بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم د. موسى الأنصاري
لست هنا لأطالب البشرية عموما والمسلمين خاصة ، وبالأخص منهم من يدعون الانتساب إلى مدرسة الطاهرين آل محمد(ص) إلى البحث المتخصص في بطون المصادر القديمة ، بل أسألهم سؤالاً واحداً يكشف حقيقة كل هذه الممارسات التي تتخذ من الطاهرين(ص) شعاراً للمتاجرة والضحك على الذقون والاستخفاف بالعقول حتى فتح الباب على مصراعيه أمام دعاة الاستهزاء والسخرية بالدين والمتدينين ، والتلويح بأن الخلاص والراحة هو بترك الدين لأنه الباعث لهذه الممارسات التي تفتقد إلى الغاية الواضحة ، ما غاية ما تفعلون؟؟
فتلك الممارسات حتى لم ترق إلى مستوى الكرنفالات التي يقيمها أهل الدنيا حيث الغاية المعلنة منها هي بث حالة من المرح والمتعة للمشارك والمشاهد وتخفيف ضغوطات الحياة المادية ، أما هذا الذي يفعله المتدينون بالحج إلى أماكن معينة ؛ اليهود يحضرون عند حائط المبكى ، والنصارى يحجون إلى بيت لحم ، والمسلمون عامة إلى مكة المكرمة ، والشيعة منهم خاصة إلى كربلاء!!! لماذا؟؟؟ علانيتهم تصرح أن الوقوف بهذه المشاعر هو استجابة إلى أمر الله سبحانه ، وحقيقتهم تفصح عن أن كل واحد منهم يغني على ليلاه ، ولا علاقة له بأمر الله سبحانه لا من قريب ولا من بعيد ، فاليهود والنصارى والمسلمون عموما والشيعة منهم خاصة لو كانوا صادقين فيما يدعون لكان حجهم غايته إعلان البيعة صادقين والطلب إلى الله سبحانه أن يظهر لهم منقذهم كي يعبد الله سبحانه من حيث أراد وكما أراد ، ويكون قدومهم وهم على أهبة الاستعداد للقيام بكل ما يريده الله سبحانه ويبلغهم به وليه الذي كان حجهم إليه في هذا المكان الذي تشرف بمن جاء مبشراً بالمنقذ ، فتلك الأماكن المتعددة كلها تشير إلى غاية واحدة ولا تفاضل بينها سوى أن كل بقعة سلمت الراية إلى بقعة أخرى ، فأرض الرسالة الموسوية سلمت الراية إلى أرض الرسالة المسيحية وتلك سلمت الراية إلى أرض الرسالة المحمدية ، وهذه سلمت الرسالة إلى أرض الرسالة المهدوية ، فليس عبثا أن يقوم عظيم مثل علي بن أبي طالب(ص) إلى نقل موضع الخلافة الإلهية من المدينة إلى الكوفة ، وليس عبثا أن يراق دم ريحانة رسول الله(ص) على أرض كربلاء ، ولو كانت القضية قتل وحسب لحصل هذا في المدينة حيث سكنه (ص) أو مكة حيث رحل إليها ، أو في أي بقعة من البقاع الممتدة من مدينة جده (ص) إلى أرض كربلاء .
إن تمسك البشرية بالمنظومة الأخلاقية الجاهلية هو الذي كان السبب الرئيس في تشتيت جهد الأنبياء والمرسلين والأوصياء(ص) ، فكل أولئك الطاهرين(ع) كانت غايتهم واحدة وهي كما يعلنها اليوم المندوب عن المنقذ يماني آل محمد(ص) حيث يقول : [فدعوتي كدعوة نوح(ع) ، وكدعوة إبراهيم(ع) ، وكدعوة موسى(ع) ، وكدعوة عيسى(ع) ، وكدعوة محمد(ص) ؛ أن ينتشر التوحيد على كل بقعة في هذه الأرض ، هدف الأنبياء والأوصياء هو هدفي ، وأبين التوراة والإنجيل والقرآن ، وما اختلفتم فيه ، وأبين انحراف علماء اليهود والنصارى والمسلمين وخروجهم عن الشريعة الإلهية ، ومخالفتهم لوصايا الأنبياء(ع) .
إرادتي هي إرادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته ؛ أن لا يريد أهل الأرض إلا ما يريده الله سبحانه وتعالى ، أن تمتلئ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، أن يشبع الجياع ولا يبقى الفقراء في العراء ، أن يفرح الأيتام بعد حزنهم الطويل ، وتجد الأرامل ما يسد حاجتها المادية بعز وكرامة …… أن …… وأن …… أن يطبق أهم ما في الشريعة العدل والرحمة والصدق] ، فهل هو هذا الذي يجتمع من أجله المتدينون في مواسم حجهم؟؟؟ الجواب الأكيد والذي يفصح عنه الواقع هو : لا!! وغريب أن يكون الجواب بـ(لا) لأن مشروعية كل هذا العمل هي مستندة إلى هذه الغاية التي يصرِّح بها يماني آل محمد السيد أحمد الحسن(ص) ، فالأديرة إنما استقر أساسها استناداً إلى عقيدة انتظار المنقذ ، والكنائس كذلك والمساجد كذلك ، وإلا يكون وجودها عبثياً لا غاية له ، وهي إنما أقيمت ليعبد الله سبحانه فيها وحده ، ويعبد بإعلان الطاعة لمن ملكه الله سبحانه أمر الناس وتدبير حياتهم وتعريفهم بالحق ، وهذا المملك المأمور الناس بطاعته هو حجة الله نبيا كان أو رسولا أو إماما ، فهذه العناوين تعددها هو لبيان مقام المبعوثين ؛ فأدنى مقام للمبعوث أن يكون نبيا ، وأعلاها أن يكون إماماً ، ولذلك كان بعض المبعوثين(ع) أنبياء ورسلاً وأئمة ، قال تعالى{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}(البقرة/124) .
لقد فقدت كل ممارسات الحج والحجيج مصداقيتها لإعراض الحجيج عن الغاية إما جهلا وغفلة ، أو عناداً وتغافلا ، والذين أعرضوا جهلا وغفلة هم أولئك السواد الأعظم من أتباع الرئاسات الدينية في كل دين فهم يقلدون سادتهم وكبراءهم من دون تدبر ولا معرفة ، والذين أعرضوا عناداً وتغافلاً هم أولئك الذين نصبوا أنفسهم حماة للدين ، وحرفوا المؤسسات الدينية التي كانت الغاية من إقامتها أن يتحمل الناس الذين يقومون عليها مسؤولية إدامة الإعداد لنصرة المنقذ الموعود ، بل تلك الممارسات فقدت مصداقيتها مع وجود حجج الله على الأرض ، فقد روي : [عن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له : جعلت فداك ما فضلنا على من خالفنا فوالله إني لأرى الرجل منهم من هو أرخى بالا وانعم رياشا وأحسن حالا؟! قال فسكت عني حتى إذا كنت بالأبطح أبطح مكة ورأيت الناس يضجون إلى الله فقال : يا أبا محمد ما أكثر الضجيج والعجيج وأقل الحجيج والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالنبوة وعجل روحه إلى الجنة ما يتقبل الله إلا منك ومن أشباهك خاصة و مسح يده على وجهي ، وقال : يا أبا بصير انظر ، قال : فإذا أنا بالخلق كلب وخنزير وحمار إلا رجل بعد رجل .](بصائر الدرجات – محمد بن الحسن الصفار :291) ، وفقدان المصداقية متأتٍ من بقاء الشعيرة كمشهد وممارسة ، وتغييب الغاية التي من أجلها كان كل هذا ؛ كان الزمان ، وكان المكان ، وكان الأمر بالاجتماع من كل فج عميق .
ومما يلفت النظر في ما يحدث اليوم حيث يقف لسان المرجعية خطيب منبر جمعة كربلاء وهو يشيد بالجموع التي أنافت على الأربعة عشر مليونا بحسب ما قال هو بلسانه ، ويرى أن هذا العدد الضخم هو دلالة على الإيمان وعمق الارتباط بالثورة الحسينية وصاحبها (ص) ، ويستغل الحال ليشيد بجهود مؤسسته الدينية بالنجاح في التحشيد ومتعلقاته ، ويشير من طرف غير خفي أن مرجعيته كانت قد آلت على نفسها أن لا تفوتها المشاركة ولكنها تخلفت عن ذلك آسفة لبعض العوارض التي حالت دون حضورها!!! على من يسوَّق هذا الكلام الساذج وهذه البضاعة الكاسدة؟؟؟!!! فلو كانت الكثرة دلالة على الخير لما ذم القرآن الكثرة في كل موقف وقف فيه عليها هذا أولاً ، وثانيا : لو كان هذا العدد الضخم صاحب ولاء حقيقي لطريق الحسين(ص) للزم أن يكون اليوم الإمام المهدي(ص) حاضراً بين الناس ظاهر الأمر وقد ملأها قسطا وعدلا!! فهل حصل هذا؟؟ الجواب : لا!! إذن واستناداً إلى عدم تحقق النتيجة المتوخاة من هذا التجمع المليوني ، يكون الباحث أمام أمر من أمرين ؛ الأول : إما أن الإمام المهدي(ص) قد أضاع رعيته وحاشاه من ذلك ألف حاشاه وهو الراعي الصالح ، أو أن الرعية أضاعته وضيعته وانحرفت عن سبيله (وهذا هو الحاصل واقعا) فعلى الرغم من أن الألسنة تنطق بالدعاء في تعجيل الفرج ، ولكن الأبدان ساعية في تأجيله بل وطمسه وإعدامه ، فالأمة التي تتمسك بعلماء منحرفين شاهراً ظاهراً ولا يحتاج انحرافهم سوى النظر إلى ظاهر القرآن حسب وقراءة قوله تعالى{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}(البقرة/120) هي أمة تكذب نفسها بنفسها ، بل وحتى قدومهم إلى الحسين(ص) هو قدوم متاجرة ، فكل قادم منهم هو يحمل في صدره جردة طلبات يأمل من الحسين(ص) أن يقضيها له ، ولو فتشت في هذه الأماني الطويلة العريضة فلن تجد الأمنية الواحدة الحق التي كان ينبغي أن تكون في قلب أولئك الزائرين : (يا حسين جئناك نجدد البيعة على البقاء على عهدك ونصرة ولدك المهدي(ص) ولا نرضى به بدلا ولا نتخذ من دونه وليا ولا راعيا لديننا ودنيانا وآخرتنا على ذلك قدمنا وعليه انعقدت قلوبنا وعليه نموت لا شاكين ولا مرتابين ولا مكذبين ولا ناكثين) ، وبغياب هذه الأمنية الأهم والأعظم فقد المشهد مصداقيته ، وكان قدوم أولئك القادمين إلى مرادهم هم لا لمراد الله سبحانه ، وما هذه المظاهر والمبالغة فيها إلى درجة تثير الضحك الذي هو بكاء وأسى على أمة وصل الاستخفاف بها لخفة عقولها حالا مخزياً ، فتلك المرجعية بهذا الموقف انكشف فساد منهجها التربوي للناس جليا ، فهي إنما قامت على أساس إعداد الناس لنصرة الإمام المهدي(ص) ، وإذا بنا اليوم نلحظ بأم العين نجاحها في استقطاب عدد هائل من البشر ولكن إلى أين؟؟؟ إلى حيث تريد هي وإلى ما يحقق مصالحها الدنيوية بالجاه وبقاء السلطة الدينية بيدها ، وليس إلى الغاية التي أكسبتها شرعية الوجود ، فحوزة ومرجعية دأبها عزل القرآن وتدبره ومعرفته ، وطمس روايات أهل البيت(ص) وقتلها بدعاوى الأسانيد الباطلة ، والتضعيف غير المبرر سوى أن تلك الروايات الشريفة تفضح انحراف فقهاء اليوم وتكشف حقيقة ما انطوت عليه أنفسهم من حب الدنيا والسلطة والجاه ، والعمل على شراء الذمم بأموال الإمام(ص) لاستدامة هذا الذي هم فيه ، وإلا بماذا سيدافع السيستاني عن رعايته لمشروع (دجاج الكفيل) ، وماذا يقول الباكستاني في مشروعه المسمى (دجاج الأمير) ، وماذا … ، وماذا؟؟؟ فمرجعية اليوم لبست الدين لبس الفرو المقلوب وراحت تطلب به الدنيا بصورة علنية بلا حياء ولا مواربة ، فهذه قنواتهم الفضائية تعلن هذا بل وحتى خطابها الإعلامي ما هو إلا خطاب تجاري استهلاكي بعيد عن الدين بعد الثرى عن الثريا .
لقد فضح السيد الصافي مرجعيته اليوم بإعلانه لهذا الرقم المهول ، والإمام المهدي(ص) ينتظر اكتمال العدة ثلاثمائة ثلاثة عشر رجلا للقيام بالأمر ، وبعمل النسبة والتناسب بين الرقم المطلوب للقيام وما حضر إلى كربلاء بتحشيد المرجعية تكون النسبة هي (0,002235714) هذه هي النسبة المئوية التي لا تكاد تذكر حتى لم تبلغ العشر بالمائة ، ولذا هذا الرقم الهائل يشكل نجاح لمنهج الانحراف الذي اختطه المرجعية لطمس سبيل الحسين(ص) باسم الحسين ، فرسالة الحسين الحق ليست تلك التي تروج لها المرجعية بل هي ما بينها وصي ورسول الإمام المهدي(ص) السيد أحمد الحسن(ع) قائلا : [إذا كنتم حقا وصدقا تقولون للحسين(ع) يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما . فها هو الحسين حل بين أظهركم بولده الإمام المهدي(ع) يراكم ويرقب أفعالكم ويرتقب نصرتكم وينادي فيكم (أعنا تتخاذلون وعن نصرتنا تنكصون ، حسبنا الله ونعم الوكيل ) أ فبالتقية تعتذرون عن خذلان آل محمد(ع) أم بالخوف أم بقلة العدد والعدة ، أ لم يقاتل طالوت بقلة العدد والعدة جيش جالوت مع كثرة عددهم وضخامة عدتهم ، أ لم يقاتل محمد(ص) في بدر بقلة العدد والعدة ونصرهم الله سبحانه وتعالى أوَ ليس القرآن يهتف في أسماعكم {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}(البقرة: 249) .
يا من تتخاذلون عن نصرة الإمام المهدي(ع) هل تنتظرون إلا الاصطفاف مع السفياني(لع) وارث يزيد بن معاوية(لع) بعد اصطفافكم مع الدجال الأكبر (أمريكا) إذن فابشروا بنار وقودها (النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) ماذا ستقولون : بكينا ولطمنا الصدور على الحسين(ع)؟؟ سيأتيكم جواب الحسين(ع) (أنتم ممن أُشرك في دمي فقد قاتلتم ولدي المهدي) ، ماذا بعد؟؟! هل ستقولون إننا نقف على الحياد؟! إذن جوابكم ( لعن الله أمة سمعت بذلك ورضيت به ) فليراجع كل عاقل نفسه فان الفرص تمر مر السحاب ( إذا كنتم تطلبون الحق ) انصروا الحسين(ع) في هذا الزمان ولا تخافوا {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(آل عمران:139) لا تخافوا من يقتل الجسد ، ولكن خافوا من يستطيع أن يهلك الجسد والروح معاً في جهنم .
وإذا كان قراركم هو خذلان الحسين في هذا الزمان ، وإذا اخترتم ظلم أنفسكم فإني أحذركم وأنذركم عذاب الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة ، ولا عذر لكم ولا عاذر .](من خطاب موجه إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وفي قم وفي كل بقعة على هذه الأرض) .