زاوية الأبحاث

فقهاء السوء والهداية إلى القائم (ع) الحلقة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً

نأتي الآن إلى الأمر الثالث من الأمور السلبية التي وقع بها فقهاء آخر الزمان عندما نصبوا أنفسهم دليلاً على معرفة ونصرة الإمام المهدي (ع)، بحيث ترسخ في أذهان العامة بأن لا طريق إلى ذلك إلا الفقهاء !

 

الأمر الثالث:

مما لا شك فيه أن التقليد في العقائد غير جائز، وقد ذم الله تعالى الأمم السابقة بسبب تقليدها لعلمائها في العقيدة، مما أدى بهم إلى تكذيب أنبياء الله ورسله واتباع فقهاء السوء الذين حاربوا رسل الله تعالى حفاظاً على مركزهم وجاههم الذي اكتسبوه باسم الدين.

وكذلك فقهاء آخر الزمان فإنهم لم يخطئوا سنة فقهاء بني إسرائيل، حيث امسكوا بزمام الناس في كل شيء سواء بالأمور الفقهية أو العقائدية، وبالأخص في قضية الإمام المهدي (ع)، فأصبح مصير كل مجموعة من الناس معلقاً على نجاح احد الفقهاء في تجاوز الامتحان الإلهي والغربلة والتمحيص التي تسبق قيام الإمام المهدي (ع)، فان فشل هذا الفقيه في الامتحان فسيفشل تبعاً له عشرات الآلاف أو ملايين البشر، وهذه طامة كبرى قد أوقع الناس أنفسهم بها عندما سلموا زمام أمورهم بيد أناس غير معصومين بل إن خطأهم أكثر من صوابهم وعلى مر التاريخ وخصوصاً في استقبال حجج الله تعالى !!!

وفقهاء آخر الزمان منهم من صرح برجوع الناس إليهم في هكذا أمور ومنهم من يؤكد لك بلسان الحال، ولم نجد أحداً منهم وضح الأمر للناس بصورة جلية، ومن الذين صرحوا بذلك هو الشيخ محمد إسحاق الفياض حيث قال في استفتاء حول قضية اليماني الذي يسبق قيام الإمام المهدي (ع)، حيث قال: ( ننصح المؤمنين وفقهم الله تعالى بأخذ العقائد الصحيحة من المراجع العظام .. ).

وسبب تورط الناس في هذا المنزلق الخطير هو جهل الناس وتساهلهم في هكذا أمور، وكذلك بسبب تفخيم الفقهاء لأنفسهم وتجاوزهم على مقام الأئمة المعصومين (ع)، بحيث يوحون أو يصرحون إلى الناس بأنهم منصبون من الله تعالى وهم نواب المعصوم واتباعهم هو سبيل النجاة الوحيد وفي مفارقتهم الهلاك المحتوم ! وهذا المقام لا يكون أبداً إلا للمعصومين الذين لا يخرجون الناس من هدى ولا يدخلونهم في ضلال، بينما غير المعصوم مهما كان فهو من الممكن أن يخرج الناس من هدى أو يدخلهم في ضلال، ولذلك نجد أهل البيت (ع) ذكروا العلة التي بسببها أوجب الله طاعتهم على الناس:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: ( أيها الناس هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي، وخير من أخلفه فوازروه وانصروه، ولا تتخلفوا عنه، فإنه لا يدخلكم في ضلالة ولا يخرجكم من هدى ) الصراط المستقيم ج2 ص81.

وعن أمير المؤمنين (ع) في حديث أخذت منه مقدار الحاجة، قال (ع): ( … فلا طاعة في معصية الله ولا طاعة لمن عصى الله، إنما الطاعة لله ولرسوله (ص) ولولاة الأمر. وإنما أمر الله بطاعة الرسول (ص) لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية. وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية ) الوسائل ج18 ص93.

وعن أمير المؤمنين (ع)، انه قال: ( … انظروا أهل بيت نبيكم فألزموا سمتهم واتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم في ردى. فإن لبدوا فالبدوا وإن نهضوا فانهضوا. ولا تسبقوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا ) نهج البلاغة ج1 ص 189.

وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال: ( كذلك نحن والحمد لله لا ندخل أحداً في ضلالة ولا نخرجه من هدى إن الدنيا لا تذهب حتى يبعث الله عز وجل رجلاً منا أهل البيت يعمل بكتاب الله لا يرى فيكم منكراً إلا أنكره ) الكافي ج8 ص 396.

والداهية تكون أعظم وأدهى عندما نقرأ الروايات التي مرت في الحلقة الأولى والتي تذم فقهاء آخر الزمان اشد الذم بحيث تصفهم بـ ( شرار خلق الله ) و ( شر فقهاء تحت ظل السماء ) و ( إنهم يمسخون قردة وخنازير ) … الخ، وجرس الإنذار يشتد قوة عندما نقرأ الروايات الآتية:

عن مالك بن ضمرة، قال: ( قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ): يا مالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا – وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض – ؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير ؟ قال: الخير كله عند ذلك يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله وعلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) فيقتلهم، ثم يجمعهم الله على أمر واحد ) الغيبة للنعماني ص 214.

وواضح أن هؤلاء السبعين الذين يقتلهم القائم (ع) هم فقهاء الشيعة وبسببهم تكون افتراق الشيعة كما تشير إليه الرواية السابقة بحيث عند قتلهم تتوحد الشيعة على أمر واحد، وكذلك تشير الرواية إلى ذلك بقوله (ع): ( يكذبون على الله وعلى رسوله ) والكذب على الله ورسوله (ص) يكون بتغيير الدين والفتاوى الضالة والتي يَدَّعون أنها من شرع الله وسنة رسوله (ص) وإلا فعامة الناس بعيدة عن الإفتاء …

وذكر الشيخ أبو الحسن المرندي في مجمع النورين: ( … وروي … فإذا خرج القائم من كربلاء وأراد النجف والناس حوله قتل بين الكربلاء والنجف ستة عشر ألف فقيه فيقول الذين حوله من المنافقين انه ليس من ولد فاطمة وإلا لرحمهم فإذا دخل النجف وبات فيه ليلة واحدة فخرج منه من باب النخيله محاذى قبر هود وصالح استقبله سبعون ألف رجل من أهل الكوفة يريدون قتله فقتلهم جميعاً فلا ينجى منهم احد … ) مجمع النورين ص 345.

وقد يكون هذا العدد ( 16 ) ألف يشمل أتباع الفقهاء الذين يدعون التفقه في الدين وأصحاب المنابر الذين يقولون ما لا يفعلون، وطلابهم وحواشيهم …. الخ.

وبسبب ضلال فقهاء آخر الزمان وخروجهم عن نهج محمد وآل محمد ومعاداتهم للإمام المهدي (ع) نلاحظ قلة أنصار الإمام المهدي (ع) في بداية ظهوره، وكثرة أعداءه، بحيث نجد الروايات تصفهم بأنهم ثلاثماءة وثلاثة عشر وهم القادة وعشرة آلاف وهم الجيش، فلو كان الفقهاء يهتدون لمعرفة الإمام المهدي (ع) في بداية ظهوره لكان أنصاره من الشيعة فقط ملايين الناس.

ولذلك نجد الروايات تصف مدى ضلال الناس وعدائهم للإمام المهدي (ع) بحيث يلعنه أهل المشرق والمغرب:

عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) يقول: ( إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل المشرق وأهل المغرب أتدري لم ذلك قلت: لا. قال: للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه ) غيبة النعماني ص308.

وعن أبي جعفر (ع) قال: ( إن صاحب هذا الأمر لو قد ظهر لقي من الناس ما لقي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأكثر ) غيبة النعماني ص308.

ومن تدبر في الحديث الآتي يعرف مدى الظلم الذي يتعرض إليه المؤمنون حقاً في آخر الزمان ومدى تأذي الرسول (ص) من أجلهم :

عن عمر بن نفيل قال: سمعت النبي (ص) يقول: واقبل على أسامة بن زيد فقال: يا أسامة … وساق الحديث إلى أن قال: ثم بكى رسول الله (ص) حتى علا بكاؤه واشتد نحيبه وزفيره وشهيقه، وهاب القوم أن يكلموه فظنوا انه لأمر قد حدث في السماء، ثم انه رفع رأسه فتنفس الصعداء ثم قال: أوه أوه، بؤساً لهذه الأمة، ماذا يلقى منهم من أطاع الله، ويضربون ويكذبون من اجل أنهم أطاعوا الله فأذلوهم بطاعة الله، ألا ولا تقوم الساعة حتى يبغض الناس من أطاع الله ويحبون من عصى الله، فقال عمر: يا رسول الله والناس يومئذ على الإسلام ؟

قال: وأين الإسلام يا عمر، إن المسلم كالغريب الشريد، ذلك زمان يذهب فيه الإسلام، ولا يبقى إلا اسمه، ويندرس فيه القرآن فلا يبقى إلا رسمه. قال عمر: يا رسول الله وفيما يكذبون من أطاع الله ويطردونهم ويعذبونهم ؟ فقال: يا عمر ترك القوم الطريق وركنوا إلى الدنيا ورفضوا الآخرة وأكلوا الطيبات ولبسوا الثياب المزينات وخدمتهم أبناء فارس والروم …. وأولياء الله عليهم الفناء، شجية ألوانهم من السهر ومنحنية أصلابهم من القيام … فإذا تكلم منهم بحق متكلم أو تفوه بصدق قيل له: اسكت فأنت قرين الشيطان ورأس الضلالة … ) إلزام الناصب ج1ص58 – 59 / مستدرك الوسائل ج12 ص56 – 58.

نعم .. هذا هو حال المؤمنون حقاً في آخر الزمان، وقد علمتم حال فقهاء السوء وأتباعهم في آخر الزمان … ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ويأتي تكملة الحديث في الحلقة الآتية إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين، ولعنة الله على مخربي شريعتهم إلى يوم الدين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى