بسم الله الرحمن الرحيم
كنا فيما مضى نتغنى بتلك الحادثة التاريخية الشهيرة التي رسمها لنا الإعلام السلطوي حيث أظهر للناس أن النخوة والغيرة لدى قادة المسلمين لا يدانيها وصف ،
فعندما وصل خبر ما فعل جنود الرومان بامرأة عربية وقيامهم بالاعتداء عليها وسلب حليها فنادت : (وا معتصماه) فنقلت تلك الصرخة إلى المعتصم العباسي فأمر بإعداد الجيش سريعا وإغاثة المرأة ، فكانت ـ بحسب ما يروى ـ وقعة عمورية!! وكيف تغنى بها الشعراء ومنهم أبو تمام ، ووصلت حمى الإعجاب بذاك الموقف (الكبير) الذي سجل للمعتصم العباسي إلى عصرنا الحالي فكان للشاعر أبي ريشة وقفة استذكار لتلك النخوة المتخيلة التي افتقدها في قادته فاستنكر عليهم خنوعهم وهم يرون النساء في فلسطين يستغثن ؛ صورة وصوتا عبر شاشات التلفزة ، وهم لا يحركون ساكنا ، بل لا يستحون من عقد جلسات مع الصهاينة للتفاوض والتنازل والاستسلام ، وأتذكر أن هذا البيت الشعري كان بالنسبة لمن يقرأه صرخة استنكار للوضع المزري الذي وصلت إليه الأمة ، حيث غاب عنها الإحساس بالغيرة حتى أن قادتها ما عاد عرق الغيرة فيهم ينبض!!!
ومرت الأيام والسنون وكلمات أبي ريشة تعشعش في الذاكرة :
رُبَّ وا معتصماه انطلقت * ملئ أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنها * لم تلامس نخوة المعتصم
وأخذت تلك القصيدة حيزها في النفس نتيجة الحال المزري الذي وصلت إليه البشرية وخاصة المسلمين من غياب الغيرة ، بل انتفائها ، وقتلهم للأخلاق في أنفسهم ، وبالمقابل كنا نرى في المعتصم العباسي رمز الغيرة المفتقدة ، ولكن بمرور الأيام ومن خلال القراءة والبحث والنظر بواقعية تكشفت لنا حقيقة تلك الغيرة المزعومة ، وكيف أن حكام بني العباس وما أشيع عنهم من خلق إغاثة وغيره من المكارم ما هو إلا زوبعة في فنجان ـ كما يقال ـ وأن التأريخ العربي للدولة (العربية) الإسلامية في زمن الأمويين والعباسيين ما هو إلا أكاذيب ملفقة ، ويبدو أن الخيال الذي أنتج أساطير ألف ليلة وليلة كان هو ذاته الخيال الذي كتب تاريخ الدولة العباسية ، ذاك التاريخ الذي عمل المؤرخون على إخفاء حقيقة واقعه ولكن على الرغم من ذلك ظهرت دلائل كثيرة وكبيرة على عظيم الجرائم والانتهاكات التي كانت ترتكب فيه بحق الإسلام والمسلمين ، فسجون وطوامير صاحب العصر الذهبي ـ كما يسمى ـ لدولة بني العباس ؛ هارون اللارشيد خير شاهد على أن أولئك الطواغيت ابتنوا لهم مجدا أسطوريا شيدوه من دماء الأبرياء وأكاذيب الأدعياء ، وعلا لهم من هذا وذاك ما اصطلح الناس عليه ملكا ، ولكنه عسر لا يسر فيه ـ كما وصف آل محمد(ص) ـ وها هو الزمان يدور دورته ليعيد للناس إنتاج حكومة عباسية جديدة تحاول بعث مهازل أسلافها من ثمار نطف السكارى في أرحام الغواني (استنادا إلى وصف أحد المؤرخين الذين سئلوا عن رأيهم بحكام بني العباس) التي كان يسميها كتاب تاريخ السلطة : إنها منجزات حضارية ، وهي في واقعها مهازل ومصائب لا طاقة للكلمات على وصفها ، ولكن لسياسة الترغيب والترهيب سطوتها في جعل هارون اللاهي ناسكا عابداً (يحج سنة بمحراب ألف جارية ، ويغزو سنة ليقتنص ألف جارية) ويا له من نسك وعبادة ، ويا لها من غزوات جهادية!!!
إن حكومة بني العباس اليوم هي كحكومتهم بالأمس إن لم تكن هي الصورة الهزيلة الأقبح لذلك الملك العضوض العقيم ، حكومة قائمة على صوغ الأكاذيب والترويج لمنجزات لا وجود لها إلا في مخيلة الحالمين بها ، وبالمقابل هناك واقع يزداد تفسخا يوما بعد يوم حتى وصل إلى الحال الذي يعتدى فيه على النساء في وضح النهار وفي قارعة الطريق ومن (حاميها) الحرامي ، من دون أن يكون هناك صوت شريف يفضح تلك الممارسات القذرة لسلطة لا هم لها سوى الحكم ولو بانتهاك الحرمات ، واستباحة الدماء باسم اللعبة الديمقراطية ، حيث بات اليوم أهل العراق في ظل حكم بني العباس الجديد يعيشون واقعا يترحمون به على واقع الأمويين المرير ، فعباسيو اليوم لا يراعون الحرمات ، ولا يتورعون عن ارتكاب الجرائم في وضح النهار ، مادام الملك لعبة صبيان بيد من يغلب ، و(من غلب على شيء فعله) هكذا هي حكومة اليوم ـ كما وصفها أمير المؤمنين(ص) ـ ولو أن هناك من ينصف آل محمد(ص) ويعود إلى قراءة ما دونوا عن حال الناس بعودة ملك بني العباس في آخر الزمان لتكشف لهم مصيبة ما هم فيه وما سبيل النجاة والعلاج؟؟!! ولكن العرب ـ كما وصفهم أعداءهم ـ لا يقرؤون ، وإن قرؤوا لا يفقهون!!!
ربما حادثة الاعتداء على إعلامية في شريط أخبار عراق العجائب ليست بذي بال لدى ساسة السلطة العباسية اليوم لأنها (لعب صغار) ، ولكنها في ميزان الإنسانية جريمة تعكس مدى الانحطاط الأخلاقي الذي تستند إليه دولة بني العباس في هذا الزمان ، فهؤلاء اليوم كأولئك بالأمس كما وصفهم التاريخ (نطف السكارى في أرحام الغواني) فمستودع قذر وبيل ، ومستقر أقذر وأنجس ، فماذا يتصور القارئ أن يخرج من مثل هكذا ؛ مستودع خمر ومستقر رذيلة ، غير ثمار ترى الطهر والشرف والنقاء عبئا عليها ، فتهرع إليه حاملة سكاكينها وسيوفها لحز رأسه وتقطيعه إربا إربا؟؟؟!!!
لقد شكلت تلك الحادثة الإجرامية لزبانية سلطة هي من نتاج رذيلة لا طاقة لأي قلم كيفما كان ـ حتى لو بلغ في الارتزاق مستوى من الحرفية في ترويج الأكاذيب واصطناع المآثر الزائفة ـ على سترها ، أو تحويل النظر عنها لأنها هي مصيبة كل أهل العراق اليوم ، فتلك العصابات العباسية المتسلطة التي جاءت تحمل إرث السفاح والدوانيقي واللارشيد والمعتصم بالملاهي والقيان ، والمتوكل على الرذائل والغلمان ، والمقتدي بالشيطان ، وإلى آخر مسمياتهم التي ما هي إلا لوحة فسيفساء من الكذب والامتهان ، لا يهدأ بالها حتى ترى بلاد السواد بلا سواد ، والرافدين بلا يدين ، ولقد عقدت العزم على ذلك وواثقت عليه أسيادها الأمريكان كل ذلك من أجل أن تتاح لها فرصة تبادل السلطة (بسلمية) كما يزعمون ويحلمون ، ولو بتحويل واقع الناس إلى قسطل حرب تتطاير فيه الكرامات وتستباح الحرمات .
ولعل من عجيب ما يقرأ في ردود أفعال الناس على تلك الحادثة ـ التي هي صورة فضحت آلاف الصور التي اجتهد مقص الرقيب على اقتطاعها من أرشيف دولة (الدما قراطية) ـ هو العزم على مناشدة المرجعية النائمة لإيجاد حل لتلك المصيبة ، ويبدو أن الناس تتناسى أن المرجع الأعلى هو الحضن الراعي لتلك العصابات العباسية والعامل على الإشادة بمنجزات دولة (الدماقراطية) بل هو من المؤسسين لها والداعمين لها بكل ما يملك ، وهو من شرع لهؤلاء الأوباش أن يفعلوا بالناس ما تستنكرون ، فكيف ترتجون الماء من السراب؟؟؟!!! فالسيستاني الذي ترجون هو سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا!!! وهل تراكم أيها الناس لو أبيح لكم النظر في ملفات السيستاني وزبانيته وأبواقه وجوقة المعممين التي تتبعه لتروا صور أفظع وأشنع من صورة (زهراء الموسوي) وهي تتعرض لما تعرضت إليه سترجون من وراء التفكير بالذهاب إليه ولو سحابة فائدة في صيف الأماني؟؟؟!! إن ما ذكرته الأخبار من عزم الناس في التوجه إلى تلك المرجعية التي أسست أساس الفساد والظلم الذي نراه اليوم هو تماما ينطبق عليه المثل القائل : كالمستجير من الرمضاء بالنار!!!
هل من الحكمة أن تترجى الناس بعد كل هذه المصائب التي أشرف عليها وصاغها بشيطنة كبيرة المرجع الأعلى أن يتكرم عليهم ولو باقتراح (حل)؟؟؟!! لقد أدمن المرجع الأعلى المتاجرة بأعراض الناس ودمائهم من وراء الكواليس ومن ثم فهو من الأيادي الخفية التي عملت على أن تكون صورة (زهراء الموسوي) بالحال التي كانت عليه في قارعة الطريق وفي وضح النهار ، ولو كان المرجع الأعلى كما يظن الناس به من التقوى والورع لما تجرأ كلب من الكلاب السائبة على عظمة ملقاة في قمامة ، بله أن يتجرأ اللقطاء على الأعراض ، ولكن ما حدث لتلك المرأة هو مرآة عاكسة لحقيقة ذلك المرجع الأعلى الذي تداولته أيدي (الـ….) ، ومرآة عاكسة لحقيقة حكومة بني العباس ، وليت شعري ما قول أولئك الذين يلهثون خلف اللعبة السياسية والانتخابات والديمقراطية؟؟؟ هل سيراهنون على أن بريق الدعايات الانتخابية وحمى السباق إلى السلطة سيكون القمامة التي ستستر ما انتهك من هذه المرأة ومن خلفها كل النساء اللواتي ما حصلن على فرصة كتلك التي حصلت عليها تلك الموسوية وفضحت الصورة المخملية لدولة لا يمكنها العيش إلا في مستنقع الرذائل والقذارات؟؟؟ هل تراهم يجرؤون ولو مرة واحدة على مواجهة انحطاطهم ليعترفوا أن ما توهموه علاجا هو في واقعه سما زعافا ، وخلايا سرطانية مهلكة زرعوها بأيديهم في جسد البلاد والعباد؟؟؟ فالعتب اليوم ليس على المالكي أو الذين يخوضون في مستنقع الرذيلة لأن أولئك الناس رضوا أن يكونوا في ذاك المستنقع وقبلوا الثمن الذي يتطلبه ولوج ذلك المستنقع ، وهم اليوم ينفذون ما تعاقدوا عليه بالأمس في الغرف المظلمة ، إنما العتب على أولئك الذين يأملون الماء من الجري وراء السراب على الرغم من أنهم عرفوه سرابا ، والعتب كل العب على أولئك الذين يرون فضائح المرجعية الدينية ويصمتون خوفا على حياة ذليلة مهينة ، الموت أشرف منها بمئات إن لم يكن بآلاف المرات ، أولئك الذين يعرفون ويعترفون أن تلك المرجعية الفاسدة هي من أعانت بل وسندت هذا الانحراف وشجعت المنحرفين والفاسدين ، فأين الدين يا دعاة الطين؟؟؟ أين الدين يا دعاة الطين؟؟؟