ذكرها في هذه الرواية ان الذي يدفعها للقائم هو من ذرية جعفر (ع) و قد ذكر صفاته و امكاناته العالية و الشديدة و الملفت للنظر ان الذي يدفعها للقائم هو صاحب الراية الحق لا غيره و هو اليماني و قد اثبتت الروايات هذه الحقيقة بما لا يقبل النقض فالى من يسلم هذا الرجل نصرته و سلاحه و تمكينه ؟ و الجواب يكون محصوراً في جهة واحدة اذن و هي نصرته للقائم بامر الامام المهدي اي اليماني . و ربما يعترض معترض معتبراً ان هذا الشخص هو اليماني !! و هذا محال لانه من ذرية جعفر و اليماني من ذرية الحسين (ع) كما ورد في الكثير من الروايات و اهمها وصية رسول اللله ( ص) في ليلة وفاته .
اما الاشارة الى انه يدخل الجند او في بعض الروايات الجبل ذليلاً فيه دلالة على انه يدخل في بيعة اليماني فالجند تدل على جيش اليماني و الجبل قد تدل على اليماني نفسه ( لانه يمثل حجة الله ) و هم الجبال الر واسي التي تمسك الارض ان تميد بكم كما ورد في الروايات هذا لامعنى و دخول هذا الرجل في بيعة اليماني (ع) ذليلاً و خروجه عزيزاً فيه معاني كثيرة و هي و الله اعلم ربما تعني التخبط و الضياع الفكري و العقائدي و الذي يكتنف حركة ذلك الرجل في تلك الفترة بسبب الفتن فيصدق عليه وصف ( ذليلاً ) و خروجه بعد اعلان الطاعة ( عزيزاً ) بالحق الذي اتبعه و الايمان الذي دخل قلبه و العزة للمؤمنين .
عن أمير المؤمنين عليه السلام ، أنه قال : ملك بني العباس عسر عسر ليس فيه يسر ، تمتد فيه دولتهم ، لو اجتمع عليهم الترك والديلم والسند والهند لم يزيلوهم ، ولا يزالون يتمرغون ويتنعمون في غضارة من ملكهم حتى يشذ عنهم مواليهم وأصحاب ألويتهم ، ويسلط الله عليهم علجا يخرج من حيث بدأ ملكهم ، لا يمر بمدينة إلا فتحها ، ولا ترفع له راية إلا هدها ، ولا نعمة إلا أزالها ، الويل لمن ناواه ، فلا يزال كذلك حتى يظفر ويدفع إلى رجل من عترتي يقول بالحق ويعمل به . بحار الانوار ج 31 ص 531 .
و هذا الرجل في هذه الرواية يرد عليه نفس الاشكال الوارد على الرواية السابقة حيث تذكر الرواية انه يدفع بظفره الى رجل من عترة امير المؤمنين (ع) يقول بالحق و يعمل به فاذا كان المدفوع اليه بالظفر الامام المهدي (ع) فاين ذهب اليماني الذي يصفي الساحة تماماً للامام المهدي (ع) و يسلمه الراية حتى تصف الروايات الامام المهدي بانه لا يهريق محجمة دم … ثم ان الفترة التي يظهر فيها هذا الرجل هي فترة حكم بني العباس و هي فترة تسبق ظهور السفياني و بالتالي فهي توافق ظهور اليماني و تسبق ظهور الامام المهدي (ع) بكثير فلا يصدق على اي شخص في تلك الفترة ( يقول بالحق و عمل به ) الا على اليماني ( يهدي الى الحق و صراط مستقيم )
كما ورد عن الامام الباقر (ع) و الغريب ان الرجل الذي تصفه الرواية ( العلج : اي الرجل الشديد القتال و النطاح – قاموس كتاب العين ج 1 ص 228 – ) و هو يخرج من حيث بدأ ملكهم و ان بني العباس يبدأ ملكهم و الله اعلم من الحوزة لانهم اتخذوا الدين وسيلة لاضفاء الشرعية على ملكهم .
و من الروايات التي تؤيد مثل هذا المعنى ما ورد عن النبي ( ص) : إذا وقعت الملاحم بعث الله من الموالي أكرم العرب فرسا وأسوده سلاحا ، يؤيد الله بهم الدين ، فإذا قتل الخليفة بالعراق خرج عليهم رجل مربوع القامة ، كث اللحية ، أسود الشعر ، براق الثنايا ، فويل لأهل العراق من تباعة المراق ، ثم يخرج المهدي منا أهل البيت ، فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا . بشارة الاسلام ص 45 .
ومن الارجح ان هذه الرواية تدور فلك نفس الشخصية لان هذا الرجل المربوع يسبق خروج المهدي (ع) و ان اتباعه مراق ( مفردها مارق و هو الخارج عن الدين – قاموس مجمع البحرين ج 5 ص 235 )
و هذه الصفة لا يمكن بحال اعتبارها لاتباع اليماني و الا لما اصبح صاحب راية حق كامل فكيف تقتدي الناس باليماني اذا كان اتباعه خارجين عن الدين , اذاً اصبح لزاماً علينا اعتبارها صفة لأتباع رجل اخر غير اليماني يكون اتباعه خارجين عن الدين و هؤلاء الاقوام يؤيد الله بهم الدين و هذا ليس تناقضاً في الرواية و لكن لو ان هؤلاء نصروا راية الحق و ستكون نصرتهم بسبب قائدهم الذي اعطته الرواية الكثير من الاهمية ( من الموالي اكرم العرب فرساً و اسوده سلاحاً … ) فاذا اتبع ذلك القائد راية الحق الموجودة ّ( راية اليماني ) لاتبعه ( اتباعه المراق ) فيعصمهم الله بالحق الجديد فتكون النتيجة كما تصفها الرواية ( يؤيد الله بهم الدين ) .
و اخيراً اقول ان الصفة الرئيسية التي اشتركت فيها الروايات في وصف ذلك الرجل هي انه مقاتل شديد و انه يبدفعها الى القائم و ان القائم المقصود في زمن يسبق ظهور الامام المهدي (ع) اي انه يكون في فترة التمهيد مما يعني انه يدفعها الى اليماني .
و الله سبحانه و تعالى احكم و اعلم و اليه ترجع الامور ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( صحيفة الصراط المستقيم ـ العدد 16 بتاريخ 3 ذو الحجة1431هـ الموافق ل 09/11/2010 )