زاوية الأبحاث

النحو لمَ؟ وسلطته علامَ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لعل من نافلة القول ؛ إن النحو ـ لغة ـ يعني الاتجاه إلى جهة ما بقصد بلوغها واصطلاحاً ؛ يعني القواعد الموضوعة لتقويم ألسنة الناطقين باللغة ، وكما هو معروف لدى الباحثين عموما أن الدلالة اللغوية غالبا ما تفارق الدلالة الاصطلاحية حتى تبدو وكأنها أجنبية عنها ، وهذا المعروف ليس صحيحا!!

 

إذ لابد من وجود صلة تكشف عن مجوز استعارة هذا اللفظ (النحو) ليجري في هذا المجرى كعلامة على جهة للمعرفة ، ولكن الناس عموما اعتادوا التغافل عن الدلالة اللغوية على الرغم من أهميتها ، والاستناد إلى الدلالة الاصطلاحية لأنها دلالة عنونة عرفية حسب ، كالاسم الذي يسمى به المولود ، فالناس عموما لا تبحث عن علة الاسم وغايته ولماذا أسماه أبوه ؛ زيداً وليس عَمْراً؟؟ بل هم مسؤوليتهم ـ بحسب ما يظنون ـ تنحصر في أن (زيداً) هو علامة معرفة لهذا الشخص حسب!!! ولكن عند العودة إلى الدلالة اللغوية نجدها هي الحاكمة في الاصطلاح ولولاها ما اصطلح على مسمى باسم معين دون غيره ، وعلى هذا الفهم سنكتشف أن النحو يستند إلى دلالته اللغوية استنادا كبيرا ، وما الاصطلاح سوى علامة على تلك الدلالة ، فالنحو ؛ هو الاتجاه إلى الناطق الأصل بالنص بوصف أن النص قائم به وبه يستبينه السامعون وتتحقق الغاية من وجوده وهي المعرفة بانكشاف المجهول لجاهله ، والوصول إليه ليتمكن السامع من أن يكون قائما بالنص بإذن قائمه الأصل وناطقا به ، وبهذا صار لزاما معرفة الناطق الأصل بالنص ، وهذا يتطلب منا أن نعرف من السابق لصاحبه ؛ النص (الكلمة الصامتة) أم اللسان (الناطق بها) ، وهذا لا يستطيع الفكر البشري القطع به إلا بالاستناد إلى إخبار السماء ، والسماء أخبرت أنَّ (في البدء كانت الكلمة) أي كان النص ولا ناطق به ، بل كان ظهوره علامة مجلية للغيب (الكنز المخفي) وتلك إرادة الكنز المخفي في أنه أحب أن يكون معروفاً ، حيث ورد في الحديث القدسي الشريف : [كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف] ومن هذا الحديث الشريف نستبين أن التعريف (النص) سابق في الوجود للخلق ، مثل سبق المخطط الهندسي للبناء القائم ، ليكون البناء عند قيامه صورة تحكي المخطط الهندسي ، وكذلك أراد الخالق سبحانه من خلقه أن يكون صورة تحكي النص الكاشف عن مبدعه .

بعد هذا التوضيح استبان لنا سبق النص على الناطق به (الأصل) ، ولا يكون الناطق به أصلا إلا إذا كان صورة حاكية للنص تماما منطبقة عليه لا بل كأنها هو وكأنه هي ، ولعله هذا هو مقام (القاب قوسين أو أدنى) ، وبالوصول إلى هذا المقام كان الواصل إليه معصوماً بالنص وصورة له ، فاستحق رتبة الناطق الأول أو الأصل ، ومن ثم الناطقين به ينطقون بحسب تعليمه لهم ، ومن هنا نفهم المخطط الإلهي في الإرسال إلى هذا العالم ، لأنه ربما يسأل أحدهم ـ وهذا حق له ـ من هو الناطق الأول أو الأصل؟؟ وهذا السؤال لا يمكن للأرض أو لحفريات أهلها الإجابة عليه خاصة إذا علمنا بأن الخلق في هذا العالم هم بعث الله سبحانه الخالق وليس هذا العالم الأرضي هو النشأة الأولى ، بل النشأة الأولى هي من تكشف عن الناطق الأول ، والوجود في هذا العالم يكشف عن الناطق الأخير ، فآدم(ع) هو آخر المعلمين للنص في النشأة الأولى للخلق ، ولذلك عندما أنزل إلى هذا العالم كان أول النازلين ، وأولهم في النشأة الأولى كان محمداً(ص) ولذلك كان خاتم المعلمين من السماء وبه ختم البعث من السماء وختمت النبوة ، حيث أن الناطق الأول حل معلما على الأرض ، ولذلك كانت البشارات السابقة له تبشر به فكل نبي ورسول يبعث من السماء أصل بعثه مستند إلى البشارة بمجيء المعلم الأول والناطق الأول ، وصورة ظهور الكنز (وظهورك في جبل فاران) والظاهر في جبل فاران هو ليس الكنز بل صورة الكنز التي تحكي النص المعرف به .

وبعد أن علمنا أن الناطق الأصل هو محمد(ص) ، وهذا اللسان الذي تنطق به البشرية كلها اليوم إنما هو صورة للسان محمد(ص) قربا وابتعاداً ، مواجهة وبلوغا أو نكوصا وانقلابا ، عرفنا أن النحو (المصطلح) هو يعني بالضرورة التي أخفاها المستفيدون من إخفائها ؛ الاتجاه إلى محمد(ص) لسماعه ومحاكاة هذا السماع نطقا ويكون فوز الناطق مستنداً إلى قربه من محمد(ص) وتمثله ، والفائز بذلك سماه الله سبحانه (أول المؤمنين) وباب الناطق الأصل الذي هو (مدينة العلم) باعتباره صورة النص ، والنص(الكلمة) هي مدينة المعرفة التي تجلت من الكنز ، أي مدينة الكمالات الإلهية التي هي غاية الطالبين للمعرفة الحق وقبلتهم ، فكان الفائز الأقرب هو باب مدينة العلم ، وقد ورد عن رسول الله(ص) قوله [أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن شاء المدينة فليأتها من بابها] ، ولذا فليس اعتباطا سمي علي(ص) سيد البلغاء والمتكلمين وسيد الحكماء ، ومن باب البيان أكثر أورد لكم قول رسول الله(ص) [إني أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش] فكونه الأفصح في نطق هذا الحرف أي الأعظم بيانا والأعلى قدرة على النطق يدل دلالات كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر :

1- جعل الضاد ميزانا لبيان فصاحة النطق يكشف عن سلامة جهاز النطق فالذي ينطق الضاد نطقا سليما يدل على سلامة جهازه النطقي ، فما بالك بمن ينطقها بحقها واستحقاقها فهذه دلالة تميز أولى .

2- الفصاحة هي وضوح ظاهر وبيان باطن ، والأفصح دال على أنه الأعلى إحاطة في معرفة ظاهر هذا الحرف وباطنه .

3- قوله (ص) : [أنا أفصح …] دال على كونه جهة القصد وقبلة الناطقين فلا عربية من غير سبيل محمد(ص) ، وسبيل محمد(ص) قد حدده هو (ص) في وصيته التي أملاها ليلة وفاته على علي(ص) .

4- كذلك بين (ص) لنا أنه هو ميزان الفصاحة وليس النص ، ومن ثم ليس القواعد الموضوعة ، ومن هنا نفهم وصف الإمام الصادق(ص) ومعنى إجابته لمن طلب منه أن يكتب في العربية ، فرد عليه الإمام(ص) : دعني من سهككم!!! لماذا قال له : دعني؟؟؟ لأن الناس أعرضت عن ميزان الفصاحة الحق ، وسمى ما بأيديهم من معرفة العربية ؛ سهك ، والسهك هو الرائحة النتنة التي تفوح من عرق الرجل أو من صدأ الحديد ، وكأنه (ص) يكشف عن أن ما يفوح من أفواه أولئك المتقولين هو عفن الجهل ، لأن رائحة المعرفة الطيبة هي تنبع من أفواه أهلها وهم آل محمد(ص) .

ولذا بات من الضروري أن نفهم أن لا انفكاك بين النص الأعظم في الكون وهو القرآن والكتب السماوية المقدسة ، وبين حملتها الناطقين بها كونهم هم ميزان الفصاحة والمعرفة ، وبالخصوص خاتمهم (ص) ، وما عرف الناس النطق بالعربية (أي لغة الوضوح الظاهري والبيان الباطني) إلا بالأنبياء والمرسلين وحجج الله سبحانه الذين نصبهم معلمين للخلق (جنا وإنسا) كي يتيسر لها طلب المعرفة والقصد إليها وبلوغ الغاية المرجوة منها وهو المعرفة ، قال تعالى{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات/56) أي ـ كما ورد عن الطاهرين(ص) ـ إلا ليعرفوني ، فالغاية الحصرية من خلق الخلق هو بلوغ مقام معرفته سبحانه ، ومما تقدم نفهم أن النحو اصطلاح دال على جهة التوجه أو القبلة في تعلم النطق الفصيح ، واستنادا إلى هذا الفهم يسقط هذا العمل غير المشروع الذي قام به عدد ممن اصطلحوا على أنفسهم (علماء العربية) حيث أنهم كما بين صادق آل محمد(ص) [يحرفون الكلم عن مواضعه] فمواضع الكلم هم آل محمد(ص) حصراً ، وما عمله علماء العربية هو أنهم وضعوا الكلم في غير مواضعه ، فصدق وصفهم بمحرفة الكلم ، فمواضع الكلم هي ألسنة الحجج الطاهرين(ص) وهم القصد والغاية ، وما فعله علماء العربية هو أنهم أوهموا الناس أن مواضع الكلم هي آراؤهم وتخرصاتهم التي جهدوا على جعلها قواعد حاكمة على النص وعلى الناطقين به ، فاستحالت تلك الآراء والتخرصات (القواعد النحوية الموضوعة) قيداً انقسم الناس حيالها إلى فسطاطين لا ثالث له فسطاط ظل أسيراً لها ناعقا بما لا يفقهه من أقوالها التي لا يملك فهما لها يجعلها مستقرة في ذهنه فيهرع إلى جعلها مصطلحا عرفيا تعارف عليه السلف (من العلماء) فيشكك في قدرته على الفهم ولا يشكك بصلاح المصطلح ونفعه ، على الرغم من أن فساده أضحى ظاهراً ، فعمل على أن يكون حافظا لمصطلحات العلماء وأقوالهم حفظا ببغاويا ، والقسم الثاني أعلن التمرد والعصيان والإعراض عن اللغة بقضها وقضيضها ، وصار شغوفا في طلب ما ينتجه اللسان الأعجمي ، بل والأنكى من ذلك راح يستعير مقولات ذاك اللسان لمحاسبة لسان العربية ، ومعاقبته بداعي الانفتاح على الحضارات والعمل على جعل العربية تعيش العصر وتساوقه ، كي تخرج من بوتقتها التي قاربت أن تحولها إلى لسان أثري ، ليس أكثر من صورة موميائية لا نفع فيها سوى إشارتها إلى حقبة تاريخية مضت!!!

ولعل هذا الذي وصل له عموم الباحثين من المعاصرين الذين مالوا إلى الدرس اللغوي الغربي على حساب الدرس اللغوي العربي ، ومن أهم أسباب هذا الميل هو أن مقولات السابقين من علماء العربية تعفنت واستبان فسادها ومازال إلى الآن هناك من يحاول الإبقاء عليها بحجة المحافظة على العربية ، وواقع الحال يكشف عكس ذلك ، فقد تردى واقع العربية منذ مفارقتها لنبعها الإلهي الحقيقي ، وأخذها من سواقي الآراء الآسنة والتخرصات الفاسدة التي لا يمكنها فهم النص فهما يجعلها تسير على درب المعرفة الحق ، والسبب يكمن في أن أولئك العلماء لم يتمسكوا بعروة المعرفة التي جعلها لهم العليم الحكيم بل استبدلوها بعروة من صنعهم وإبداعهم وهي الهوى ، فكان حالهم كما وصف رب العزة والجلال {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}(الجاثية/23) ، فباتخاذه للهوى إلهاً قرر تعطيل وسائط المعرفة التي منحه إياها الحق سبحانه ، فكانت النتيجة الختم على السمع والقلب فلا يسمع حقا ولا يتفكر بالحق ، وعلى البصر غشاوة جعلت بصره محصوراً بما تحت الغشاوة حسب ولا يرى ما فوقها .

وربما يسأل القارئ ؛ إذا كان الفسطاطان الموجودان اليوم هما إما مضيع وإما ضائع تائه ، فما السبيل إلى معرفة الحق؟؟؟ السبيل هو من جعله الناطق الأول فيصلا بين الحق والباطل وميزانا للهداية لا يخطئه طالبه ، وهذا الميزان قوله الشريف ـ ما معناه ـ [إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض] فهذا الميزان هو الذي يكشف فيما يكشف عن النحو الذي على الناس ـ إن أرادوا الحق والعدل والمعرفة والهداية ـ أن يتوجهوا باتجاهه بوصفه المعين الحق الذي لا ينضب وبوصفه ماء الحياة الذي لا سبيل للحياة من دونه ، وهو الحجة المنصب من الله سبحانه في كل زمان بوصفه معلما للقول والفعل بإذن الله عز وجل .

بهذا الميزان الإلهي لا يبقى لأقوال النحاة أو قواعدهم قيمة تذكر فالحق من أقوالهم ما كان مأخوذا من المعلم الحق ، وما صاغوه من أقوال حوله ليموهوا على الناس هو المرذول والمطروح والسهك ، لأنه بظاهره وباطنه مفارق لقول الحق ، فلا يمكن لعاقل أن يصدق أن قاعدة من ابتداع الناس تستند إلى استقراء ناقص تكون لها القدرة على الحكم على النص أو على الناطق به ، لسببين ؛ أولهما : إن مستندها (الاستقراء الناقص) مظنون فلربما لنقص الاستقراء غاب عن حافظة المستقرئ استعمالا شائعا مقبولا ، فوضع قاعدة تطرحه ، أو أنه وضع قاعدة تدخل غير الشائع لوقوعه في مساحة استقرائه ويكون في الحالة الأولى مضيعا ، وفي الثانية متكلفا ، والسبب الثاني ؛ إن القاعدة نتاج فكر غير تام وغير محيط بمادة بحثه التي هي في الأصل غير محكمة ، فلا شك ولا ريب في أن هذه القاعدة سوف لا تستجيب لقادم الأيام بل على العكس ستكون عائقا وعقبة كؤودا ـ كما هي اليوم ـ في سبيل المعرفة ، وهذا ما بدا واضحا اليوم بل وحتى في زمن التقعيد من الأخذ والرد والجدل في تلك القواعد الموضوعة ، ولعلنا نصيب كبد الحقيقة في استنتاجنا أن هذه القواعد النحوية إنما شرعت وشجع العمل بها لتحصيل غاية مهمة لدى من قصروا علمهم على الدنيا حسب فجعلوها هي الغاية من العلم والمبلغ ، والغاية تلك هي ؛ عزل النص عن الناطق به المنصب من الله والقائم بأمره وإذنه سبحانه ، هذا في المرحلة الأولى ، وفي الثانية التسلل إلى النص والعبث به بالآراء والتخرصات ، وهذا ما حذر منه النص تحذيرا واضحا جليا ولكن الأمة ـ ويا للأسف وقعت في المحذور ولم تتعظ بمن سبقها من الأمم السالفة التي جعلها القرآن مثلا لأمة الإسلام وعبرة ـ لم تلتفت إلى التحذير ، فكان التحذير من أولهما هو قوله تعالى{فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(المائدة/13) والميثاق المنقوض هو التمسك بالناطق بالنص المجعول ، وهو موضع النص ووعاؤه وعيبته ، والتحذير من الثانية هو ؛ قوله تعالى{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(المائدة/41) حيث مالوا بالنص بعيداً عن مواضعه التي جعلها الله لها ، وجعلوه في غيرها ففتنوا وأفتنوا وضاعوا وأضاعوا حتى صار الخارج من أفواههم هو سهك (تماما كما وصف الإمام الصادق(ص)) ، وعليه فلا سلطة للقواعد النحوية على النص أصلا لأنه فوقها والحاكم عليها ، وهو ميزان اقترابها أو ابتعادها ، ولا سلطة لها على الناطق بالنص لأنها من وضع الذين ينبغي أن يكونوا متعلمين ، وأقوال المتعلمين لا تكون حاكما على المعلم أبدا ، بل العكس هو الصحيح ، ولذا فهذا النحو العرفي الموجود اليوم لا يصلح ميزانا لمعرفة اللغة بل هو من ظلم اللغة وعطلها وحرم أبناءها من إمكاناتها المعرفية العظيمة ، فضلا على أن جريمته الكبرى هي كونه صار حجابا مانعا للناس من معرفة الحق وأهله ، ولذلك اجتهد الطاهرون(ص) في بيان هذه الحقيقة ، حيث قال الإمام الصادق(ص) [من انهمك في طلب النحو سلب الخشوع] ، والخشوع ثمرة من ثمرات التعاطي مع النص ، وسلبه يعني أن وسيلة التعاطي مع النص هي وسيلة عقيمة لا توصل صاحبها إلى ثمرة من ثمرات النص المهمة ، وليس من الحكمة بمكان أن يتوسل المرء وسيلة عقيمة تحرمه الفائدة من التوجه إلى النص .

وبعد هذا التوضيح فهل تصلح القواعد النحوية ميزانا في معرفة الحجة المبعوث من الله سبحانه أو من ولي الله الأعظم الإمام الحجة(ص)؟؟؟ وهل تلك القواعد التي وصفها الإمام الصادق(ص) بأنها عفن ورائحة نتنة تصلح أن تكون ميزانا لمعرفة الرائحة الطيبة؟؟؟ وهل فاقد الشيء يعطيه؟؟؟ بل إن النحو وضع لتغييب الحجة الناطق ، وليمارس سلطته على النص كي يفقده قيمته المعرفية .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى