حين خلعت الجماهير أعنتها وهتفت في الشوارع والميادين بسقوط الطواغيت الذين تسلطوا عليها طويلاً، كان الفقهاء في الأزهر وغيره يتابعون الحدث من شاشات التلفاز في بيوتهم المكيفة.
حينها كانت الكلمات باهظة الثمن، لذا فضلوا الصمت المطبق (صمت القبور)، وقرروا التخلي عن وظيفتهم في قيادة الجموع، إلى أن تمر العاصفة وتعود القيادة إلى سابق عهدها، أي كنزهة وتجارة مربحة للغاية. وهكذا ما إن بدأت أسارير النصر على الطواغيت بالانفراج حتى تذكر الفقهاء ألسنتهم فحركوها بهجاء الطاغية والطاغوت، وتذكروا أنهم القادة والسادة الذين يجب أن تخضع لهم الجماهير!
ولأن الجماهير تملك قلب دجاجة لم تلتفت إلى واقع تخلي القيادة عنها في أحرج الظروف، ونسيت تماماً، وسامحت، واقتنعت أن نصرها الذي حققته كانت وراءه سواعد دعاء الفقهاء المفتولة العضلات!
صلت الجماهير جمعات كثيرة خلف فقهائها الذين بدت على سحناتهم سمات النسور والصقور والنمور، وصارت تسمع كلاماً قوياً لا يشبه على الإطلاق ما سبق لها أن سمعته منهم، فهل اهتدى الفقهاء أخيراً؟؟
هؤلاء الفقهاء الذين ما اهتدوا يوماً، وبشهادة تأريخهم مع كل الأنبياء، هل اهتدوا أخيراً، وهل سيهدمون بيوتهم الفارهة التي بنوها بجوار قصور السلاطين، ويختاروا العيش في المساكن الشعبية، أم إن الأفعى القديمة تغرينا الآن بملمسها الناعم فقط؟
حسم شيخ الأزهر نزاع التساؤلات بالفتوى التي أطلقها بوجوب المشاركة بالانتخابات، فهذه الفتوى تعني قبل كل شيء أن هذا الشيخ قد ألقى عمامته حقيقة وإن بقيت معلقة على رأسه ظاهراً. فتوجيب المشاركة بالانتخابات يعني ببساطة أن الرجل قبل بفكرة أن الدين الإسلامي الذي يُفترض أن يكون هو ممثلاً له لا يملك حلاً سياسياً على الإطلاق وبالتالي هو دين ناقص، وليس من عند الله الواحد الكامل المطلق!
شيخ الأزهر إذن قبل أن يُقال أن اللبرالية الغربية أكثر كمالا من الإسلام ولا بأس إذن في القبول بما تطرحه من حلول!
بل أكثر من هذا فشيخ الأزهر حين أوجب المشاركة في الانتخابات لم يحدد جهة أو عنواناً يوجه الجماهير لانتخابه، أي إنه بالنتيجة لا مانع لديه – على الأقل – بأن تنتخب الجماهير أي مرشح، وبالتالي أي فكر، وإن كان علمانياً، أو ملحداً حتى!!
هذا الفتوى في الحقيقة وإن تمظهرت بمظهر ديني، أي كفتوى، إلا أنها في الحقيقة خنجر مسموم غرزه شيخ الأزهر في خاصرة الجماهير، ودينها ومستقبلها.
ولكن هذه الفتوى كذلك تنطوي على رسالة سرية لم ينطق بها شيخ الأزهر، ولكنها تلزمه حتماً، مضمونها انه بفتواه هذه تحديداً قد قدم استقالته من دوره كقائد ديني وكرجل دين، فهل ستقرأ الجماهير هذه الرسالة؟؟