زاوية الإقتصاد

شبح الركود يُخيّم على ثانى أكبر اقتصاد فى منطقة اليورو

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

لأول مرة فى تاريخ الجمهورية الخامسة، تقرر الحكومة الفرنسية خفض النفقات العامة للدولة بمبلغ قدره مليار ونصف يورو عام 2014 ليكون بذلك أعلى خفض
للنفقات فى تاريخ البلاد خلال الـ55 عاماً الماضية.

وجاء هذا القرار فى محاولة لمواجهة شبح الركود الذى يخيم على الاقتصاد الفرنسى، ثانى أكبر اقتصاد فى منطقة اليورو، بعد تراجع الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 0.2% فى الربع الأول من العام الجارى وتسجيله انخفاضاً بنفس النسبة فى الربع الأخير من العام الماضى.

ومن المعروف أن الاقتصاد يدخل فى حالة ركود عندما ينكمش النمو الاقتصادى لربعين سنويين على التوالى.

وقررت الحكومة أن يتوزع خفض النفقات بين خفض بقيمة 750 مليون يورو فى منح الدولة إلى الجماعات المحلية، وخفض بقيمة 750 مليون يورو أخرى فى نفقات الوزارات ووكالات الدولة.

ويبدو أن الصعوبات التى تواجه الحكومة الفرنسية بالنسبة لموازنة العام المقبل لا تنبع فقط من أزمة الركود الاقتصادى، وتراجع معدلات النمو المتوقعة، إلا أنها تعود بشكل كبير إلى عدم احترام السلطات الفرنسية لسياسة عصر النفقات التى أعلنت عنها من قبل، حيث شهدت الأيام الأخيرة خروجاً عن خط الموازنة العام لضبط النفقات العامة، لاسيما بعد أن أعلنت وزارة الموازنة عن زيادة المساهمة الفرنسية فى موازنة الاتحاد الأوروبى بـ837 مليون يورو لترتفع إلى 20.43 مليار يورو.

ويضاف إلى هذا المبلغ متطلبات تمويل الحكومة لقانون عقود الأجيال، الذى يفترض أن يوفر 100 ألف فرصة عمل للشباب هذا العام، وسيكلف 180 مليون يورو فى سنته الأولى أى العام المقبل، وأيضا تمويل خطة مكافحة الفقر التى ستكلف ما بين مليارين ومليارين ونصف يورو.

من ناحية أخرى، استبعد المكتب الوطنى للإحصاءات فى فرنسا أن تعود البلاد فى وقت قريب إلى مستويات قوة النمو الاقتصادى التى سجلتها قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008، حيث أوضحت تقديرات المكتب أن النمو المحتمل سيتراوح بين 1.2% و1.9% سنويا فى الفترة ما بين عامى 2015 و2025، وأن معدل النمو الأكثر ترجيحا سيكون عند مستوى 1.5%.

وفى خطتها للميزانية حتى نهاية فترة ولايتها عام 2017، توقعت الحكومة أن الاقتصاد سينمو بنسبة 2% سنويا بين 2015 و2017، وهو تقدير يعتبره معظم الخبراء الاقتصاديين غير مرجح فى ظل المؤشرات الاقتصادية المتردية التى تشهدها البلاد.

وفى السياق ذاته، خفض صندوق النقد الدولى توقعاته للنمو الاقتصادى فى فرنسا مرجحا تسجيله لتراجع من 0.1% إلى 0.2%، ودعا الحكومة الفرنسية إلى ضرورة مضاعفة إجراءاتها الإصلاحية لتحرير اقتصادها وتخفيض تكلفة العمل لإعادة تسجيل نمو.

وأجبر تعثر النمو الحكومة الفرنسية على الاعتراف بأن العجز العام سيكون أكبر من المخطط هذا العام، وتعانى فرنسا عجزاً فى ميزانها التجارى يقدر بنحو 62.5 مليار يورو، وقد منحتها المفوضية الأوروبية عامين إضافيين للوفاء بالمستوى المستهدف لعجز الميزانية فى الاتحاد الأوروبى، والبالغ 3% من الناتج المحلى الإجمالى.

ويبدو أن المشهد الفرنسى لا يبعث على التفاؤل، حيث تجاوزت معدلات التضخم نسبة 1.6% وارتفع حجم الواردات بنسبة 0.2% فى مقابل انخفاض الصادرات بنسبة 0.4% خلال الفصل الأول من العام الجارى.

وأرجع بعض المراقبين هذا الأمر إلى أن إيطاليا وأسبانيا، الشريكتان الرئيسيتان لفرنسا تجاريا، قد شهدتا انخفاضا فى الناتج المحلى الإجمالى لكل منهما بنسبة 0.5%.

كما سجلت فرنسا تراجعاً بمعدلات ثقة المستهلك فى شهر مايو ليصل إلى 79 نقطة، وهو ما يمثل أدنى معدل له منذ خمسة أعوام، وذلك وفقا لوكالة الإحصاءات الفرنسية “إنسى”، أما معدلات البطالة فقد سجلت أرقاما قياسية خلال الشهرين الماضيين، حيث زاد عدد العاطلين عن العمل ليصل إلى 3 ملايين و264 ألفا و400 شخص فى أسوأ مستوى له منذ يناير 1996.

وطوال العامين الماضيين لم تتوقف معدلات البطالة عن الارتفاع، حيث أصبحت شبحا يهدد الفرنسيين ويقضى على آمالهم فى تحقيق مستوى معيشى أفضل، وفى هذا الصدد توقعت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية زيادة معدلات البطالة فى فرنسا حتى نهاية عام 2014، ليصبح 11.1% بعد أن بلغ 10.7% خلال العام الجارى، وهو الأمر الذى أصاب كثيرا من المراقبين بالقلق، إذ إن ارتفاع معدلات البطالة على هذا النحو يمثل عائقا رئيسيا أمام تحقيق النمو ويدق ناقوس الخطر فى البلاد.

ويكشف لنا المشهد السابق أن السحب السوداء القاتمة تغطى أفق السماء الاقتصادية الفرنسية، ففى حالة استمرار الضعف الحالى فى معدلات النمو فإن ذلك سيؤدى بدوره إلى ارتفاع جديد فى مستويات البطالة، وهو ما سيجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لفرنسا لكى تحقق هدفها فى خفض عجز الميزانية، كما سيزيد من حجم الديون الفرنسية لمستويات قد تجعل المستثمرين يشعرون بالقلق من الوضع المالى للدولة.

وعلى الرغم من ذلك نظر بعض المراقبين نظرة متفائلة تجاه الأزمة، حيث رأوا أنه مع الإقرار بأن الأوضاع الاقتصادية ليست جيدة على الساحة الفرنسية فى المرحلة الراهنة، إلا أنها ليست على هذه الدرجة من السوء أيضا، خاصة بالنظر إلى أوضاع البلدان المجاورة، ففى الوقت الذى يبلغ فيه عجز الميزانية الفرنسية لهذا العام 3.7% من الناتج المحلى الإجمالى بلغت تلك النسبة 7.4% فى بريطانيا.

وبينما بلغ الدين القومى فى فرنسا أكثر من 90% من الناتج المحلى الإجمالى، وهى نسبة تبدو كبيرة إلى حد ما، زادت نسبة الدين فى إيطاليا على 125%.

أما نسبة البطالة التى بلغت 10.7%، فقد تجاوزت فى أسبانيا نسبة الـ27%، وعلى خلاف أسبانيا وإيطاليا، لا تزال فرنسا قادرة على الاقتراض بأسعار فائدة متدنية للغاية من الأسواق، ولا يزال الاقتصاد الفرنسى خامس اقتصاد فى العالم.

وأفادت استطلاعات الرأى التى أجراها معهد “سى إس أيه”، خلال الشهر الجارى، بأن 54% من الفرنسيين على يقين بأن بلادهم لديها من الإمكانيات ما يجعلها تتجاوز هذه الأزمة الاقتصادية ويستندون فى ذلك أولا إلى جاذبيتها السياحية وإلى شركاتها المنتشرة فى مختلف أنحاء العالم إضافة إلى تميزها فى عالم الأزياء وموقعها الجغرافى المتميز فى قلب القارة الأوروبية، فى حين رأى 72% من الفرنسيين المستطلعة أرائهم أن بلادهم ينقصها الثقة فى قدرتها على تخطى مثل تلك الأزمات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى