مؤتمر عالمي في مدينة النجف الأشرف لنبش الذاكرة العراقية ، والبحث يجري دائماً عن عرق المورفين المخدر – قصص الموت القديمة .. القصص التي يراد لها أن تحيا بيننا ، أو حتى بدلاً منا ، بل أن تدفننا في مجاهل الفلوات مثل كومة من العظام ملفوفة بخرقة بالية ، دونما اسم أو علامة تعريف ، وتطلق هي سيقانها العجفاء في شوارعنا ، أو تقاسمنا ذل الوقوف في طوابير طويلة أمام السيطرات ، وربما نالت نصيبها من عدس كميتنا المفقود .. هذه هي الفكرة التي جمعت لها مؤسسة شهيد المحراب الكثير من الوجوه الكالحة ، وعلى رأسهم المرجع التافه محمد سعيد الحكيم ( الصنم الأسود ) الذي طالما لاذ بصمت القبور ، بينما حكايات الموت يُوقد حطبها اليومي على باب داره .
مؤسسة شهيد المحراب التابعة لمجلس عبدالعزيز الحكيم الأعمى وجدت في العظام المزروعة في طول البلاد وعرضها قصتها المؤثرة التي تتمكن من خلالها من دفن الوعي الحاضر بكل ما يحفل به من منغصات ، وينطوي عليه من آلام سببها قبل الأمريكان المحتلين عمائم السوء الدنيوية الدنيئة .
أرادت مؤسسة مال السحت الحرام أن تستبدل صور الفشل والخيبة التي أنتجتها المرجعيات والسياسيون التابعون لها بصور العظام الهشة ذات الإيحاء العاطفي الكبير ، وفي العمق أرادت أن تهرّب العقل الواعي لمصلحة العقدة النفسية ، فمن خلال العظام يحضر الماضي ليكون سيد اللحظة الآنية ، وفي صفحته المفتوحة الآن يقرأ العقل المأسور سطور الحاضر المكتوبة بطريقة مقلوبة ! فمن خلال الخطوط المتعرجة على سطوح العظام المتصدعة يطل الحاضر ، ولكن لا بوصفه الحاضر ، وإنما بوصفه الماضي الذي انتهت فصوله ، يغيب الحاضر تماماً كهوية معينة ليستحيل بوصفه هوية الماضي السالبة ، يفقد هويته لحساب الإيحاء بموت هوية الماضي .
هكذا تستحيل المؤتمرات الإستخفافية مؤامرات على الحاضر ، مؤامرات الغاية منها إقناع العقل الحاضر بأن ثمة تغيير قد حدث ، وأن مرحلة ما قد استبدلت بمرحلة أخرى ، هذه الدلالة – إن ثمة شئ قد تغير – هي كل الأفق الفكري والنفسي الذي يراد للإنسان الحاضر أن يحصر وعيه به ، يراد له أن يفكر دائماً بأن ماض قاس قد أفل ، أما الحاضر نفسه فليس مهماً على الإطلاق التدقيق والتحقيق في هويته ، بل من الضرورة بمكان تأجيل التفكير بهذا الحاضر الى الأبد .
إن الوقوف عند عتبة إن ثمة شئ قد تغير يجتر بالضرورة تأملاً رائعاً – بحسب فكرة أرباب المؤتمرات / المؤامرات – مضمونه إضفاء صورة البطل على شخوص بعينهم وجهوا الأنظار الى أنفسهم بوصفهم ميكيماوسات الزمن الجديد ، هكذا تتدحرج الفكرة مثل كرة قدم حمقاء لتسجل لهم هدفاً وهمياً عجزوا عن تسجيل مثله على أرض الحاضر الصلفة .
لا يستطيع محمد سعيد الحكيم ( الصنم الأسود – كما هي حقيقته في عالم الملكوت ) ولا يستطيع عمار الحكيم ، ولا عادل عبدالمهدي ، لا يستطيع أي من أصحاب الوجوه الصفيقة أن يقف بالإتزان الكافي على أرض الحاضر الصلبة ليقول كلمات حية ، لا يستطيعون ذلك لا لفقر في معاني الحاضر المطروحة في عرض المأساة وطولها ، بل لأن المنطق الذي يحسنونه يستدعي معطيات من قبيل البعثية والعفلقية ، واضطهاد الأنظمة السابقة ، وبقية مفردات المعزوفة المألوفة ، منطقهم تغييب الحاضر الذي يمثلون داءه بل موته .
إذن سوف تستمر المؤتمرات بالإنعقاد ، وستكون مناسبات الإنتخابات حافزاً مصيرياً لإيقاد صبواتها ، وسيسمع الشعب الغافي على إيقاع موته البطيء كلمات تأبين كثيرة ، كلمات تتحدث عن موته هو تحديداً .
Aaa_aaa9686_(at)_yahoo.com
1٬075 2 دقائق