أخبار سياسية منوعة

العراقي المكتوف في يم الإتفاقية

عنوان المقال كما هو واضح يستعير فكرته من بيت الشعر العربي المعروف ( ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له / إياك إياك أن تبتل بالماء ) ، ولعلكم تشعرون بالبراعة التي ينطوي عليها بيت الشعر وهو يصف بغير قليل من السخرية منطق تضييق الخيارات بل حصرها في خيار وحيد ، والطلب من المحاصر بأن يتقي نفس هذا الخيار الوحيد .

بهذا المنطق تسوّق حكومة المنطقة السوداء خيار الإتفاقية المجحفة ، فهي بعد أن فرطت ، طيلة ما يقرب من ست سنوات ، بكل الخيارات التي كان يمكن للعراقيين أن يسلكوها للتخلص من عار الإحتلال ، وبعد أن كرست في وعي الجماهير ثقافة المداهنة والرضا بالمحتل وأشعرتهم بقوة بأن خيار المقاومة والرفض ساقط تماماً من حساباتها ، وذهبت في انبطاحها وعمالتها حد ترسيخ فكرة أن كل عمل مقاوم للمحتل هو بالضرورة عمل مناهض للشعب العراقي ، ومن يقوم به يستهدف إعادة عجلة الزمن الى الوراء ، وهو بعثي قذر أو ناصبي ملعون لا تحمل أجندته سوى هدف واحد يتمثل باستئصال الوجود الشيعي ، وعلى خلفية ملحمة الدم المروعة التي خطط لها المحتل بالإشتراك مع بعض البعثيين القذرين حقاً والنواصب من شذاذ الآفاق نجح المحتل وحكومته العميلة في مؤامرة غسيل الدماغ نجاحاً منقطع النظير بحيث بات شعور يتعاظم يوماً بعد يوم لدى الكثير من العراقيين بأن كل عمل مسلح ضد قوات المحتل هو عمل خياني يجري بالضد من مصلحة البلد ، وأكثر من هذا أصبح بقاء المحتل ضرورة وجودية لا يمكن الإستغناء عنها ، وهذه الضرورة لا يحتمها وهن قوى الأمن المقصود والمدبر من قبل الإحتلال ، وعدم قدرتها على ضبط الوضع الأمني وحماية الشعب من غائلة الإرهاب الأمريكي والصنيع ، بل بدرجة أكبر تحتمها حقيقة تمت صناعتها والترويج لها في مطابخ أمراء الطوائف وهي حقيقة باتت تتأكد وبقوة بأن العراق وشعبه إنما هو عراقات (كذا) وشعوب أكثر منه عراق واحد وشعب واحد ، وإن التعايش بين هذه الأوطان والشعوب المتعددة أمر متعذر بغير وجود وصي أو رقيب ينظم العلاقة بينها ويمنع عدوان بعضها على البعض الآخر ، وليس هذا الرقيب الرفيق سوى العم سام الذي جادت به الصدفة كما لم تجُد بمثله يوماً ما ، أقول بعد كل هذه الثقافة التي استزرعوها في العقول والمشاعر يحاول أمراء الطوائف اليوم جني ثمارهم المسمومة بوضع الناس وجهاً لوجه أمام الخيار الوحيد الذي تركوه لهم ليسيروهم مثل الخراف المنومة لنهاية النفق حيث تنتظر السكين المسنونة !

ولكن إذا كان أمراء الطوائف يظنون أن النفق الذي بنوه هو الطريق المتعرج الوحيد الذي يمكن لوعينا أن يسلكه فما أشد ما هم واهمون وما أغبى من أوحى لهم بهذه الفكرة البائسة ، وعما قريب إن شاء الله سيعلمون إن الحائط المسدود الذي أرادونا أن نقف عاجزين أمامه سيكون حائط موتهم ، نعم .. فإن وراءنا منادح لو سارت بها العيس لكلت .

لا يمكن للشعب أن يبقى أسير قوقعة الأكاذيب التي روجوها الى ما لا نهاية فعاجلاً أم آجلاً ستنزاح الغشاوة التي تغطي عينيه ، وهذه مسؤولية يتحملها المثقفون والواعون من أبناء هذه الأمة ، ولا يسعهم بحال التنصل منها ، وإلا لابد لهم أن ينتظروا دورهم في قائمة الشعب التي ستحصي الخونة ، دون مجاملة أو رحمة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى