إذا تجاوزنا كل المعطيات التي تدفع باتجاه توهين النتيجة المطلوبة من قبل بعض الأطراف الطامحة لدور عربي في العراق يوازن على حد زعمهم الدور الإيراني ( الدور الأمريكي لا أحد يجرؤ على الحديث عنه ) فإن زيارة عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية التي جاءت متأخرة بكل تأكيد ، وجاءت كذلك من باب دعوة الرئيس العراقي جلال طلباني لحضور مؤتمر القمة المزعم عقده في الدوحة ، هذه الزيارة لا يبدو أنها تحمل تغييراً إيجابياً في الدور العربي من أي نوع ، فالزيارة التي أحتفت بها وسائل الإعلام كانت باهتة ، والتصريحات التي أدلى بها الأمين العام عمومية تراعي كل المراعاة حقيقة الدور البروتوكولي الذي تمثله الجامعة المستقيلة عن التأثير منذ اليوم الأول لتأسيسها بإشراف الاستعمار البريطاني لتكون بديلاً عن الطموح الذي تغنى به القوميون العرب بدولة حدودها تمتد من الماء إلى الماء .
ولكن الزيارة رغم كل شيء تثير تساؤلاً عن دور عربي مربك خرج بعد تصريحات كثيرة من هذا الطرف العربي أو ذاك عن كونه تكهنات صحفية لا تملك ما يسجلها على صفحة الوعي كحقائق مدعمة بالإثباتات . وهكذا إذا كانت الزيارة لم تترتب عليها أية نتيجة تذكر بحد ذاتها ، فإنها دون شك تقود الهواجس لمرحلة قادمة تشير الكثير من الوقائع إلى أنها لن تكون محمودة النتائج .
لا أحد يمكنه إنكار إن الجامعة العربية مسيطر عليها من قبل دولتين عربيتين ، هما وحدهما اللذان يسيران سياساتها ، وهاتان الدولتان هما مصر والسعودية ، وحيث إن هاتين الدولتين منشغلتان هذه الأيام بمواجهة التأثيرات السيئة لما يسمى بمحور المقاومة الذي تدعمه إيران على موقعهما وكراسي حكامهما فإن من المرجح تماماً أن يتناسب الدور العربي المتوقع مع طبيعة هذه المعركة المستعاضة عن المعركة الأصلية المفترضة مع الكيان الإسرائيلي .
ولما كان العراق الشيعي – بحسب هواجس هذه الأنظمة – مرشح للميل باتجاه الهوى الإيراني ، ومرشح بحسبها أيضاً لئن يكون بوابة الشر القادم ، فإن الدور العربي لا شك سيتبنى موقف الآخر المعارض أو الرافض للتشكل الحالي للخارطة السياسية العراقية ، بل إن من المتوقع تماماً أن يتبنى العرب نمطاً من المشاريع يستهدف تغيير هذه الخارطة كلياً ، ولا أظن الخطاب البعثي المستأسد بوجه مشروع المصالحة المالكي نابع هذه المرة من فراغ كما عودتنا خطابات الطاغية صدام .
فالموقف البعثي الذي أعلن عنه صلاح المختار من على قناة الجزيرة غير متوقع بل مبالغ فيه إلى حد كبير ، فعلى مستوى أكثر الظنون الحكومية سوءاً كان يمكن للبعثيين أن يطالبوا بالمزيد ، أما أن يأتي الرد بهذه الصورة المهددة فهو أمر يتجاوز مستوى لعبة الشد السياسي والمناورات الخشنة .
ولو عدنا إلى وقائع السياسية العربية سنشهد روح مبادرة سعودية لم يسبق أن تمتعت مملكة آل سعود باللياقة اللازمة لمثلها ، فالسعوديون كانوا دائماً سباقين بتصعيد الموقف مع سوريا ، أما أن تطالعنا الأنباء بسعي سعودي محموم للتقارب مع سوريا وطي صفحة الماضي وتقريب المواقف العربية ، فهذا أمر يدعو للريبة بقدر تعلقه بالخطوات المتوقعة في خصوص الشأن العراقي .
إذن المظنون بقوة أن يكون الموقف العربي عاصفاً على مستوى القضية العراقية ، ولعل قمة الدوحة المرتقبة ستنطق كلمة الشروع ، وعلى الأرجح ستكون المطالبة بالمزيد من التنازلات الحكومية لصالح البعثيين في إطار مشروع المصالحة الباب الأوسع لولوج المشروع العربي للساحة العراقية .