أخبار العالم

صعود القوة الأمريكية وهبوطها

صعود القوة الأمريكية وهبوطهالقد كان الوضع في منطقة الشرق الأوسط خلال حقبة الحرب الباردة بسيطا إلى حد كبير، وسهلا للفهم. فدول تلك المنطقة كانت موزعة بعضها على المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، والبعض الآخر على المعسكر الشرقي الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتي. أما تلك الدول التي كانت تتخذ مواقف حيادية من حيث الشكل، فكانت في حقيقة الأمر تجنح إلى هذا المعسكر أو ذاك. ولنأخذ على سبيل المثال المملكة العربية السعودية والأردن اللتين لم يكن باستطاعتهما أن تدخلا في تحالف يضم إسرائيل. لكنهما مع ذلك كانتا دائما ركيزتين من الركائز الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

وفي أواخر ثمانينيات القرن الماضي وأوائل تسعينياته، شهد العالم حدثين بارزين أديا إلى تغيير جذري في الخارطة الجيو سياسية الدولية. الأول، والأكثر أهمية ـ انهيار الاتحاد السوفيتي. والثاني “عاصفة الصحراء” التي ثارت بسبب رعونة الدكتاتور العراقي السابق صدام حسين الذي احتلت جيوشة دولة الكويت، وبهذا قدم للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب فرصة ثمينة على طبق من ذهب، لكي تبسط الولايات المتحدة هيمنتها على المنطقة.

لقد قدمت الولايات المتحدة نفسها خلال تلك الأزمة على أنها القوة العالمية الوحيدة القادرة والمستعدة لتنفيذ ما يتوجب على المجتمع الدولي ممثلا بمنظمة الأمم المتحدة أن يفعله من ردع المعتدي ونشر القيم الديمقراطية في الدول المارقة.

لقد تبنت الولايات المتحدة بحزم فكرة نشر الديمقراطية وتعميمها على الدول، منطلقة في ذلك من قناعة مفادها أن الدول الديمقراطية لا تتحارب فيما بينها. لهذا، فإن إسقاط الأنظمة الدكتاتورية واستبدالها بأنظمة تعتنق القيم الديمقراطية الغربية من شأنه أن ينشر السلام ويضمن الاستقرار على المستوى العالمي. لقد أراد الأمريكيون من وراء ما قاموا به من دحر للقوات العراقية الغازية أن يرغموا المجتمع الدولي على قبول فكرة أن الولايات المتحدة هي الشرطي العالمي.

وهنا لا بد من التساؤل: ما هو الهدف النهائي الذي كانت الولايات المتحدة تسعى لتحقيقه، بعد أن أثبتت للعالم أجمع أنها القوة الوحيدة العظمى والمهيمنة في العالم؟

من الواضح أن هدفها يكمن في انتزاع الحق في استخدام القوة حينما وحيثما ارتأت ذلك. فإذا أخذنا منطقة الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة بعد انتهاء حقبة الحرب البارد وتفردها على الساحة الدولية كانت تتوخى تحقيق هدفين:

ـ ضمان استمرار تدفق النفط.

ـ والحفاظ على أمن إسرائيل.

بعد النجاح الباهر الذي حققته الولايات المتحدة في “عاصفة الصحراء” أصبحت الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وفي منطقة الخليج تحديدا على أفضل ما كانت تتمناه واشنطن. لأن العدوين اللدودين للولايات المتحدة، العراق وإيران، باتا منهكين مستنزفين بسبب الحروب. وأصبحا منهمكين في تضميد الجراح البليغة التي حلت بجسديهما. ولهذا فكر جورج بوش الأب أن الوقت قد أصبح مناسبا للعمل بتأن ودون استعجال لإسقاط الأنظمة الأخرى في المنطقة.

وبعد أن فشل جورج بوش الأب في الفوز بولاية رئاسية ثانية، وصعد إلى سدة البيت الأبيض بيل كلينتون شهدت المخططات الهجومية التي صيغت في عهد بوش، نوعا من الركود.

وعندما فاز جورج بوش الابن بكرسي الرئاسة، طغى منطق القوة على ما سواه في كل قرارات الإدارة الأمريكية. ولم يكن ذلك مستغربا لأن إدارة بوش الابن ضمت كل الأوجه الصقورية المعروفة من ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وبول وولفوفييتس وبيرل وغيرهم…

ومثلت هجمات الـ11 من سبتمبر/ أيلول هدية لم يكن يحلم بها طاقم الصقور في إدارة بوش الذين استغلوا هذه الفرصة أيما استغلال وحرروا “إستراتيجية القوة” من كل الكوابح.

لقد تمكن طاقم إدارة بوش من إقناع الرأي العام الأمريكي الذي صعق وذهل لهول تلك الهجمة الدموية بضرورة التصرف بسرعة وحزم ودون النظر إلى منظمة الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو الرأي العام العالمي. وحتى دون أخذ رأي حلفاء أمريكا بعين الاعتبار.

لقد أفلتت القوة الأمريكية من عقالها وراحت تضرب بلا هوادة. حيث اجتاحت القوات الأمريكية أفغانستان في البداية للقضاء على تنظيم “القاعدة”، وبعد ذلك للقضاء على حليفة “القاعدة” حركة “طالبان”. وبعد سنة ونصف اجتاحت العراق رغم أن الولايات تعرف حق المعرفة أن صدام حسين لم يكن له أية علاقة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، ولم يكن من السهل إثبات تهمة تورط الدكتاتور العراقي في تلك الهجمات الإرهابية. لكن براءة صدام حسين من تلك الهجمات لم تكن كافية لحماية نظام طالما خطط صقور البيت الأبيض لإسقاطه. فقد تم تلفيق تهمة مفادها أن صدام حسين يخفي أسلحة دمار شامل عن المفتشين الدوليين. ولهذا، وفي مارس عام 2003 وجهت الولايات المتحدة قوة هائلة نحو العراق للإطاحة بنظام حسين.

وهنا يبرز سؤال: لماذا اختارت الولايات المتحدة العراق تحديدا لبسط هيمنتها على تلك المنطقة؟

عادة ما يستسهل البعض الإجابة، فيعتبرون النفط دافعا رئيسيا لغزو العراق. والحقيقة أن النفط ليس إلا عاملا من الدرجة الثانية. لأن القواعد التي تم التوصل إليها في بداية سبعينيات القرن الماضي لتنظيم العلاقة بين الدول المنتجة للنفط والشركات الأجنبية العاملة على استخراج النفط من أراضي تلك الدول لا تتيح للولايات المتحدة أن تبسط سيطرتها المباشرة على النفط.

لكن ذلك لا يعني أن النفط لم يكن له مكان في المخططات الأمريكية. لقد كان النفط دائما حاضرا في أذهان الإستراتيجين الأمريكيين الذين خططوا ونفذوا العدوان على العراق. لكن الحديث لا يدور عن احتلال مباشر لقطاع النفط العراقي ووضعه تحت تصرف الشركات الأمريكية، بل عن تخطيط أذكى وأعمق.

لقد كان المنظرون الأمريكيون على قناعة بأن أمور النفط في منطقة الخليج لن تكون في مأمن واستقرار ما دام ذلك الدكتاتور القوي على رأس السلطة في ذلك البلد المحوري. أي أن بقاء صدام حسين في السلطة يمكن في أية لحظة أن يلحق أضرارا كبيرة بالمصالح الأمريكية. لقد كان باستطاعة صدام أن يتحكم على أقل تقدير بكمية صادرات بلاده من النفط. وهذا يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على أسعار النفط في الأسواق العالمية. وهذا أيضا ليس عاملا حاسما، والأهم في المنظور الأمريكي هو أن صدام حسين أصبح رمزا وقائدا للتيار العربي المقاوم الذي تشكل بعد أن أقدمت مصر على عقد اتفاقية “كامب ديفيد” للسلام مع إسرائيل.

صحيح أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت في صدارة المشهد العربي المقاوم الذي رفع شعار الإطاحة باتفاقية الصلح المنفرد بين إسرائيل ومصر. لكن هذا التيار اكتسب قوته وزخمه من وجود سورية والعراق في صفوفه. لكن سورية فقدت الكثير من هيبتها وتأثيرها المعنوي داخل هذا التيار بعد أن شاركت قواتها في عملية “عاصفة الصحراء”. حيث أصبحت دمشق، في أعين العرب، في صف واحد مع الولايات المتحدة.

وفقدت منظمة التحرير الفلسطينية جزءا كبيرا من هيبتها ومصداقيتها بعد أن أقدم الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على توقيع “اتفاقية أوسلو”. وبهذا بقي صدام حسين القائد العربي الوحيد الذي استطاع أن يقف في وجه التهديدات الأمريكية. والقائد العربي الوحيد الذي قصف إسرائيل بالصواريخ. ولهذا كان الوحيد المؤهل لقيادة محور المقاومة العربي.

وبالإضافة إلى العوامل سالفة الذكر، ثمة عامل إيديولوجي على جانب كبير من الأهمية من وجهة نظر “المحافظين الجدد”، ألا وهو نشر الديمقراطية في العالم العربي. إن المحافظين الجدد برفعهم هذا الشعار البراق أرادوا أن يضربوا عصفورين بحجر واحد.

الأول هو وضع حد للاتهامات المتزايدة والنقد اللاذع للولايات المتحدة لدعمها الدائم للأنظمة الرجعية والمنغلقة والمحافظة في العالم العربي. تلك الأنظمة التي لا تقيم وزنا لقضية حقوق الإنسان. وتمثل السعودية الحليف الأقوى للولايات المتحدة في المنطقة مثالا ساطعا على هذا النوع من الدول.

والثاني تنصيب قادة في تلك الدول قريبين من الناحية الإيديولجية من القيم الامريكية، ويمكن للولايات المتحدة أن تركن لهم وتعتمد عليهم. ولو أن هذه التجربة نجحت في العراق، لأصبح العراق مثالا يحتذى في العالم العربي.

لكن الواقع أثبت أن هذه المشاريع ضرب من الوهم والخيال، وبالتالي عديمة الجدوى.

اللاجئ السياسي العراقي الشهير أحمد الجلبي المعروف بعلاقاته القوية بالمحافظين الجدد، وخاصة في أوساط البنتاغون، تبين أنه مغامر عديم المبادئ، وحائك بارع للدسائس، وبعيد كل البعد عن الواقع العراقي وعن الشعب العراقي. وبما أن الأمريكيين اعتمدوا اعتمادا كبيرا على الجلبي وأمثاله، فلم يكن من الممكن إلا أن يفشلوا في تلك المغامرة. ومن الواضح أن الفشل الذريع الذي تكبده الأمريكيون في العراق، سوف يبقى في أذهانهم كالكابوس.

لقد كشفت الأخطاء الفاحشة والمتلاحقة التي ارتكبها المسؤولون في البنتاغون خلال تنفيذهم  الحملة العراقية عن جهل تام بتقاليد الشعب العراقي وطريقة تفكيره وعن ضعف هائل في الكفاءة والأداء.

فخلال فترة وجيزة من دخول القوات الأمريكية إلى العراق، ونتيجة للتصرفات غير المسؤولة التي مارسها الأمريكيون في ذلك البلد انتفض ضدهم، ليس فقط السنة الذين فقدوا السلطة جراء التدخل الأمريكي، بل والشيعة الذين بفضل ذلك التدخل، تمكنوا، ولأول مرة في التاريخ، من احتلال المكانة التي يستحقونها في ذلك البلد.

لقد أحدث التدخل الأمريكي في العراق فوضى عارمة الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام دخول الجيل الثاني من “المجاهدين العرب” إلى العراق. وهذا الأمر جعل الصراع بين السنة والشيعة أمرا لا يمكن تجنبه.

المجاهدون الجدد ساروا على نفس النهج الذي سار عليه أسلافهم الذين حاربوا الاتحاد السوفيتي في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. فقد تحالف مقاتلو “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” مع المقاتلين من السنة المحلين، وراحوا يقاتلون بوحشية منقطعة النظير ضد الشيعة من جهة، وضد القوات الأمريكية من جهة أخرى. ولم يكن باستطاعة الأمريكيين أن يفعلوا أي شيء لوقف هذه الموجة العاتية من الإرهاب لدرجة أنهم اعترفوا في وثيقة سرية مسربة مؤرخة بالعام 2006 بأنهم لن يستطيعوا أن يهزموا تنظيم “القاعدة” بالوسائل القتالية.

ووفقا لاعترافات المستشار السياسي السابق لقائد قوات الاحتلال في العراق إيمي ساكي، يتبين أن تأييد الحرب تلاشى في الولايات المتحدة، وخصوصا عندما وقف بايدن الذي كان سيناتورا حينها، بشكل قاطع ضد اقتراح الرئيس بوش لإرسال قوات إضافية إلى العراق. لأن كل شيء تغير عندما تمكنت الولايات المتحدة من إيجاد مدخل للتفاهم مع زعماء القبائل والطوائف الذين كانوا يعادونها في السابق. في هذه الأثناء حصل تحول جذري في داخل المجتمع السني، حيث بدأ الصراع على الصدارة بين زعماء الانتفاضة الوطنية السنية وتنظيم “القاعدة”. السنة من جهتهم، فهموا أن الميليشيات الشيعية تتغلب عليهم وأصبحوا يعتبرون خطر إيران أكبر من خطر الولايات المتحدة. من هنا يتبين أن تنظيم “القاعدة” قد أنقذ بالفعل الولايات المتحدة من فضيحة فيتنام أخرى في العراق، بعد أن أدت اعتداءات هذا التنظيم على الشعب العراقي إلى دفع المقاتلين السنة إلى القول بأن الولايات المتحدة سيئة ولكن تنظيم “القاعدة” أسوأ. وهذا أدى إلى ظهور حركات “الصحوات” التي انتسب إليها عشرات الآلاف من المقاتلين السنة الذين غيروا جبهات قتالهم وأصبحوا على استعداد للوقوف مع المحتلين الأمريكيين ضد إخوانهم في الدين من تنظيم “القاعدة”. هؤلاء الحلفاء غير المنتظرين ساعدوا القوات الأمريكية بـ30 ألف مقاتل جديد، وهذا ما غير مجرى الحرب. وبهذا الشكل، أصبح قدوم المتطوعين الجهاديين العرب إلى العراق عبارة “حصان طروادة” بالنسبة للعراقيين السنة، وما كان من جورج بوش إلا أن شكر بن لادن، لأنه كزعيم “الجهادية العالمية” ساعده بدون رغبته لعزل المقاتلين السنة الذين قتل على أيديهم سبعة من كل عشرة جنود أمريكيين في العراق.

بطبيعة الحال، لم يكن هذا سوى عزاء صغير بالنسبة للسياسيين الأمريكيين إذا ما تحدثنا عن العملية العسكرية في العراق ككل. هذا التوازن يرثى له، إذ قتل 4400 عسكري أمريكي، وتكلفة الحرب وصلت إلى 748 مليار دولار. والقضاء على عدو إيران الأول صدام حسين فتح لزعماء طهران منفذا إلى الشرق العربي، حيث خلق التدخل العسكري الأمريكي في العراق ظروفا جديدة حولت إيران من دولة عادية إلى دولة لها ثقلها على مستوى المنطقة.

من هنا يتبين أن عقيدة “الصقور” تعرضت لهزيمة قاسية جدا في عهد الرئيس أوباما، حيث تم إزاحة “المحافظين الجدد” من المسرح السياسي. وليس من قبيل الصدفة أن ترك وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس منصبه، قائلا إن “أي مستقبل لوزير دفاع ينصح الرئيس بإرسال قوات برية أمريكية كبيرة مرة أخرى إلى آسيا أو إلى افريقيا أو إلى الشرق الأوسط، من المفترض إرساله إلى مشفى الأمراض النفسية للفحص”. أما فيما يتعلق بالعراق، فإنه لن يتقسم إلى ثلاثة أجزاء كما كان مخططا له، أي على عكس ما قاله العديد من الخبراء. والآن تتولد من جديد بؤرة أخرى خطيرة جدا في داخل الصراع العراقي، ومن الممكن أن تتصاعد في أي وقت من الأوقات بسبب الخلافات الكردية العربية. بالدرجة الأولى بسبب مشكلة مدينة كركوك التي يعتبرها الأكراد بأنها “قدس كردستان”. كركوك ومنابع النفط الغنية جدا المجاورة لها وضعها صدام حسين في القسم العربي من البلاد، لكنه اضطر للخروج من كردستان العراق بعد أن خسر حرب عام 1991. لكن هذه المدينة تعرضت “للتعريب” بشكل كثيف حينها، والآن حل محل هذا التعريب حملة “تكريد” مضادة بعد سقوط الدكتاتورية.

إن انبعاث العراق من الرماد وعودته إلى الساحة الدولية سيبقى واقعا تحت التأثير، وبالدرجة الأولى تأثير الولايات المتحدة وإيران، وبالدرجة الثانية المملكة العربية السعودية وتركيا. إذ لا توجد دولة واحدة من هذه الدول ترغب بانهيار العراق. بالنسبة للولايات المتحدة هذا كان من الممكن أن يعني أن النصف الجنوبي الشيعي من العراق تبين أنه تحت سيطرة إيران وواشنطن، وبغض النظر عن إخراج القوات الأمريكية من العراق، مقتنعة على مايبدو أن الحكومة العراقية الجديدة يجب أن تصبح واحدة من الدعائم الرئيسية لسياساتها في المنطقة. وذلك نظرا لحجم مساهمتها في الأموال التي تم تخصيصها للعراق، حيث بلغت حصة الولايات المتحدة في هذه المبالغ 53 مليار دولار من أصل 162 مليار دولار، قدمت للعراق على شكل مساعدات دولية. وهذا هو الأساس الذي تعول عليه الإدارة الأمريكية في أن بغداد لن تستطيع التخلي عن العلاقات التحالفية معها من وجهة النظر الأمنية والحاجة للمساعدات الاقتصادية. عدا ذلك، من المستبعد أن تستطيع السلطات العراقية مواجهة التأثير الإيراني بدون التحالف مع واشنطن. هذا التأثير كبير، لكنه ليس بهذا المستوى الذي من الممكن فيه أن يتحول العراق إلى دولة تدور في فلك إيران. ويذكر أن المجابهة بين الفرس والعرب تاريخية، و تمتد لأكثر من ألف عام. وتحاول إيران حاليا إعادة دورها لتكون المركز الروحي الرئيسي للشيعة في العالم. وهذا يجعل انهيار العراق ليس من مصلحة إيران كي يكون باستطاعتها الحفاظ على التأثير النسبي فقط على القسم الجنوبي الشيعي من البلاد. والأكثر أهمية هو الحصول على التأثير الحاسم في بغداد ومحاولة توجيه سياستها في المسار الضروري لطهران. هنا تبقى الورقة الرابحة في يد القيادات الإيرانية المزاج المعادي للولايات المتحدة من قبل غالبية الشعب العراقي، بمن فيهم الشيعة الذين يكنون الشكر والعرفان للأمريكيين الذين حررورهم من الدكتاتور السني.

وهكذا، فإن العراق يقع تحت تأثير قوتين متحاربتين في مابينهما، وكل واحدة من هذه القوى، تحاول توجيه سياسة بغداد باتجاه مصالحها. حالة فريدة من نوعها من الممكن أن تكون مستخدمة من أجل المناورة بين اثنين من الخصوم في حال وجود قادة سياسيين ومسؤولين أذكياء في بغداد الذين عددهم لا يكفي عمليا.

الكاتب: غيورغي ميرسكي، المصدر: مجموعة مقالات بعنوان “آسيا وأفريقيا في السياسة العاليمة الحديثة” – معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية بأكاديمية العلوم الروسية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى