زاوية العقائد الدينيةعقائد الشيعة

حديث الدار والإنذار

روى محمّد بن إسحاق ، عن عبد الغفار بن القاسم ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبدالله بن الحارث بن   نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب ، عن عبدالله بن عباس ، عن علي بن أبي طالب قال : لمّا نزلت هذه   الاية  على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِينَ ) دعاني رسول الله (صلى الله   عليه  وسلم) فقال : يا علي ، إنّ الله يأمرني أن أُنذر عشيرتي الاقربين ، فضقت بذلك ذرعاً ، وعرفت أنّي   متى أُباديهم بهذا الامر أرى منهم ما أكره ، فصمتُّ عليها ، حتّى جاءني جبرئيل فقال لي :

يا محمّد إلاّ   تفعل   ما تؤمر يعذّبك ربّك ، فاصنع لنا صاعاً من طعام ، واجعل عليه رِجل شاة ، واملا لنا عسّاً من لبن   ، ثمّ اجمع لي بني عبد المطّلب حتّى أُبلّغهم ما أُمرت به .

ففعلت ما أمرني به ، ثمّ دعوتهم له ، وهم يومئذ أربعون رجلاً ، يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب .

فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعته ، فجئتهم به ، فلمّا وضعته ، تناول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جذبة من اللحم ، فشقّها بأسنانه ، ثمّ ألقاها في نواحي الصحفة ، ثمّ قال : خذوا باسم الله ، فأكل القوم حتّى ما لهم بشيء حاجة ، وأيم الله أنْ كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم . ثمّ قال : إسقِ القوم ، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتّى رووا جميعاً ، وأيم الله أنْ كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله. فلمّا أراد رسول الله أن يكلّمهم بدره أبو لهب فقال : سحركم صاحبكم ، فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .

فقال في الغد : يا علي ، إنّ هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول ، فتفرّق القوم قبل أنْ أُكلّمهم ، فأعد لنا من الطعام مثل ما صنعت ثمّ اجمعهم ، ففعلت ثمّ جمعت ، فدعاني بالطعام فقرّبته ، ففعل كما فعل بالامس ، فأكلوا وشربوا ، ثمّ تكلّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)فقال :يا بني عبد المطّلب ، إنّي قد جئتكم بخيري الدنيا والاخرة ، وقد أمرني الله تعالى أنْ أدعوكم إليه ، فأيّكم يوآزرني على أمري هذا ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ؟

فأحجم القوم عنها جميعاً . فقلت وأنا أحدثهم سنّاً : يا نبيّ الله ، أكون وزيرك عليه . قال : فأخذ برقبتي وقال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا .

فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أنْ تسمع لعلي وتطيع. [معالم التنزيل 4/278 ـ 279 ـ طبعة دارالفكر ـ بيروت ـ 1405 هـ ].

أما سند هذا الحديث فهو معتبر، إلاّ عبد الغفار بن القاسم، الذي قال عنه الذهبي أنه رافضي. وهذا السبب لا يضر بوثاقته ، استناداً إلى تصريح الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري. مقدمة فتح الباري : 382 ، 398 ، 410. الذي نص على أن التشيع والرفض لا يضر بالوثاقة.

ويقول الحافظ الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد بعد أن يروي الحديث عن أحمد بن حنبل يقول : رواه أحمد ورجاله ثقات [مجمع الزوائد 8/302 ـ باب معجزاته صلّى الله عليه وسلّم في الطعام ].

ويقول بعد أن يرويه بسند آخر عن بعض كبار علمائهم من أحمد وغير أحمد يقول : رجال أحمد وأحد إسنادي البزّار رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة [مجمع الزوائد 8/303].

وأيضاً ، صحّحه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس في حديث طويل ، ووافقه على التصحيح الحافظ الذهبي في تلخيص المستدرك .

وأيضاً نصّ على صحّة هذا الحديث الشهاب الخفاجي في شرحه على الشفاء للقاضي عياض ، حيث يذكر هناك معاجز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومن جملة معاجزه هذه القضية ، حيث أنّ الطعام كان صاعاً واحداً وعليه رِجل شاة فقط ، فأكلوا وكلّهم شبعوا ، وهذا من جملة معاجز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويقول الشهاب الخفاجي : إنّ سند هذا الخبر صحيح [ نسيم الرياض ـ شرح الشفاء للقاضي عياض 3 / 35 ].

ومن ألفاظ هذا الحديث ما يلي : ” قال رسول الله : من يبايعني على أن يكون أخي ووصيّي ووليّكم من بعدي ؟ قال علي : فمددت يدي فقلت : أنا أُبايعك . فبايعني رسول الله (صلى الله عليه وسلم)”: كنز العمال 13/149 رقم 36465 .      

هذا الحديث صدر في مبتدأ الدعوة الأمر الذي يدل على أن إمامة علي عليه السلام من بين أهم الأمور التي كُلف النبي صلى الله عليه وآله بتبليغها، بل إن التبليغ بإمامة علي عليه السلام الذي انطلق مع بداية الدعوة سيستمر في أثنائها ويصدع به النبي في خاتمتها كما حصل في حادثة غدير خم.           

كما أن ضحك القوم وقولهم لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع وتطيع لابنك علي، يدل على أنهم فهموا منه أن النبي يريد تنصيب عليّاً إماماً مطاعاً من بعده لعموم الناس .

وقد احتج أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا الخبر في جواب سائل ، يكما روى النسائي في صحيحه – خصائص أمير المؤمنين ص86، قال: إنّ رجلاً قال لعلي : يا أمير المؤمنين بم ورثت ابن عمّك دون عمّك ؟ أي ، بأيّ دليل أصبحت أنت وارثاً لرسول الله ولم يكن العباس وارثاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ فذكر الإمام (عليه السلام) حديث الإنذار ، وجاء في هذا الحديث بهذا اللفظ وقال : أنت أخي ووارثي ووزيري . فذكر أمير المؤمنين في جواب هذا السائل هذا الخبر ثمّ قال : فبذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي .

إذن ، يصبح علي (عليه السلام) بحكم هذا الحديث القطعي المتفق عليه خليفة لرسول الله ووزيراً له ووارثاً ووصيّاً وقائماً مقامه ووليّه من بعده ، والناس كلهم مأمورون لانْ يطيعوه ويسمعوه .

…………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………….

(صحيفة الصراط المستقيم- العدد 9- السنة الثانية- بتاريخ 21-9-2010 م – 12 شوال 1431 هـ.ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى