يكثر الحديث هذه الايام عن مسألة ما يسمونه الامام الثالث عشر، ومن قبل اطراف بعضها بعيد عن واقع النصوص الروائية، وبعضها يتحدث من منطلق أهداف صراعية ابعد ما تكون عن التحقيق وطلب المعرفة، بل بالأحرى دافعهم تشويشيٌ لا اكثر.
الحديث عن امام ثالث لابد أن يسبقه تذكير سريع بأنه لماذا يكون الحديث عن إمام ثالث عشر، مستهجناً، بينما لا يكون كذلك الحديث عن إمام ثاني عشر، أو حادي عشر مثلاً؟ الجواب طبعاً لأن مسألة الإقرار بأئمة إثني عشر محسومة، ولا تحتاج لتطويل ولا لتعريض في الكلام.
والآن ما الذي جعل هذه المسألة محسومة، اليس هو ورود نصوص روائية فيها؟
فالنصوص الروائية إذن هي الوثيقة القانونية – إن صح التعبير – التي تمنح الشرعية لمعنى ما أو دلالة ما او عقيدة ما. فإذا وردت نصوص عن الذين امرنا الله بالأخذ بكلامهم تفيد معنى ما او عقيدة ما فالمفروض بحسب ايماننا ان نسمع ونطيع.
وطالما كانت النصوص الروائية هي الوثيقة القانونية التي تُستمد منها الشرعية فلماذا إذا ما أُستدل بنفس هذه الوثيقة القانونية (النصوص الروائية) على وجود أئمة أو خلفاء بعد الأئمة الإثني عشر عليهم السلام يبدو الاستدلال غريباً، وشبيهاً لدى البعض بالتجديف، ومدعاة للتكفير والتبديع والتهريج والاخراج من الملة؟
هذه الازدواجية في التعاطي مع النصوص الروائية امر لا يدعو الى التساؤل فقط بل والى القلق ايضاً.. فمن الواضح ان تفسيراً حقيقياً لهذه الازدواجية يضعنا بالضرورة بإزاء فكرة ان هذا السلوك الازدواجي يكشف حتما عن توجه هذه الجهة صاحبة السلوك الازدواجي الى توظيف الدين والنصوص الروائية لغايات ومصالح لا علاقة لها بنفس الدين.
نعم هناك نصوص روائية كثيرة جداً، تفوق حد التواتر، دلت على وجود حجج أو أئمة، أسمتهم الكثير من الروايات بالمهديين، والحديث عن إمام ثالث عشر يندرج في خانة الحديث عن هؤلاء المهديين عليهم السلام. فالحق – وأنا هنا أريد إعادة موضعة المسألة في إطارها الصحيح، الذي يخرجها البعض عنه تعمداً، ولغايات تشويهية – أنه لا أحد يتحدث عن إمام ثالث عشر بالطريقة التي يريد أن يوحي بها بعض المغرضين من أن الأئمة هم ثلاثة عشر، ثم نقطة، وعودة إلى رأس السطر! فالحديث عن إمام ثالث عشر ليس في الحقيقة سوى حديث عن أول العدة الثانية من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وهم المهديون، فهذا هو سياقه وهذه هي حقيقته التي ما أن يُقتطع منها حتى يغدو حديثاً غامضاً، تغيّم عليه الهواجس والظنون السوداوية.