وإذا بهم وراء كل قراءة يزيدون الطين بلة ـ كما يقول المثل ـ ذاك أني دهشت وأنا أقرأ مقال لأحد الكتاب عنونه بـ(الحركات المهدوية .. بين التيه والرشاد !) وراح يصب جام حقده على قضية الإمام(ص) بطريقة تحليل فجة لا تمت إلى واقع الحق والحقيقة بصلة!!!
إن وضع الحركات المهدوية كلها في سلة واحدة وخلط الطالح بالصالح يكشف عن حقيقة الوعي الزائف للعلمانية(الأكاديمية) المتلبسة لبوس الفكر وهي منه براء ، وقبل أن أشرع في بيان هذا الأمر ينبغي أن يعلم القارئ ؛ إنني قصدت بالعلمانية : الطرح المصادر للدين سواء خرج من أكاديمي أو خرج من حوزوي ، ذلك لأن الحوزة الدينية ، وإن كانت ترتدي لبوس الدين ولكنها اليوم علمانية الهوى والتدبير . لقد وجدت العلمانية في الهوى الحوزوي فضاءً رحبا تمارس من خلاله لعبتها المفضلة وهي ؛ محاربة الدين ولو على الطريقة الدونكيشوتية!!! حيث أن المؤسسة الدينية عموما والشيعية منها بالخصوص صارت مرتعا وخيما وحاضنة غريبة لأولئك المرضى الذين أشربوا كره حقيقة الدين وعشقوا منه لبوس قناع القدسية والوجاهة الزائفة .
إن مناطحة العلمانية للدين هي في واقعها مناطحة الدنيا للآخرة ، ومناطحة الزائل للباقي ، ومناطحة اللعب واللهو للحياة الحق ، والساحة اليوم ساحة اللعب واللهو ولذلك يجد فيها هذا الفكر الزائف فضاءه الذي أغراه المهل الإلهي فطاش تيها وعربد!!! ومن يتطلع في محاولات العلمانية عندما تتلبس لبوس الناصح الواعظ دائما تأتي في المراحل التاريخية التي يبدأ فيها الواقع الحركة باتجاه الصلاح والإصلاح ، بدليل ؛ إنها بمجرد ما سمعت بنشاط توجه الواقع نحو القضية المهدوية التي تعد الحقيقة الإلهية الحتمية الثابتة حتى شمر أربابها عن سواعدهم للتوهين من هذا النشاط بدلا من تحليله وترشيده وبيان غثه من سمينه ، وهذا الفعل ، لو التفت أولئك حقا ـ بفكر كما يدعون من أنهم حملة فكر ـ لوجدوا أن عملهم هذا باعث على تثوير الناس بدلا من إخماد جذوة القضية المهدوية المقلقة لهم ، ذلك أن الواقع بشم من طروحات المتثاقفين البليدة التي لم يجنِ من ورائها غير لغة ظاهرها مدهش وقصديتها فاسدة ومتعفنة إلى حد يصعب وصفه .
كما أن أولئك الأكاديميين العيال على الثقافة ـ ولا أعني الواعين منهم بالضرورة ـ لو التفتوا إلى أن هذه المرحلة التاريخية لا مثيل لها في الماضي أبداً ، وهذا التفرد فيها ـ لا أقل ـ يدعو الناقد إلى التروي قبل التسرع في منزلقات المصادرة ، كما أن حركة الواقع باتجاه القضية المهدوية الآن هي واقع لصور تاريخية كثيرة تشير إلى أن هذا الذي يحصل هو مخاض لولادة الحق مثلما يحصل تماما مع الفترات التاريخية التي يعتريها المخاض لولادة نبي أو وصي من الرجال الذين يبعثهم الله سبحانه هداة للناس ، قال تعالى{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}(الجمعة/2) ، فما من حركة نبي ولا وصي إلا ورافقتها حركات زائفة مضللة هدفها إسقاط دعوة الحق وبعض هذه الحركات الزائفة إن لم يكن معظمها هي من صنع سدنة الاتجاه المعادي للدين ، ذلك أنه عندما يقرأ حركة دعوة الحق قراءة حقيقية يجد أنها تقوض بنيانه وتطيح بهيلمانه وهذا ما لا يطيقه العلماني ولو على قطع رقبته !!!
ويذكرني موقف هؤلاء اليوم بموقف أبي سفيان عندما سمع بأن الأعشى الشاعر قادم للرسول(ص) ليعلن إسلامه وتوبته من جاهليته ، فقطع عليه أبو سفيان سبيله ، وقال له ؛ إلى أين تذهب يا أبا بصير؟ قال : إلى محمد لأشهر إسلامي ، فقال أبو سفيان ؛ أوَ ما علمت أن محمداً يحرم شرب الخمر؟؟؟!!! فما كان من الشاعر بعد أن سمع مقالة أبي سفيان إلا العودة عما جاء من أجله!!! لماذا ؟ لأن أهل الجاهلية كانوا يعدون الخمر من دواعي الفتوة في زمنهم ، وكأن دعوة رسول الله(ص) هزت ثابتا عظيما من ثوابت (حضارتهم) بتحريمه للخمر!!! وكذلك اليوم تعاد السيرة ذاتها على الرغم من تبدل الشخوص ومفرداتها ، فأبو سفيان هذا الزمان هو كل داعية لمحاربة الدين ، وأخطر السفيانيين هو ذلك الذي يحارب الدين بالدين ، يحارب دين الله الحق القائم على الدليل والبرهان بدين الناس القائم على الإحن والأضغان!!!
إن السفيانيين في هذا الزمان توزعوا في كل حدب وصوب يصرفون الناس عن قضية الإمام المهدي(ص) المتمثلة بدعوة السيد اليماني أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي(ع) ، ويفعلون الأفاعيل لذلك ؛ من قبيل هذا المقال الذي ألمحت إليه آنفاً ، فمن يقرأ العنوان يمني نفسه أنه سيقف أمام تحليل للقضايا المهدوية لكشف الغث من السمين وتمييز الخبيث من الطيب ، ولكنه ما إن يشرع في القراءة ينكشف له النفس المعاد للعلمانية التي لا تنفك عن مواجهة الدين بكل الطرق غير المشروعة ، كالكذب الذي هو أسوء خليقة يتخلق بها المرء ، والذين يتحدثون عن الحركات المهدوية لا يغادرهم عفن هذه الرذيلة(الكذب) ، ولا يتحرر منها إلا القلائل الذين مما يؤسف أن تحررهم منها يجعلهم ينزوون ويلزمون الصمت بدل من المبادرة إلى تطهير ما علق بهم منه عفنها ونتنها طوال الفترة التي كانت تمثل زمن التيه والخداع والزيف في حياتهم .
ومن عجيب الطرح لدى أولئك العلمانيين ؛ هو وضعهم إصبعهم على علاج المرض ويصادرونه بل ويعدونه سببا في المرض وهو لا علاقة له في هذا الأمر مطلقا سوى أنه طبيب قدم لمعالجة الداء ، ذاك أن داء الأمة اليوم في قادتها فهم مسوخ قرود ، والأمة تحلم بقيادة حكيمة تنقذهم من حال التيه والضياع وتضعهم على سبيل الله سبحانه الذي قطعه أولئك الذين يرفعون الإنسانية (شعارا) يقتلون به الإنسان . ولو أنصف هذا العلماني لتوقف عند شخصية اليماني طويلاً وقرأه قراءة منصف لينقذ نفسه قبل غيره من فتنة جعلت الحليم حيرانا ، وسقط فيها من يشق الشعرة بشعرتين ، ونجا منها أولئك البسطاء الذين أصبحت البساطة سبة عليهم وسببا للتعريض بهم ، وكأن الإمام المهدي(ص) قائد نخبوي!!!
إن مما يدل على سفاهة الخطاب الحوزوي العلماني والعلماني العلماني هو هذا التصور البائس الذي يعرض الإمام(ص) وقضيته كأنها قضية نخبة تمتهن اللسان المثقف و(البرستيج) العالي ، على الرغم من أن قضية الإمام(ص) هي قضية الفقراء والمساكين الذين سلبت حقوقهم المؤسسات العلمانية وانضمت لها الحوزة الدينية منذ أن سمحت لنفسها بسرقة أموال الإمام(ص) واغتصاب مواريثه ، وما نلحظه من تناغم بين الخطاب الحوزوي والخطاب العلماني اليوم يعد دليلاً دامغا على التقاء المصالح ، تماما كما صرح أمير المؤمنين(ص) : (اجتمع القوم على الفرقة وافترقوا عن الجماعة …) ، وما هذه الهجمة الشرسة إلا تعبير صريح عن عظيم الخوف الذي بدأ يتسلل إلى نفوس أولئك من قضية اليماني وذكرها ، فكل حججهم التي يسوقونها لصرف الناس عنها عادت عليهم بالفشل والخسران ، فبعد التكتم الشديد والمحاصرة العنيفة للقضية وصاحبها وأنصاره ، شاء الله جلت قدرته لها اليوم أن يكون لها صوت مسموع في أرجاء المعمورة ، وينتشر تذاكرها بين أوساط الناس ويذاع أمرها من العدو قبل الصديق ، وبشتى الأساليب ، حتى أن رجال الحوزة الذين آلوا على أنفسهم إلا الاصطفاف مع العلماني راحوا يهاجمون القضية اليمانية من خلال إنكار ثوابت الدين والعقيدة ، من مثل إنكار وصية رسول الله(ص) التي أملاها على علي(ص) ليلة وفاته وسمى فيها اثنا عشر إماماً واثنا عشر مهدياً ، وأنكروا رؤية الإمام المهدي(ص) ملكيا وملكوتياً ، وفتحوا الباب على مصراعيه لينشط المشككون بوجود الإمام المهدي(ص) أصلاً ، وتتحرك الآلة الإعلامية لتنتج للناس ما يزيدهم سكرا على سكرهم وضلالا إلى ضلالهم وتيها على تيههم ، حتى تحول الحديث في القضية المهدوية إلى فرصة تحاول المرجعية الدينية من ورائها بناء إمبراطورية الكسل والبطالة لها ولبطانتها كإمبراطورية آل سعود النواصب ، وفرصة كذلك للعلماني لمهاجمتها عبر تسطيح شخوصها ، وإحالة خطابها إلى ساحة الأسطورية ، وتمييعها كي تصبح مجرد فكرة أمل للمستضعفين في الخلاص من سلطة الجبابرة والطواغيت ، وقطع صلتها بالآخرة ، بل قطع صلة الإنسان عموما بشيء اسمه الآخرة ، لتنفرد هي ومن رضي مقالتها بقيادة سفينة (اللعب واللهو) ، كما يحصل اليوم تماما ، فأرباب الدين صافحوا العلمانيين وتوازروا على محاربة قضية الإمام المهدي(ص) من خلال توزيع الأدوار فدور العلماني هو إضعاف قضية الإمام المهدي(ص) من الخارج من خلال استعمال أسلوب التسطيح والمصادرة في الخطاب ، ويتكفل الحوزوي بإضعاف القضية المباركة من الداخل وذلك من خلال توهين قضية الإمام في نفوس الناس من الداخل وجعل أمرها منوط برأيهم تماما كما فعل علماء بني إسرائيل المنحرفين مع رسول الله عيسى بن مريم(سلام الله عليهما) ، إن موقف الحوزة الدينية وخطورته يبينه قول أهل البيت(ص) حيث وردعنهم(ص) (إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة من الدجال أئمة مضلون و هم رؤساء أهل البدع) ، وهو اليوم منطبق على هذه المرجعيات التي اتخذت من حجر الدجال وطناً لها وباعت دينها بدنيا أمريكا الكافرة ، وحارب أولئك الفقهاء الضالون المضلون قضية الإمام المهدي(ص) ، وجرّؤوا أتباعهم ومقلديهم على تراث رسول الله(ص) وآل بيته الكرام(ص) فعدوا على رواياتهم الشريفة يذرونها ذرو الريح للهشيم ، وها هم اليوم ينحنون أمام الباطل جهارا نهارا بالإفتاء بعدم جواز البراءة من أعداء الولاية والناصبين لآل محمد(ص) العداء ، بل إن السيستاني يسميهم (إخواني) ، ويجعل الكافر والمؤمن في سلة واحدة ، حيث أن حوزة السيستاني بل وفقهاء آخر الزمان كلهم حولوا الدين إلى ميدان يعبث به العابثون ، بعد أن أنكروا ثوابت العقيدة من مثل ضرورة الجهاد الدفاعي على كل مسلم ومسلمة إذا تعرضت دار المسلمين إلى غزو الكافر الحربي!!! وكذلك عطلوا ثابت البراءة من أعداء أولياء الله(ص) مما أوقعهم ـ سبحان الله ـ تلقائيا في ساحة معاداتهم بل وسفك دمائهم واستعداء الظالمين الفاسقين عليهم !!!
هذه هي الحوزة التي يريدنا الخطاب العلماني المعاصر العودة إليها والوثوق بترهاتها ، ويريد منا بالمقابل الانصراف عن نصرة الإمام المهدي(ص) بذريعة أن هناك عددا من الرايات هي رايات ضلالة وباطلة ، نعم نحن نعترف أن هناك رايات باطلة وضالة ، غير أن راية اليماني هي أهدى الرايات وهي راية الإمام المهدي(ص) وقد بين أهل البيت(ص) أمرها للناس حتى لا يبقى هناك حجة لمحتج بل أن أمر راية اليماني اليوم هو أبين من الشمس في رابعة النهار ، وهي بفضل الله ومنه اليوم حاضرة تحمل فأس إبراهيم(ع) لتهوي به على رؤوس أصنام الضلالة تكشف للناس زيفهم وخدعهم .
أما ما قدمه العلماني من أسباب لشيوع القضية المهدوية في هذا الوقت بالذات هو حجة لمن يبحث عن إمامه(ص) نعم لقد شاع الظلم والجور ولفساد وعمّ كل نواحي الحياة ، ونحن مأمورون أن نتعبد الله سبحانه بانتظار الفرج ونصرة ولي الله(ص) عند ظهور أمره وها هو أمره قد ظهر بلا توقيت ولا تعيين بدليل أن اليماني بيننا اليوم والناس لاهية قلوبها عن نصرته وهو ظاهر متعين ، كما أنه إلى اليوم لم تعط الدعوة اليمانية توقيتاً لا تقريبيا ولا تعيينيا على ظهور أمر الإمام لأنها لا تحتاج إلى ذلك فقد ظهر أمر الإمام(ص) على يدي وصيه ورسوله السيد أحمد الحسن للناس كافة ، ولا يضير قافلة الإمام(ص) السائرة أصوات الحمير ؛ العلماء غير العاملين ، قال تعالى{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(الجمعة/5) ، والعلماء غير العاملين حمّلوا الكتاب ولكنه لامس أفواههم ولم يلامس قلوبهم فصار مثلهم مثل الحمار الذي يحمل ما لا فقه له به ، ولذلك أصوات أولئك تكون منكرة ومؤذية وهذا ما أثبته الواقع فهذه المرجعيات التي يدافع عنها العلماني هي في واقعها تنهق بما لا تفقه ولا أدل على ذلك من قول كبيرهم ؛ بأنه لن يسمح بتوقيع اتفاق مع المحتل مادام حيا!!! ثم يعود ليلحس ما قاله بطريقة قبيحة على لسان ممثله في كربلاء عندما أعلن ثقته بالمسؤولين العراقيين وطالبهم بالمحافظة على (الثوابت) الوطنية ، وهذا الذي يتحدث عن المسؤولين بهذا اللسان الذي يظهرهم بلباس الفرسان كان قبل أسبوعين أو ثلاثة يسميهم لصوصا وسرّاقا ولا يفرق بينهم وبين إرهابيي القاعدة الشيطانية (فما عدا مما بدا)؟؟؟!!!
أقول لهذا العلماني أنصف نفسك وأنصف فكرك ـ إن كنت ممن يفكر حقا ـ فوضع الجميع في سلة واحدة ظلم ما بعده ظلم ، والظلم مرتعه وبيل ، قال تعالى (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين) .
ابتليت قضية الإمام المهدي(ص) بجوقة من المتطفلين على الفكر والثقافة حملوا شهادات أكاديمية في فترة مظلمة جعلتهم يتصورون أنهم قادرون على قراءة الواقع قراءة نافعة منتجة ،