الحلقة الأولى
عبدالرزاق الأنصاري
كتبت الجريدة المذكورة مقالاً يحارب الدعوة اليمانية بعنوان:
( تحت المجهر سلسلة مقالات تتناول بالدراسة أدعياء المهدوية والسفارة قديما وحديثا جماعة المدّعي احمد بن الحسن جهلٌ أم جنون.. أم ضحك على الذقون )، وحيث أن الصحيفة تصدر عن مركز الدراسات التخصصية، فهي بالنتيجة تمثل رأي الحوزة النجفية على الأقل، إذن لنرى هل يملكون دليلاً أو حجة في حربهم لدعوة اليماني؟
يقول كاتب المقال الذي آثر عدم ذكر اسمه ليتجنب ربما الفضيحة التي يتوقع أن يلحقها به مقاله المتهالك، يقول: (( الحركات الشاذة التي طلعت على المسلمين طيلة الفترات التاريخية كانت تستند إلى دعاوى كاذبة لكنها مرتبة بطريقةٍ يدخلُ فيها شياطين الإنس والجن لتنميتها وتقديمها إلى جمهورٍ ساذج بسيط يقتنع بدعاواها الكاذبة، ولا تمر فترة حتى تنكشفُ خزعبلات هذه الدعاوى، فمن نبوءة مسيلمة الكذاب الزائفة, إلى نبوءة سجاح الضالة إلى غيرها من جنون الدعاوى التي ضحكت على أذقان البعض وانكشف لهم أخيراً زيفها. لكن هذه الدعاوى كانت لا تخلو من استدلالات وإن كانت موهمة لكنها منسقة بشكلٍ ينطلي على البسطاء )).
أقول هذا النوع من المقدمات ذات وظيفة تضليلية استخفافية، فهي تهدف إلى تهيئة ذهن القارئ لدلالة معينة تتمثل برفض الدعوة اليمانية سلفاً، وقبل بيان الأسباب أو الدلائل. فالمقدمة تبدأ بعبارة ( الحركات الشاذة ) وهي عبارة يستوحي منها القارئ أن الدعوة اليمانية المباركة تُصنف في خانة الحركات الشاذة، وسيكون لهذه الدلالة تأثير قوي يمنعه من التركيز على أسباب هذا الحكم المسبق التي سيسوقها كاتب المقال، الذي لا يملك الجرأة على ذكر اسمه.
كاتب المقال إذن يريد أن يعطل عقل القارئ ويمنعه من تفحص أسباب الحكم، والنظر إليها من جهة كونها صالحة لمثل هكذا حكم أم إنها تلفيقات وأباطيل لا تصدر عن عاقل فضلاً عن صدورها عن شخص يدعي العلم، والقدرة على محاكمة الأفكار.
والملاحظة الأخرى بهذا الصدد تتمثل باستحضار نماذج تاريخية عن حركات منحرفة مثل حركة مسيلمة وسجاح، وهذا الاستحضار يعزز لدى القارئ الدلالة التي توحي بها عبارة ( الحركات الشاذة )، ويستنفر في عقله مخزونات الخوف والقلق من التورط في ما يمثل معصية ومخالفة للحق. فالقارئ – أدرك أو لم يدرك – سينصرف عقله إلى جهة معينة تشغل كل تفكيره، وهذه الجهة هي جهة الخوف من الخطأ، وبالتالي سيجد نفسه غير مبالٍ وغير مهتم بتتبع الدعوة اليمانية ومحاولة الفحص عن دليلها واحتمال كونها دعوة حق، وهذا ما يريد كاتب المقال تحقيقه من خلال إستراتيجية التخويف التي تنطوي عليها مقدمته.
وإذا شئنا توضيح هذه الفكرة من خلال مثال نضربه، نقول: إن كاتب المقال يستخدم نفس الأسلوب الذي تستخدمه بعض الأمهات مع أطفالهن، فحين يردن منع الأطفال من الخروج مثلا، أو حين يردن إسكات صوته المطالب بحاجة معينة يقلن له: اصمت يا بني لئلا يسمعك الذئب المتربص في الخارج، أو يسردن له حكاية من حكايات الجن التي تخيفه وتدفعه إلى النوم. وهذا الأسلوب كما هو واضح أسلوب المفلسين الذين لا يملكون حجة قوية، أو حتى حجة مقنعة، وهو أسلوب ينم بالتأكيد عن نوع من العلاقة المنحرفة بين المؤسسة التي تستعمله وجماهيرها. فبدلاً من توعية الناس وإفهامهم الحقائق كما هي وبالأدلة الحقيقية الصحيحة تعمد المؤسسة إلى أسلوب سلطوي قمعي، فتقود وعي القارئ إلى مناطق موهومة، وتعزف على وتر المخاوف التي ينطوي عليها عقله للأسف الشديد.
والملاحظة الأخيرة تتمثل بقول كاتب المقال: (. لكن هذه الدعاوى كانت لا تخلو من استدلالات وإن كانت موهمة لكنها منسقة بشكلٍ ينطلي على البسطاء). إذن كاتب المقال يعترف ضمناً بوجود أدلة واستدلالات وإن كان يصفها بأنها ( موهمة ) فكان عليه – إن كان حقاً يحترم عقل القارئ – أن يذكر هذه الاستدلالات ويبين للقارئ كيف إنها ( موهمة ) كما يزعم. أما الاكتفاء بالقول إنها ( موهمة ) دون بيان فهذا تعامل سلطوي قمعي يذكرنا بتعامل الحزب الأوحد وقائده الضرورة، فهؤلاء كانوا يقولون للناس هذا صح وهذا خطأ وعليكم أن تنظروا للأشياء كما نراها دون أن تسألوا أو تتبينوا، وكما كان فرعون يقول لقومه: { قالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرشاد }.
وعلى أي حال طالما اعترف كاتب المقال بوجود استدلالات فنحن نتوقع منه أن يذكرها ويرد عليها، فهل سيفعل؟؟
يقول كاتب المقال: (( إلا أن ما طالعتنا به حركة اليماني الأخيرة (حركة احمد بن الحسن) من ادعاءات غير معقولة ولا متصورة، وكأن هذا المدعي يعيش خارج الكرة الأرضية ويتعامل مع أناس لا يعرفون منطق الاستدلال ـ وإن كان وهماً ـ بشكل يقال عنهم انهم أُخذوا بمغالطات فيها من التحايل ما يفوت على غير النبيه )).
أقول: قبل كل شيء لابد لكل باحث أن يعرف حقيقة ما تقوله الدعوة التي يناقشها، ولا اقل من معرفة البديهيات، أما إذا كان يجهل هذه البديهيات فهذه طامة كبرى، ومصيبة ما بعدها مصيبة، فكيف إذا كانت هذه الدعوة عقائدية يترتب على الحكم عليها هدى أو ضلال؟؟ ولكن ماذا أقول والناس يستسهلون أصعب الأمور ويتعاملون مع أخطرها بلا مبالاة تنم عن فقدانهم حس الورع والتقوى؟
أقول هذه لأني أرى كاتب المقال يجهل حتى اسم صاحب الدعوة، فهو يقول (حركة احمد بن الحسن ) بينما الصحيح هو ( أحمد الحسن ) وسنرى أن هذا الخطأ ليس بسيطاً فالكاتب سيرتب عليه نتيجة على طريقة الخطأ الذي يجر لأخطاء أخرى فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم إن كاتب المقال يتحدث عن ( ادعاءات غير معقولة ولا متصورة ) وجدها في الدعوة اليمانية، فيا للجرأة غير المحمودة، ولا أريد أن أسميها شيئاً آخر تستحقه بالتأكيد. ما هي هذه الـ ( ادعاءات غير معقولة ولا متصورة )؟؟
سأستعرض لكم على عجالة وبإيجاز شديد بعض ما تستدل به الدعوة اليمانية لإثبات صحتها وشرعيتها ولكم أنتم أن تحكموا هل هذه الأدلة معقولة ومتصورة أم كما قال الكاتب ( ادعاءات غير معقولة ولا متصورة ):
1- النص أو الوصية:
قبل كل شيء لابد أن نعلم أمراً مهماً، لأننا لا نريد خداع الناس كما يفعل غيرنا للأسف، والأمر المهم هو: هل الاحتجاج بالنص والوصية دليل شرعي ناهض وكافٍ أم لا؟؟ سنستعرض الروايات الواردة بهذا الشأن ثم نعقب بذكر كلام أفضل فقهاء الشيعة بهذا الصدد، وسنرى أن النص هو سيد الأدلة بلا منازع.
– الروايات الواردة عن آل محمد عليهم السلام:
1- سُأل أبو عبد الله عليه السلام بأي شيء يُعرف الإمام قال: ( بالوصية الظاهرة وبالفضل، إن الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج فيقال: كذاب ويأكل أموال الناس وما أشبه هذا )([1]).
2- عن أحمد بن أبي نصر ، قال : ( قلت لأبي الحسن الرضا (ع): إذا مات الإمام بم يُعرف الذي بعده؟ فقال: للإمام علامات منها: أن يكون أكبر ولد أبيه، ويكون فيه الفضل والوصية … )([2]) .
3- عن عبدالأعلى قال : قلت لأبي عبدالله (ع) : ( المتوثب على هذا الأمر المدعي له ، ما الحجة عليه ؟ قال يُسأل عن الحلال والحرام ، قال : ثم أقبل عليَّ فقال : ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الأمر : أن يكون أولى الناس بمن كان قبله ، ويكون عنده السلاح ، ويكون صاحب الوصية الظاهرة...)([3]).
4- عن أحمد بن عمر عن الرضا (ع) قال : ( سألته عن الدلالة على صاحب الأمر، فقال: الدلالة عليه: الكبَر والفضل والوصية … )([4]) .
5- عن أبي بصير قال : قلت لأبي الحسن (ع) : ( جُعلت فداك بم يُعرف الإمام ؟ قال : فقال : بخصال ؛ أما أولها فإنه بشيء قد تقدم من أبيه فيه بإشارة إليه لتكون عليهم حجة … )([5]) .
6- عن الحارث بن المغيرة النضري ، قال : ( قلنا لأبي عبدالله (ع): بما يعرف صاحب هذا الأمر؟ قال: بالسكينة والوقار والعلم والوصية )([6]) .
7- عن الصادق ( ع ) : (… إن الله لا يجعل حجة في أرضه يُسأل عن شيء فيقول لا أدري )([7]) .
8- عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (ع) أنه قال للزنديق الذي سأله : من أين أثبتَّ الأنبياء والرسل ؟ قال : ( إنّا لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً … الى قوله (ع) : لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته )([8]) .
9- عن أبي الجارود، قال : ( قلت لأبي جعفر (ع): إذا مضى الإمام القائم من أهل البيت، فبأي شيء يعرف من يجئ بعده؟ قال: بالهدى والإطراق، وإقرار آل محمد له بالفضل، ولا يُسأل عن شيء بين صدفيها إلا أجاب )([9]) .
10- عن الحارث بن المغيرة النصري، قال: ( قلت لأبي عبدالله (ع) : بأي شيء يُعرف الإمام ؟ قال : بالسكينة والوقار . قلت : وبأي شيء ؟ قال : وتعرفه بالحلال والحرام، وبحاجة الناس إليه ، ولا يحتاج إلى أحد، ويكون عنده سلاح رسول الله (ص) . قلت : أ يكون وصياً ابن وصي ؟ قال : لا يكون إلا وصياً وابن وصي )([10]) .
11- عن أبي بصير ، قال : ( قلت لأحدهما – لأبي جعفر أو لأبي عبدالله – أ يكون أن يفضي هذا الأمر إلى من لم يبلغ؟ قال: سيكون ذلك. قلت: فما يصنع؟ قال: يورثه علماً وكتباً ولا يكله إلى نفسه)([11]) .
12- قول الإمام الصادق (ع) لأبي حنيفة : ( يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته، وتعرف الناسخ والمنسوخ ؟ قال : نعم . قال : يا أبا حنيفة لقد ادعيت علماً، ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا (ص) ، ما ورثك الله من كتابه حرفا ً)([12])
([1])الكافي:ج 1 ص314-315.
([2]) الكافي : ج1 ص314.
([3])الكافي : ج1ص314 .
([4])الكافي ج1ص315.
([5])الكافي ج1ص315 .
([6])بحار الأنوار : ج52ص 138.
([7]) الكافي :ج1ص227.
([8]) الكافي :ج1ص189.
([9]) الامامة والتبصرة :ص137.
([10])الغيبة للنعماني :ص249.
([11]) الغيبة للنعماني : ص340.
([12])علل الشرائع : ج1: 89
_______________
(صحيفة الصراط المستقيم/عدد20 /سنة 2 في 07/12/2010 -1محرم1432هـ ق)