لعل من المناسب جداً ونحن نعيش الذكرى السنوية للميلاد الميمون لوليد الكعبة أمير المؤمنين عليه السلام أن يكون محور حديثنا النص أو الوصية التي يُعرف بها خلفاء الله في كل زمان.
فعلي عليه السلام والوصية صنوان، بل توأمان لا يكاد يُذكر أحدهما حتى ينتقل الذهن إلى الآخر، ولعلي لا أُفرِّط، أو أبالغ إذا ما قلت بأن قصة علي كما نعرفها في عالمنا هذا يمكن اختصارها بالوصية والموقف من الوصية.
أليست الوصية هي الطريق الإلهي الذي يثبت أن لله خلفاء في الأرض لابد من طاعتهم والقبول منهم، أليست إذن هي أس الدين الإلهي، وركنه الركين؟
ثم أليست هي الفيصل الذي انمازت به الأمة بين مؤمن صادقِ الإيمان آخذٍ بما أوصى به الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وبين متمرد اتبع الشيطان واتهم من لا ينطق عن الهوى بأنه – وحاشاه – يهجر؟
أليس هذا هو المدخل لكل كلام يستهدف توصيف مسيرة الدين الإلهي على الأرض وهو نفسه المدخل لكل كلام يحاول سرد قصة علي، وأبناء علي عليهم السلام؟
والأمر المهم جداً إن الكلام في الوصية ليس كلاماً نظرياً بارداً، ولا حديثاً عن تأريخ غابر، أو عن واقع يسكن بطون الكتب، وإنما هو سؤال عن واقع يعيش بيننا، ويصدم أنوفنا كل لحظة ليطالبنا ببيان موقفنا منه. الكلام في الوصية، دائماً وأبداً، كلامٌ في امتحاننا وفيما عسى أن نملأ به ورقتنا الخطيرة، التي ستقرر مصيرنا الدنيوي والأخروي على حد سواء.
إذن علينا أن نتوقع دائماً هذا السؤال المصيري: ما هو موقفك من الوصية؟
ويجب دائماً أن يكون الجواب مُعداً وحاضراً.
بماذا عسانا نجيب؟ وعلى أي أرضية صلبة يمكن أن نضع قدمنا لنضمن مسيراً واثقاً نحو الهدف المتمثل بإحراز رضا الله عز وجل؟
إن أي جواب ممكن لابد أن يضع بالاعتبار ما سأذكره الآن:
هذه الوصية سماها رسول الله ص الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى بأنها الكتاب الذي يعصم الأمة من الضلال، فقد قال: “قربوا لي أكتب لكم كتاباً ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا”.
إذن هذا الكتاب الذي يعصم الأمة من الضلال، والذي بدونه لا عاصم لها من الضلال، هل يتوقع مؤمن أن الرسول ص يتركه ولا يكتبه؟ هل من الممكن أن يضيع النبي ص أمته وهو الذي وصفه الله عز وجل في كتابه الكريم: ((لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ))؟
بالتأكيد لا يمكن لمؤمن أن يتصور ان النبي يترك كتابة هذا الكتاب العاصم لان عمر او لأن جيلاً من الناس اعترضوا عليه، وواجهوه بتلك الكلمة القاسية: (لقد هجر)، وما ذنب من لم يعترض، ثم ما ذنب من في أصلاب الرجال؟
والحمد لله ليس الحديث عن الوصية حديثاً عن أمر نظري يحتاج الى براهين عقلية فالوصية كتبت وهي موجودة في كتاب غيبة الطوسي كما تعرفون.
ولكن بعد أن علمنا أن الوصية لابد أن تكون موجودة، لنتساءل هذا السؤال الجوهري: هل يمكن لغير صاحب الوصية أن يأتي محتجاً بها؟
وبعبارة أخرى: هل يمكن أن تكون هذه الوصية التي ارادها الله ورسوله عاصما للامة من الضلال، هل يمكن ان تكون هي بالذات مدخلا للضلال، وبابا يلج منه المدعون الكذبة؟؟
لا أدري لعلكم تشاركوني في أن الجواب ينبغي أن يكون واضحاً وهو أن الوصية لا يمكن أن يدعيها غير صاحبها. لأن ادعاءها من غير صاحبها يعني أن هذا الكتاب الذي وصفه رسول الله ص بأنه كتاب عاصم من الضلال لم يكن كذلك؟ ويعني بالتالي أحد هذه الأمور؛ فإما أن يكون الرسول ص بل الله عز وجل باعتبار الرسول لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحي قد كذب علينا حين وصفها على لسان نبيه بانها عاصمة من الضلال، وإما انه بعد ان ضمن لنا انها ستعصم من يتمسك بها من الضلال عجز عن الإيفاء بضمانه، او انه كذب علينا او اغرانا بالباطل وكل ذلك كما تعلمون مستحيل على الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وعليه فالنتيجة الساطعة كالشمس في رابعة النهار هي أن الوصية لا يمكن أن يدعيها غير صاحبها.
إذن ها أنتم ترون الدليل الإلهي المتمثل بالوصية محكماً وآخذاً بالاعناق، وهذا الدليل تحديداً هو دليل رسول الله ص ودليل علي وأبناء علي عليه وعليهم السلام، وهو دليل اليماني الموعود السيد أحمد الحسن، فانظروا لانفسكم رحمكم الله، ولا يغرنكم بالله الغرور.