زاوية العقائد الدينيةعقائد السنةعقائد الشيعة

منظومة الحكم الالهي

بسم الله الرحمن الرحيم

اللــــــهُــمّ صـــلّ علــى مُــحَـــــمّــد وال مُــحَـــــمّــد الائـــمــة والمَــــهــدييـــــــــن وسَــلّــــم تَســـليـــمــــــــا

(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)  (المائدة:44)

يخبرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الاية والايات التي تليها من سورة المائدة حتى (الاية-50) بمنظومة الحكم الالهي، كتاب ينزل من الله هو دستور كامل للحياة فيه الخلاص والنجاة للناس (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُور) وكذلك فيه الاحكام الالهية، فالله سبحانه هو المنزل للقواعد الحياتية كما هو المنزل للشريعة، ومع الكتاب القائم بامر الله الذي نص عليه الله بانه خليفته في ارضه ليحكم بما انزل الله (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) بين الناس ويسيروا بالناس الى طريق الحق الذي كلف الناس باتباعه والسير فيه.

ليس فقط النبيون من يحكم بما انزل الله من شرع واحكام بل كذلك يحكم بها  الربانيون والاحبار (وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ) الذين تم تنصيبهم والنص عليهم من الله سبحانه وتعالى بما حملهم من امانة واستحفظهم عليها (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ)

وتحذر الايات من يسير خارج هذه المنظومة بان تصنيفه يوم القيامة سيكون كافر ايس من رحمة الله (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)

بالتاكيد ان كثير من الناس لايناسبهم السير من خلال المنظومة الالهية، ليس لصعوبة تطبيق احكامها، فحتى ان يزيد الفاجر شارب الخمر كان ايضا يقيم الحد على شارب الخمر، ولكن الذي يصعب عليهم هو الطاعة لله ولوليه في الارض، وهذا ما اشار له الحسين عليه السلام عندما عرف بسبب خروجه من المدينة الى الكوفة (ما خرجت أشرا ولابطرا ولاظالما ولامفسدا وأنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله كي آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)

والامر بالمعروف والنهي عن المنكر هنا هو اقامة حاكمية الله، لا مايذهب اليه البعض من تطبيق الشريعة، الحسين عليه السلام كان يخاطب عقيدة الناس في موقفه هذا.

وهذه المواجهة بين الحق والباطل والتي خلدها الحسين عليه السلام في ابهى صورها هي التي امتحن الله فيها خلقه (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً) وجعل من ينتصر بهذه المواجهة هم حزب الله بغض النظر عن النصر المادي في هذه الدنيا. فالعمل بالمنظومة الالهية وعدم توجيه اعتبار لمايريده الناس كان محور الدعوات الالهية، بل هو الدين كله.

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة:67)

فالتبليغ المعني هنا جعله الله الدين كله  (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)

(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (آل عمران:55)

فاللذين امنوا بعيسى عليه السلام قد رفعهم الله عنده وارتضى اعمالهم (وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ولانتوهم ان الايات تدعوا للوقوف عند الايمان بعيسى عليه السلام وعدم الايمان بمن ياتي بعده من خلفائه في ارضه وحججه على عباده، فالايمان بولي الله واحد وكأن الاية تقول ان من امن بكلمات الله هم المؤمنون عند الله. فالمؤمنون بالحاكم المعين من الله سبحانه هم من ارتضى الله دينهم بفضله ومنّه سبحانه.

ويعاد امر المواجهة بين الناس مرة اخرى (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) ولكن هذه المرة تقول الايات ان هناك محكمة الهية ستنعقد بين يدي الله في يوم القيامة للحكم فيما اختلف فيه الناس من امر الله وطاعة اولياءه. والخصمان هنا تم تصنيفهم الى صنفين، الاول هم من آمن بكلمات الله وتابع اولياءه وحججه على الخلق، والثاني هم من كفر بالتعيين الالهي وذهب الى تعيين الحاكم بنفسه.

المحكمة الالهية ستعقد لتحكم بين الناس فيما اختلفتوا فيه (كما ورد في نص الاية) وهذا يستدعي ان يتقدم الخصمان بين يدي صاحب المحكمة ويعرضوا شكاواهم ليحكم بينهم فيما اختلفوا فيه.

ولنقف على امر هذه المحكمة وطبيعتها نستحضر قول الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام (انا اول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة)، ماهذه القضية التي يختصم بها علي ابن ابي طالب عليه السلام في افتتاح محكمة الحق في الخلق، وماهذه القضية التي يقف فيها امام الخلق الانسان الاول علي ابن ابي طالب عليه السلام، لابد ان هذه القضية تمثل ثقل التكليف الالهي، وهي فعلا كذلك، فهي قضية حاكمية الله ولهذا فان المتصدي لها هو الانسان الاول والخليفة المعين من سيد الخلق محمد صلوات الله عليه واله وبتعيينه اكتمل الدين وتمت النعمة،

فمعرفة خليفة الله في ارضه هي الدين الكامل وهي الدين كله، لان الدين وحدوده وشرائعه تعرف بهذا الخليفة، ومعرفة خليفة الله في ارضه هي معرفة الله.

((كتب الصادق-ع- إلى المفضّل: ثمّ إنّي أخبرك أنّ الدّين و أصل الدّين هو رجل وذلك الرجل هو اليقين وهو الإيمان وهو إمام أمّته و أهل زمانه فمن عرفه عرف الله و دينه ومن أنكره أنكر الله و دينه و من جهله جهل الله و دينه ولا يعرف الله ودينه وحدوده وشرايعه بغير ذلك الإمام كذلك جرى بأن معرفة الرجال دين الله))

ولايوجد نعمة تضاهي نعمة الاخذ بيد العبد الى الله التي جعلها الله لعبادة من خلال متابعة اولياءه المعينين حجج على العباد منه سبحانه

(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (ال عمران 31)، وبطاعة خليفة الله والتمسك بهذه النعمة يكون العبد من الشاكرين.

نعود للاية الاولى في بداية الحديث والتي صنفت من نص الله عليه بالمسلمين (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) وهذه اشارة الى درجة ايمانهم وتسليمهم لله سبحانه وتعالى (الَّذِينَ أَسْلَمُوا) ، اما من يحتكم بحكمهم فهم الذين حصنوا انفسهم من الضلاله بالاعتصام بخليفه الله في الارض وحجته على خلقه في ارضه فهم بذلك يوصفون بانهم من خلص نفسه من براثن الشيطان، فهدأت انفسهم واطمأنت لامر الله (لِلَّذِينَ هَادُوا)، اما غيرهم فهم على العكس منهم (لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ )(البقرة: من الآية275)

فهم قبل رجوعهم لامر الله كانوا في صفتهم كالمجانين الذين يتخبطون من مس الشيطان، وبرجوعهم الى الله تهدأ سريرتهم ولذلك سماهم القران الذين هادوا (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا)

فاللذين يحكمون بما أنزل الله سبحانه جميعهم قد نص الله عليهم اي انهم معينون منه سبحانه وليس للناس ان تأخذ زمام المبادرة في هذا الجانب وتعين من تريده من الناس حاكما عليهم، فكما ان الدستور من الله فأن القائم على هذا الستور يتم تسميته من الله سبحانه وهذا واضح في نص الاية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى