زاوية الأبحاث

من دخل دار أبي سفيان فهو آمن!!!

بسم الله الرحمن الرحيم
من دخل دار أبي سفيان فهو آمن!!!
د. موسى الأنصاري
على الرغم من تلك الهجمة الشرسة التي تتعرض لها شخصية الرسول الأكرم(ص) من المسلمين قبل غيرهم من أولئك المتصيدين في الماء العكر ، إلا إن كلمات رسول الله(ص) الخالدة التي سارت بها الأجيال تكشف عن مدى انحراف المسلمين عن سبيل رسول الله(ص) ،

وخاصة الذين يعيشون هذا الزمن حيث انقسم المسلمون بين جهتي الإفراط والتفريط بسوادهم الأعظم ، ولم يبق على الوسطية الممدوحة في القرآن غير قلة مستضعفة متهمة محاربة ومقتولة ومشردة ، قال تعالى{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(البقرة/143) ، فهذا الوصف للأمة الوسط هو الذي يكشف عن نهجها الذي ليس تفريطيا بالحدود حتى تغيب الأشياء في بعضها وكأن لا حدود بينها ليقوم سوء الخلق مقام حرية الرأي وحرية الفكر ويتكلم بلسانه ، وليس إفراطيا بالحدود حتى تصير الأشياء أضيق من ملحودة القبر ويعاني الناس خلالها قمع السلطة ومصادرتها لإنسانية الإنسان باسم سلطة الدين على الرغم من أن الدين ما كان لينزل من عليائه إلا لأنصاف هذا المخلوق من نفسه الإمارة بالسوء ، ولتحقيق إنسانيته المنتهكة والمستباحة ، وبين ساحة الإفراط التي يمثلها رجال الدين(غير العاملين) والحكومات التي أنشأوها ، وساحة التفريط التي يمثلها طبقة المثقفين المتمردين على قمع السلطة الدينية ، التي وجدت في الفضاء المادي مندوحة للتنفيس عن غضبها من السلطة وقمعها ، وإلصاق كل التهم بأصل المشروع وليس باستعمال المشروع ، فتلحظهم يتهمون إلهية المشروع قياسا على فعل القائمين والعاملين به من المتسلطين باسم الدين ولو أنصف أولئك المثقفون أنفسهم وفكرهم لما انساقوا إلى ما وصلوا إليه ولانتبهوا أن الدين بوصفه مشروعا إلهيا لبناء الحياة وتكييفها وتحقيق إنسانية الإنسان هو أول المتضررين من فعل تلك السلطة التي تسمي نفسها (دينية) بل هو أول المقتولين في هذا السبيل الطاغوتي العقيم الذي ليس في أجندته غير القتل والقمع لكل صوت يفضح انحراف السلطة الحاكمة ويبين استغلالها لسلطة الدين في أنفس الناس للتنفيس عن شهواتها الفاسدة الظالمة في السلطة وطلب الجاه والقيادة من دون أن يكون أولئك هم أهل للقيادة ، فهم ظالمون لأنفسهم لأنهم وضعوها في غير موضعها ، حيث أن موضعها أن تكون من الرعية ، وإذا بها تقفز إلى سدة الراعي من دون سلطان أتاها ، والذي يؤتي السلطان هو رب السموات والأرض صاحب مشروع حاكمية الحق ، ولو يلتفت الناس إلى إن الله سبحانه لم يقمع ولم يفتك بأولئك الغاصبين على الرغم من جرائمهم الكبيرة ، ذلك لأن الله سبحانه استودع عباده جوهرة تميز بين طاعة الأمر الإلهي وقمع الأنا عن تطاولها على ما ليس لها ، وكلفهم أن يتعبدوه من خلال تلك الجوهرة ، وهي (العقل) أو (الفطرة) أو (القلب) بغض النظر عن تعدد الاصطلاح فالمصداق واحد وتعدد مسميات هذا المصداق يشير إلى تعدد جهاته فهذه الجوهرة (عقل) من جهة كونها قامعة للأنا من الظلم والطغيان ، وهي (فطرة) من حيث أنها كتاب الله وعهده الذي استودعه عباده كي يؤدوا إليه ما استودعهم إياه وجعله أمانة لديهم قال تعالى{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(الروم/30) ، وقال تعالى{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}(الأحزاب/72) ، وظلمه كونه وضع نفسه من الأمانة غير الموضع الذي وضعه الله سبحانه فيه ، وهو وضع {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}(التغابن/12) ، وجهله يتوضح من كونه أنه يطلب الأشياء من غير وجهها الذي أمره الله سبحانه أن يطلبها منه ، فراح يتولى من لم يكلفه الله سبحانه ولايته ، بل وحذره من ولايته ، ويعرض عن ولاية من أمره الله سبحانه بموالاته بل ويتجرأ عليه ويقتله ويشرده ويتهمه بالباطل لتشويه صورته الإلهية الناصعة ، وهي (قلب) من حيث كونها وعاء للجهة التي تكون باتجاهها ، فإما أن تكون باتجاه النور (الله سبحانه) ومن ثم فهي تؤدي الأمانة على وفق المنهج الإلهي وتجعل من ذلك سببا لترقيها في الدرجات وصولا إلى أداء رسالتها التي من أجلها كانت ، أو أنها تتوجه باتجاه الظلمة (أنا الإنسان) الجنبة العدمية في وجوده التي ما كانت لتكتسب صفة الوجود لولا إشراقها بنور ربها سبحانه ، ولذلك ومن باب العدالة الإلهية فقد جعل الله سبحانه في خلقه المكلف النور بقدر الظلمة لا هذا أكثر من ذاك ولا ذاك أكثر {ونفس وما سواها * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}(الشمس/7،8) ، وكلفهم تزكيتها من الظلمة والفجور بالنور(أي المعرفة) ، وحذرهم من دسها في الظلمة وتحولها إلى قبر للنور ومن ثم جعله عبد العدمية وما تشتهي ، وامتحانهم وإنسانيتهم الحقيقية متعلقة بالعمل على وفق المنهج الإلهي الذي يكفل لهم النجاة من التردي في الهلكات والظلمات .
وكذلك فالحق سبحانه محيط بخلقه لا مناص لهم منه ، ولذا فهو لا يعجل عليهم ، لا يعجل إلا من يخاف الفوت ، والحق سبحانه لا يخاف الفوت ، قال تعالى{وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ}(سبأ/51) ، فمن عاد إليه بأمانته على وفق ما استودعه إياها كان أمينا ومن الفائزين ، ومن عاد إليه وهو مضيع لأمانته كان ظالما لنفسه مبين ، وتلك الأمانة هي جوازه في المرور إلى ساحة الرضا الإلهي والنجاة من الخلود في جهنم(والعياذ بالله) ، ومن هنا تبدأ رحلة الدين مع الخلق ، فمن قبل دين الله سبحانه على وفق المنهج الذي استأمنه عليه كان عالما عاملا مطيعا لأمر الله سبحانه ، ومن عمل على خلاف هذا النهج مع ادعائه بأن هذا هو الدين كان عالما غير عامل وكان من المؤسسين لمشروع العلو والفساد في الأرض ، ولذلك فالحق سبحانه ميز بين عباده ووضع ضابطة واضحة تكشف عن صبغة الدين الحق فيهم هو قوله تعالى{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(القصص/83) ، فالذين لا يخطر ببالهم أن يفسدون في الأرض بأن يجعلوا نهجا قبال نهج الله سبحانه ، والذين لا يضعون أنفسهم في غير الموضع الذي وضعهم الله سبحانه فيه على وفق نهج الدين الحق أولئك هم الذين يمثلون الدين الإلهي ، لذا فكل مفسد من الناس طالب للعلو هو ليس من الدين في شيء كائنا من كان ، ولذلك على المثقفين الذين تمردوا على سلطة الدين أن ينصفوا أنفسهم بالبحث عن حقيقة الدين الإلهي الذي هو المدافع الأول عن حرية الفكر وإنسانية الإنسان ، أما ممارسات القمع التي يقوم بها أولئك الذين يدعون تمثيل الدين فهو كاشف عن انحرافهم وليس من الإنصاف حمل انحرافهم على الدين ، واستنادا إلى تلك الرؤية الواضحة سنقرأ قول رسول الله(ص) آنف الذكر ، مع الالتفات أن القول هو نهج الدين في كل زمان ومكان ، وليس محبوسا في زمنه ومكانه .
إن من الغريب أن سلطة الانحراف راحت تروج لقراءة أقل ما يقال فيها أنها تسيء إلى رسول الله(ص) أيما إساءة ، بل تلك القراءات السطحية هي من أسس لهذا الذي نراه اليوم من تطاول على شخص الرسول الأكرم(ص) تحت مدعى حرية الرأي ، وحقيقته ليست كذلك بل الوصف اللائق له هو انحراف عن الخلق الإنساني السوي ، فالذين يرون أن في قول الرسول(ص) مدح لأبي سفيان أولئك أخرجوا مقالة الرسول(ص) عن نهج الحق وأدخلوها في النهج الجاهلي!! ربما يسأل القارئ ؛ كيف ذلك؟؟!! أقول ؛ ليس في وارد دين الله سبحانه الدفاع عن مسميات ، بل دين الله يبين منهج الحق في تكييف الواقع ، وكذلك الشهادة لأبي سفيان لا ثمرة من ورائها بل قد يكون من ورائها الفساد كله ، وهذا ما حصل عندما أصرت الأمة على تلك القراءة المنحرفة لقول رسول الله(ص) ، ومن يعود إلى تأمل قول الرسول(ص) فسيكتشف هذا الانحراف والشيطنة التي روجت لتلك القراءة الفاسدة ، فالقول هو (من دخل دار …) ومن المعلوم أن رسول الله(ص) هو رسول الرحمة الإلهية ، رسول من لا يخاف الفوت فلا يعجل في الأخذ ، وهذا القول فيه إشارة واضحة إلى أن هذه الدار هي مكمن الشيطان في التدبير ولذلك الداخل لها مضمون أمانه ما لم يخرج منها بسوء ، فما دامت التدبيرات الشيطانية هي حبيسة تلك الدار فهي في أمان لأنها عائدة إلى ربها وسيحاسبها على ما كان يدور فيها من تدبيرات فاسدة ، أ ليس هذا الذي يبينه قول الرسول(ص) هو قمة في العدالة ، والصلاح ، وقمة في الدفاع عن حرية الفكر والحفاظ على إنسانية الإنسان ، فإذا كان الداخل إلى دار أبي سفيان آمن وهي دار التدبير والمؤامرات ، فهل يخشى على نفسه وهو في داره؟؟؟! وهذه المقالة التي قالها رسول الله(ص) هي نفسها التي أعادها على منبر الكوفة أمير المؤمنين علي(ص) عندما قام له رجل من بين الموجودين في المسجد وقال له بصريح القول ؛ أنا لا أقر بخلافتك ، ولست مواليا لك!!! فماذا كان جواب باب الرحمة الإلهية علي(ص)؟؟!! قال له بلسان المؤمن المحتسب الراعي العادل الرحيم : أنت في حل مني ما لم تؤذِ صالح المؤمنين ، ولك عَليَّ حق في بيت المال تأخذه!!!
فهل هناك عاقل بعد ذلك يعد قول الرسول(ص) شهادة لأبي سفيان ، وأبو سفيان هو أس الفساد ، وبيته وكر للشيطان ومؤامراته؟؟؟!!! وهل ينتبه أولئك الذين يقولون ذلك ويروجون له إنما هم من يؤسس للإساءة إلى رسول الله(ص) ويحاول تشويه سيرته الطاهرة العطرة؟؟؟ وهل ما قدمته سلطة المتدينين من قراءة منحرفة لهذه المقالة يعد سببا كافيا لأولئك المثقفين كي يعرضوا عن الدين ويطووا دونه كشحا ويوقعوه بين مطرقة العلماء غير العاملين ، وسندان تصوراتهم التفريطية ، لقد آن الأوان كي ينتبه كل أولئك الذين يرفعون أصواتهم مطالبين بحرية الفكر وبحرية الرأي أن الدين هو من يحقق ذلك ، وليس ذلك المشروع المادي الذي باسم حرية الفكر ، وحرية الرأي يهدم كل الحدود ويبيح كل الحرمات ، حتى يلبس الخلق السيء المنحرف لبوس حرية التعبير عن الرأي ، ويتحدث بلسانها فيزيده امتهانا من حيث لا يريد ، ويمعن في انتهاك حرية الرأي والفكر ومصادرتها والسبب في ذلك يعود إلى ضياع الحدود بين المسميات ، إذ ينبغي أن يكون هناك حد واضح لا يتجاوز بين الخلق الكريم وحرية التعبير عن الفكر ، ووضوح الحدود يدلل على حكمة المنهج واحترامه للإنسان .
لقد أفرط المتدينون في فرض الحدود على وفق أهوائهم وتخرصاتهم فصيروا الدين ملحودة للإنسانية ، وفرّط المثقفون بالانزياح عن سبيل الدين فامتهنوا حرية الفكر بتضييع حدودها ، وإظهارها ناطقة بلسان مضيع للحدود فجعلت من الأخلاق السيئة ممتطية لمدعى حرية الفكر لنرى أن الخطاب المسمى بالحر اليوم ما هو إلا خطاب الشتائم والكذب والافتراءات والقذف ، ويقابله خطاب متدين متزمت مضيع لحدود الدين الحقيقية ، وفارض على الناس ما لم يفرضه ربهم عليهم ، ولقد ضيع الناس بين الخطابين خطاب الوسطية والخلق الكريم الذي يكفل للناس حرية التعبير عن أفكارهم ، ويحافظ على إنسانيتهم المضيعة ، ولقد بين كتاب الله سبحانه الفارق بين خطاب الانحراف بشقيه الإفراطي والتفريطي على لسان فرعون ، حيث قال جل وعلا{… قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}(غافر/29) ، وخطاب الهداية القائل : {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ}(غافر/38) ، فخطاب القمع يستند إلى الفرض والأمر دون بحث ولا معرفة ، بل بالإجبار والإكراه ، أما خطاب الهداية والحق فهو خطاب قائم على الدعوة ، مرشد إلى البحث ، يعرض نفسه على الناس بسلمية لا إكراه فيها ولا إجبار ، قال تعالى{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(النحل/125) .
ولسان هذا الخطاب الوسطي اليوم يعبر عنه يماني آل محمد السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي(ص) ، حيث يقول للناس : [لم أقل لأحد اتبعني أعمى ، بل افتح عينك ، وميز الدليل ، واعرف صاحب الحق ، وانقذ نفسك من النار] ، وأدعو كل مثقف اليوم أن يزن هذه الدعوة بميزان الإنصاف وليلحظ أنه مدعو للبحث إذا كان صادقا ، وجاداً في البحث عن الحق والحقيقة ، وباحثا عما يحقق حرية الفكر ، ويحفظ للإنسان إنسانيته ، لينكشف للناس أن علماء الدين غير العالمين الذين يصطلحون على أنفسهم بـ(المرجعيات الدينية) كانوا السبب في جعل الناس فسطاطين ؛ فسطاط إفراطي وصل إلى حد عبادة أولئك العلماء فلا يمحص لهم قولا ولا فعلا ، وفسطاط تفريطي تمرد على كل شيء فيه اسم الدين بدعوى ما اكتشفه من انحراف المؤسسة الدينية ، مع العلم أن البحث والأنصاف يقول : انحراف تلك المؤسسة لا يعني بأي حال من الأحوال انحراف الدين ، فالدين ثابت لا يتغير ولا يتبدل إنما يتبدل ويتغير الناس في طريقة التعاطي معه ، فضلا على أن موروث الإسلام الانقلابي الذي أسست له سقيفة أبي بكر وعمر وعثمان وابن عوف ، وأتمت سقفه اليوم سقيفة السيستاني والفياض الأفغاني وبشير الباكستاني والحكيم الأصفهاني هو لا يعكس صورة الإسلام الحق لأن أولئك جلسوا على كرسي القيادة اغتصابا من دون سلطان إلهي استحقوا به ما اغتصبوه ، أما سادة الدين وقادته فهم آل محمد(ص) إلى أن يرث الله الأرض وما عليها ، وآل محمد(ص) المقصود بهم ليس أولئك الذين يرجعون إلى البيت الطاهر نسبا حسب ، بل آل محمد(ص) هم حجج الله سبحانه الذين جعلهم خلفاءه في الأرض وأمر رسوله(ص) أن يسميهم بأسمائهم في وصيته المقدسة التي أملاها ليلة وفاته على علي(ص) ، التي ذكرتها مصادر الشيعة المعتبرة ، ولا يعني ذكر المصادر الشيعية لها قدحا بها ، بل هو إشارة إلى سبيل الدين الإلهي الحق الذي التزم سمت الدعوات الإلهية القائل ما من نبي ولا رسول إلا وله أوصياء معينون بأمر الله سبحانه ، فهل يتهم المنحرفون عن سبيل الله أن رسول الله(ص) خالف سنن الأنبياء والمرسلين ليكون لأولئك السراق الحق فيما اغتصبوه؟؟؟!!!
فإذن تلك القراءات السطحية ، والمنحرفة التي تعبر عن ابتعاد الناس عن تدبر كلمات الله سبحانه وكلمات أوليائه(ع) ، خلقت في هذا الزمان جيلا في سواده الأعظم لا يقرأ بل يعير سمعه وقلبه لما يقول الآخرون ـ جبتا وطاغوتا ـ فيقول قولهم حتى وإن كانت ثمرة قولهم هو استحماره وجعله واسطة لنقل قذاراتهم والترويج إليها ، ومحاربة سبيل الحق ، وإذا كان هناك من بينهم من يقرأ فهو يقرأ ولا يفقه ، وتلك القراءة هي قراءة كمية وليست قراءة نوعية ، بمعنى تجد هذا القارئ لديه كم من القراءات ولكنه لا يفقه ما قرأ ، ولا يعرف من قراءته سوى عدد تلك القراءات ، ولذلك نرى ذلك الركام من القراءات صور للناس أن قول الرسول(ص) هو مدح بأبي سفيان ، من دون أن يلتفت أن أبا سفيان هو من الطلقاء ، فهل يمتدح رسول الله(ص) طليقا؟؟؟!!! لذا فقوله (ص) (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) بمعنى أن الأمان الذي أعطاه الرسول(ص) للداخل إلى بيت رأس الطلقاء كاشف عن احترام الدعوة الإلهية لحرية الفكر ولإنسانية الإنسان ولم تقابل من يغلق بابه عليه بما يقابله بها الطواغيت ورجال الدين غير العاملين من الاعتداء والانتهاك وسلب الأمان ، وما أصدق القائل في وصف دولة الطاهرين(ص) :
ملكنا فكان العفو منا سجية *** ولما ملكتم سال بالدم أبطحُ

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى