التشنج واللغة النابية البعيدة عن الادب والخلق الحميد لا تفعل شيئاً سوى انها تفضح افلاس وجهل صاحبها وبأنه لا يملك من ادوات المعرفة ما يرد به فتدفعه انانيته او حرصه على جاه معين او مصلحة معينة على ركوب رأسه ونقل الصراع من منطقة الفكر والدليل الى منطقة البذاءة والشتائم من اجل قطع جسور الحوار وإبعاد الناس من تلمس ما لدى الطرف الاخر من دليل يمكن ان يفتح لهم آفاق انتماء جديدة تبعدهم عن قفص الأسر الذي يريدهم ان يكونوا مقيمين دائميين فيه.
ولعل التصعيد الى درجة الكذب والتقول على الاخر ووصمه بما ليس فيه، وكذلك الافتاء والتحريض على المقاطعة – كما حصل من رجل يسكن أمريكا، ويدعي أنه من كبار علماء المسلمين – يشي بمستوى هستيري خطير قد بلغه الطرف الاخر اخرجه تماما عن حد التوازن.
لقد كنا نعتقد الى زمن قريب بأن استعمال وسيلة الفتوى التحريضية اختصاص وهابي بامتياز، ولكن يبدو ان علينا بعد الان ان نراجع بل نتراجع عن هذا الاعتقاد لندخل اطراف اخرى في دائرة الفتوى التحريضية.
وسبحان الله لقد ذكرتني فتوى المقاطعة التي تفوه بها من يزعم أنه من كبار علماء المسلمين بالوثيقة التي علقتها قريش على استار الكعبة بهدف مقاطعة المسلمين الاوائل، وبني هاشم، فيا لله كم يعيد التاريخ نفسه.
نعم فصول التأريخ تُعاد مع الدعوة اليمانية المباركة، بجميع المفاصل الأساس التي ميزتها ومنحتها هويتها المعينة. وإذا كانت الدعوات الإلهية قد اتخذت دائماً مساراً مأساوية يعج بالمصاعب والآلام حتمته طبيعة المواجهة غير المتكافئة وغير الشريفة، فإن بإمكان من يتميز بقدر كافٍ من الحصافة، ومع شيء يسير من التمعن في الأدوار والوسائل المستخدمة أن يجد ضالته المنشودة، ويتبين له بجلاء صدقية الدعوة اليمانية المباركة. وكما قال عز من قائل: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف : 111].