عادة ما يواجه المضللون الدعوات بأدوات الحرب غير الشريفة، فبدلاً من مقارعة الدليل بالدليل وعرض الدعوة على بساط البحث والنقد الموضوعيين لبيان حقيقة ما تطرح وبالتالي قيمة هذا الطرح، وحظه من الصدق، بدلاً من هذا يلجأ المستكبرون إلى وسيلة تتمثل بإحاطة الدعوة بغلاف من الشبهات والتهم من أجل تشويه صورتها في أعين المراقبين من الناس.
وبكلمة أخرى يتجنب المستكبرون المضللون الطريق السليم في التعاطي مع الدعوة، وهو طريق الفكر والعلم والبحث، ليركزوا على طريق آخر يتمثل بإثارة المخاوف والتوجسات في نفوس الناس ليمنعوهم من التفاعل الإيجابي مع الدعوة، ويدفعوهم بالنتيجة إلى الابتعاد عنها وعدم السماع من أتباعها.
وعلى الرغم من وضوح أن من يفعل هذا الأمر شخص مفلس لا يملك من أدوات المعرفة والحقيقة ما يمكنه من مواجهة الدعوة مواجهة الند للند، إلا أن الناس وللأسف الشديد لا يلتفتون إلى هذه الحقيقة. فهم لا يبصرون ما ينطوي عليه هذا الأسلوب الملتوي من دلالة واضحة على أن قوى التضليل لا تريد للناس أن تبصر الحقائق بنفسها، وتقرر مصيرها بمحض إرادتها الحرة، وإنما همها تجهيل الناس وتعطيل دور وعيهم، لتستبقيهم بالنتيجة أسارى ما تقرره لهم.
وهكذا نسمع بين الحين والآخر، وبوتيرة ثابتة تقريباً ترديد المعزوفة نفسها التي تتحدث عن علاقات بجهات عدوة، وتمويلات مشبوهة، وما إلى ذلك مما لا يكلف أصحاب المنهج التضليلي أنفسهم عناء تقديم الدليل عليه. كما نسمع – وبلسان أفعواني تم تدريبه على حركات معينة – حديثاً مكروراً عن دعوات باطلة عرفها التأريخ، وكل ذلك لهدف واحد هو إرباك قنوات وعي الناس، وتكبيل إراداتهم لتبقى الدجاجة البياضة رهينة القفص، ويبقى الثعلب الماكر متخماً من بيضها الطازج، والعاقبة للمتقين.