أخبار سياسية منوعة

من يحتل العراق إيران أم أمريكا ؟

سؤال كان ينبغي أن يكون واضح الإجابة ، وقد كان كذلك حتى زمن قريب ، فالواقعة المحسوسة تقول إن الجيوش التي دخلت العراق معلومة الهوية ، واللغة التي تنطق بها لا تشبه اللغة الفارسية ، ولكن وضوح الواقعة هذا ران عليه الكثير من الكدر ، وشابته الكثير من التفسيرات والتحليلات التي أفقدته حقيقته وأحالته الى واقعة خلافية تحتمل وجهات نظر متعددة.

من يحتل العراق إيران أم أمريكا ؟

أبو محمد الأنصاري

سؤال كان ينبغي أن يكون واضح الإجابة ، وقد كان كذلك حتى زمن قريب ، فالواقعة المحسوسة تقول إن الجيوش التي دخلت العراق معلومة الهوية ، واللغة التي تنطق بها لا تشبه اللغة الفارسية ، ولكن وضوح الواقعة هذا ران عليه الكثير من الكدر ، وشابته الكثير من التفسيرات والتحليلات التي أفقدته حقيقته وأحالته الى واقعة خلافية تحتمل وجهات نظر متعددة.

لست بصدد الدفاع عن إيران ، التي لا يشك أحد في دورها الكبير في إدارة مجريات الأمور في العراق عبر قنوات ووسائل متنوعة ، فإذا ما أراد من يقول بإحتلال إيران للعراق هذا المعنى فمن الممكن تفهم مطلوبه ، على أن يتم تمييز هذا المعنى عن المعنى الأول المتبادر للذهن الذي يشير الى الواقعة المحسوسة المشار إليها آنفاً .

ولعل ثمة من يحتج بأن التمييز المطلوب غالباً ما يكون مدفوعاً بنوع من التساهل أو حتى الرضا بالإحتلال الإيراني بالمعنى المعين ، وهذا واضح وملموس في كلمات بعض القوى السياسية المستفيدة أو الدائرة في الفلك الإيراني ، ولكننا هنا بإزاء توظيف سياسي متعمد يستهدف تظهير المعنى الأقرب الى الذهن بذريعة قربه وأوليته لحساب تغييب المعنى الآخر الذي يشعر العراقيون بأهميته على أية حال ، ولكن نظرة الى وجه المسألة الآخر يضعنا بإزاء توظيف ذي بُعد آخر تحاول من خلاله بعض الأطراف التخفيف من قبح صورة المحتل الأمريكي بالتركيز على التدخلات الإيرانية في الشأن العراقي ، وجعلها في واجهة الأحداث ، وتصوير هذه التدخلات على أنها إحتلال لا يقل إن لم يكن يزيد فظاعة عن الإحتلال الأمريكي .

قد تبدو المسألة مسألة إشكالية لا ينبغي التسرع في اقتراح حل لها من نمط الحلول التي تميل لطرف من طرفيها على حساب الطرف الآخر ، وقد يبدو من المنطقي تماماً إتباع نوع من التفكير يحتفظ للإشكالية بوجودها في إطار موازنة تحسب لكل طرف حجمه وظروفه وملابساته ، ولكن مثل هذا التفكير اقرب الى الخديعة الذهنية منه الى التفكير السليم ، فالواقع الأرضي يشير بما لا يقبل كثيراً من التحليل العقلي الى أرجحية الإحتلال الأمريكي وبدرجة تبدو معها فكرة المقايسة بين هذا الإحتلال وبين التدخلات الإيرانية مثيرة للريب وتستدعي الفحص عن الخلفيات التي تنطلق منها والدلالات التي تسعى لتمريرها .

فعلى سبيل المثال يميل خطاب بعض القوى العربية الى التركيز على الخطر الإيراني ويغضون النظر الى درجة كبيرة عن الإحتلال الأمريكي ، ولا يقتصر هذا الخطاب على حالة العراق بل يتعداه الى مناطق أخرى مثل لبنان وفلسطين الأمر الذي يشير بالضرورة الى توجه سياسي يستهدف نقل بوصلة الصراع الى وجهة أخرى غير وجهتها الأصلية ، كما إنه يشير الى مدى استفحال العقدة الطائفية في الفكر السياسي العربي ، وقد سمعنا قبل أيام الناطق باسم ما يسمى جبهة التوافق العراقية وهو يقول بالحرف الواحد إن الإحتلال الأمريكي للعراق أفضل من الإحتلال الإيراني له ، وكان حديثه هذا قد جاء على خلفية الموقف الموافق الذي اتخذته الجبهة المذكورة من الاتفاقية الأمنية المزمع التوقيع عليها بين الطرفين الأمريكي والعراقي ، ومن الواضح إن التركيز على الإحتلال الإيراني في خطاب الجبهة يستهدف تبرير الموقف المتخاذل الذي اتخذته الجبهة والتسويق له بين جموع مناصريها ، كما إن هذا الخطاب يتكأ بالضرورة فيما يخص قوته الإقناعية على ما يختزنه جمهور الجبهة من غل طائفي .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى