قلم: حماد الأنصاري
مقتبس بتصرف من كتاب ( الصرخي في الميزان ) للشيخ ناظم العقيلي
الطاغوت هو كل ما يعبد من دون الله والعبادة هي الطاعة وقد كان هنالك مساحة للطاعة عندما أمر الله ملائكته للسجود لخليفة الله فامتثلوا إلا إبليس أبى وكان عليه ان يجد مبررا لرفض الطاعة وتكملة القصة معروف ولكن ما يخص موضوعنا هو تبجحه بالعبادة والسجود لله دون السجود لآدم ع ورغم ان الله سبحانه وتعالى لم يقبل عبادته إلا من حيث يريد ( السجود لآدم ع ) إلا انه أصر على غيه وكفره وتبعه خلق كثير من الجن والإنس ؛ والطواغيت الذين جثموا على صدر الإنسانية على مرور التاريخ باسم الدين هم نماذج من إبليس تسربلوا بلباس الدين وتقمصوا مقامات حجج الله فأقصوهم عن مقاماتهم ليسودوا الناس ويستعبونهم .
ويمكن ان نسوق الشواهد الحية على هذا الادعاء والتي لا يمكن إنكارها بحال وفي مقدمتها هو وجوب تقليد المجتهدين تقليدا غير مرخص ومذموم وهو تقليد أعمى يستعبد الناس ويلغي عقولهم ويسلب حريتهم والكلام في التقليد المرخص يتطلب مقالا آخر ولكن ينبغي أولا التعرف على الأدلة التي استدل بعض المتأخرين من الفقهاء بوجوب التقليد من القرآن ومن السنة :
قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
قوله تعالى : {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }
ما ورد عن الإمام العسكري (عليه السلام ): ( فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه ) )).
ما ورد عن الإمام صاحب الزمان (عليه السلام ): ( وَ أَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إلى رُوَاةِ حَدِيثِنَا ).
ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام ) :
(( إذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس ، وأومأ إلى رجل ، فسالت أصحابنا ، فقالوا ، زرارة بن أعين )) .
الأخبار المشيرة إلى الرجوع والإطاعة لأشخاص معينين :
رواية أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ وَقُلْتُ مَنْ أُعَامِلُ ) وَعَمَّنْ ( آخُذُ وَقَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ فَقَالَ الْعَمْرِيُّ ثِقَتِي فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي وَمَا قَالَ لَكَ عَنِّي فَعَنِّي يَقُولُ فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ قَالَ وَسَأَلْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (ع) عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَقَالَ الْعَمْرِيُّ وَابْنُهُ ثِقَتَانِ فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ وَمَا قَالَا لَكَ فَعَنِّي يَقُولَانِ فَاسْمَعْ لَهُمَا وَأَطِعْهُمَا فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ الْمَأْمُونَانِ .
ما ورد أن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول لأبان بن تغلب:
( إجلس في المسجد أو مسجد المدينة و أفت الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك ) .
منها ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام ) :
(( إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَذَاكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُورِثُوا دِرْهَماً وَلَا دِينَاراً وَإِنَّمَا أَوْرَثُوا أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ…))
ورد عن النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ):
(( علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل )).
عَنْ أمير المؤمنين (ع):
(( اعْتَبِرُوا أَيُّهَا النَّاسُ بِمَا وَعَظَ اللَّهُ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ، إلى أَنْ قَالَ : وَ أَنْتُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ مُصِيبَةً لِمَا غُلِبْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَنَازِلِ الْعُلَمَاءِ لَوْ كُنْتُمْ تَسَعُونَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَجَارِيَ الْأُمُورِ وَ الْأَحْكَامِ عَلَى أَيْدِي الْعُلَمَاءِ بِاللَّهِ الأمناء عَلَى حَلَالِهِ وَ حَرَامِهِ فَأَنْتُمْ الْمَسْلُوبُونَ تِلْكَ الْمَنْزِلَةَ…)) .
ما ورد عن النبي ( صلى الله عليه واله و سلم ): ( اللهم ارحم خلفائي ). قيل : ومن خلفاؤك يا رسول الله ؟ قال : ( الذين يأتون بعدي يروون حديثي وسنتي ) .
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) :
(( أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا، إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه ))..
(( الروايات التي تشير إلى أن ولاية الفقيه تكون للسلطان: … ومن تلك الروايات قوله ( ع ) ( السلطان ولي من لا ولي له ) .
الإمام الصادق ( ع ) في طلاق المعتوه قال ( ع ) :
(( يطلق عنه وليّه فإني أراه بمنزلة الإمام عليه )) 0
كانت تلك اهم النصوص التي استدل بها بعض العلماء على وجوب التقليد او وجوب طاعة الفقهاء او ولاية الفقيه وأؤكد ان بعض العلماء وليس كلهم نادوا بوجوب التقليد بالمعنى المتعارف عليه اليوم .
وسوف نتطرق لمناقشة تلك النصوص ومداليلها تباعا إنشاء الله ولنبدأ في قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
فإن الآية استدل بها بعض العلماء الأصوليين المتأخرين على وجوب تقليد غير المعصوم أي تقليد العلماء في عصر الغيبة الكبرى ، وأما الذين لم يستدلوا بها فقد سكتوا عن استخدام هذه الآية في الدعاية والترويج لهم من خلال الملصقات أو اللافتات او الجداريات او من خلال خطباء المنابر حتى صارت هذه الآية من المسلمات بين الناس أنها تخص العلماء ولا تخص الأئمة لا من قريب او بعيد .. وقد راقهم ذلك الفهم الدارج كثيرا واستأنسوا به حتى ان بعضهم صدق هذه الكذبة الكبيرة والمظلومية العظيمة بحق أهل البيت (ع) وبحق القرآن الكريم .. لان الآية خاصة بالأئمة المعصومين ((ص)) من ذرية النبي محمد ((ص)) ولا يمكن أن تنطبق على غيرهم وهذا واضح وجلي من خلال الروايات المتواترة التي نصت على ذلك منها:-
عن محمد ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) :
قال :-
( إن من عندنا يزعمون إن قول الله عز وجل (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
إنهم اليهود والنصارى، قال: إذاًَ يدعونكم إلى دينهم، قال: قال بيده إلى صدره: نحن أهل الذكر ونحن المسئولون) الكافي ج1 ص237
وعن الو شاء عن أبي الحسن الرضا (ع) قال سمعته يقول:
(( قال علي بن الحسين عليه السلام :على الأئمة من الفرض ما ليس على شيعتهم وعلى شيعتنا ما ليس علينا ،أمرهم الله عز وجل أن يسألونا ، قال: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) فأمرهم أن يسألونا وليس علينا الجواب ، إن شئنا أجبنا وان شئنا امسكنا )) الكافي ج1 ص237
وعن أبي بكر الحضرمي قال:-
(( كنت عند أبي جعفر (ع) ودخل عليه الورد أخو الكميت فقال : جعلني الله فداك اخترت لك سبعين مسألة ما تحضرني منها مسألة ، قال : ولا واحدة يا ورد ؟ . قال: بلى قد حضرني منها واحدة، قال: وما هي؟ . قال قول الله تبارك وتعالى (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) من هم ؟ . قال: نحن، قلت علينا أن نسألكم ؟ قال: نعم، قلت عليكم أن تجيبونا ؟ قال: ذاك إلينا )) الكافي ج1 ص236.
وعن أبي جعفر (ع) في قوله تعالى:
(((فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) قال: نحن أهل الذكر، ونحن المسئولون )) بصائر الدرجات ص60
وعن أبي عبد الله (ع) في قول الله تعالى :
(((فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) قال: الذكر محمد صلى الله عليه واله ونحن أهله ونحن المسئولون )) بصائر الدرجات ص60. وغيرها من الروايات أعرضت عن ذكرها للاختصار ولأن المسألة من الواضحات ورواية واحدة تكفي لإثباتها لمن ألقى السمع وهو شهيد وأما من كان أعمى فلا يهتدي بنور الشمس حتى لو احرقه.
وهذه المسألة ليست جديدة فقد مارسها بنو أمية وبنو العباس (لعنهم الله) . حيث قاموا بوضع الأحاديث الكاذبة، وأوّلوا كلام الله تعالى لصالحهم وانتحلوا مقامات الإمام علي وذريته (ع) كذباً وزوراً، ومن الآيات التي أوّلوها لصالحهم قوله تعالى:-
(أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)
فقالوا نحن أولوا الأمر ، لأن أمور الناس بأيدينا ، ونحن خلفاء الرسول (ص) ، وغيرها من التأويلات الفاسدة . والحق أقول إن أولي الأمر هم أمير المؤمنين (ع) وذريته المعصومون (ع) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وسيعلم الذين ظلموا آل محمد (ع) أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين . وقد روي عن أمير المؤمنين (ص): في وصيته للحسن إن كل من يدعي هذا المقام فهو كذاب، إذ قال:
(( …وأمركم أن تسألوا أهل الذكر، ونحن والله أهل الذكر، لا يدعي ذلك غيرنا إلا كاذب…ثم قال: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) فنحن أهل الذكر فاقبلوا أمرنا وانتهوا عما نهينا ونحن الأبواب التي أمرتم أن تأتوا منها، فنحن والله أبواب تلك البيوت ليس ذلك لغيرنا ولا يقوله أحد سوانا…. )) نهج السعادة ج8 ص318 للشيخ المحمودي / مستدرك الوسائل ج17ص273.
وإلى القارئ المنصف أذكر آراء بعض علماء الشيعة في الرد على من استدل بهذه الآية على وجوب التقليد أو على وجوب حجية خبر الواحد:-
1. أبو الصلاح الحلبي في كتابه الكافي قال : ((..وهم – يعني الأئمة- الذين أُمر من لا يعلم بمسألتهم ليعلم في قوله : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) وقد بينا في غير هذا الكتاب ونبينه فيه كون الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم أولي الأمر وأهل الذكر دون غيرهم )) الكافي للحلبي ص56.
2. أبو المجد الحلبي في كتابه إشارة السبق ص60 قال: ( (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) أمر بوجوب المسئولين لا يجوز كونهم سائلين، لأحاطتهم علما بكل ما يسألون عنه…) .
3. السيد الخميني في كتابه الاجتهاد والتقليد ص89 قال: (( …..وإلى ورود روايات كثيرة في إن أهله هم الأئمة (ع)، بحيث يظهر منها أنهم أهله لا غير….)).
4. الشيخ علي النمازي في كتابه مستدرك سفينة البحار ج3 ص441 ، قال: (( قال تعالى (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) أهل الذكر الأئمة (عليهم السلام ) بذلك نطقت الروايات المتواترة المذكورة في باب أنهم أهل الذكر وأنهم هم المسئولون )).
وأقوال هؤلاء العلماء وإن كان بعضها فيه كلام ولكن كلها أو جلها تؤكد على أن المراد من الآية هم ( أهل البيت ) ((ع)) خاصة ولا دخل لها بوجوب تقليد غيرهم .
ثم إن القول بشمول الآية لمطلق أهل الذكر من العلماء هو مذهب أبناء العامة في تفسير قوله تعالى : ((فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ))
وقد اخبرنا الأئمة ((ع)) بعدم ركوب مراكب أبناء العامة وإن الرشد في خلافهم . والشيعة قديما وحديثا يستدلون بهذه الآية :-
((فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)) على أن المراد منها هم أهل بيت النبي (ص) لا غيرهم لأنهم معصومون ، وعندهم علم كل شيء من الله تعالى وفيهم وصية الرسول محمد (ص). فكيف يأتي اليوم بعض العلماء غير العاملين ليحموها على مطلق العلماء ولا يخصونها بالعترة الطاهرة (ع).
وللحديث بقية انشاء الله