أخبار سياسية منوعة

المجلس الأعلى عمى البصيرة المزمن

الدجل ، التضليل ، حب الزعامة ، الإنتهازية ، الوصولية ، هذه الكلمات تلخص حقيقة المجلس الأعلى ، ففي المنفى الإيراني كان على المعارضة العراقية أن تدفع ضريبة الولاء لنظام الحكم الذي آواها ، وأغدق عليها الأموال ، وإذا كان التأسيس العراقي للعمل الحركي قد اتخذ صيغة التشكيل الحزبي من قبيل حزب الدعوة ، ومنظمة العمل الإسلامي ، فإن نظام ما يُسمى بولاية الفقيه كان يرى في هذه الصيغة شرذمة لقوى الأمة ، وتشتيتاً لجهودها ، وكان الوضع الأنسب برأي الإيرانيين هو يُصار الى تشكيل مجلس أعلى تنطوي تحته كل المسميات الحزبية والفرقية العراقية ، فتأسس المجلس الأعلى في عام 1982 ليكون الصيغة الجامعة لجهود المعارضة العراقية الإسلامية .

لم تكن فكرة الإيرانيين تتلخص بتجميع أحزاب المعارضة العراقية فحسب ، بل كان هاجس إلغاء الحزبية الذي لم يكن يسمح بها في إيران مؤثراً وجوهرياً في هذا الصدد ، كما إن فكرة حزب الله ؛ الحزب الذي ليس بحزب ، أو الحزب الذي لا يخضع للمواضعات الحزبية ، وهو الصيغة الإيرانية البديلة عن الصيغة الحزبية المعروفة كانت فكرة أكثر من ملحة ، فمن المعلوم أن توحيد قيادة الأحزاب تتيح للإيرانيين فرصة تنظيم عمل المعارضة العراقية والسيطرة عليها ، وكذلك فإن اختيار قيادة علمائية ترتبط بالمرجعية الإيرانية وبولاية الفقيه ، وهو ما أراده الإيرانيون ، يجعل من هذه المعارضة ذراعاً إيرانية يتحكمون فيها كيف شاءوا .

هذه الإشتراطات الإيرانية رأى فيها قياديو حزب الدعوة بعد حين طعنة نجلاء تطيح بكل المكتسبات التي يوفرها لهم الإنفراد بالعمل كحزب يملك من التأريخ ما لا يملكه التنظيم الإيراني الجديد ، لكل هذا أثروا الإنفصال عن هذه الصيغة وهجر الكثير من قياداتهم وأعضاء حزبهم الأراضي الإيرانية الى الشتات .

والحق إن آل الحكيم الذين سيطروا على القيادة العليا للمجلس كانوا يمارسون ديكتاتورية قبيحة تستهدف لفت الأنظار لهم وتهمش الى حد بعيد كل القيادات الأخرى المنافسة ، وبهذا الصدد شكل آل الحكيم حزباً سرياً أسموه حزب الصفوة يعمل في الخفاء لتكريس قيادة وكاريزما آل الحكيم ، وكان هذا الحزب ينشر مناقبهم بين صفوف الأسرى العراقيين الذين أصبحوا فيما بعد التوابين وهم مادة المجلس الأعلى ، وفي الوقت ذاته كان ينتقص من الآخرين .

بعد انفصال الدعوة – التي تشظت فيما بعد الى أحزاب كثيرة – عن المجلس توضحت سياسات آل الحكيم الإستئثارية أكثر فأكثر ، حتى لقد تمحور الخطاب الإعلامي للمجلس حول التأريخ العائلي لآل الحكيم ، وتركز على التنظيرات التي يخطها قلم رئيسه السيد محمد باقر الحكيم ، وبهذا أصبح التأريخ العائلي هو كل التأريخ العراقي وأصبح الولاء للعائلة عنوان الولاء للعراق وللقضية الإسلامية التي ضمرت بل تلاشت تماماً أمام قضية الرمز ، الذي أصبح هو كل هم المجلس وكل قضيته .

المجلس الذي يخوض معركة من أجل الرمز كان يستكمل هذه المعركة نفسها بتكتيك آخر يوازي عزف الطبول التي تقرع باسم الرمز وتأريخه العائلي ، يمثله تسقيط الآخرين والنيل منهم ، حتى لقد بلغت الوقاحة برجالات المجلس حد شن حرب شرسة ينقصها كثيراً شرف الخصومة ضد العلماء العاملين الذين أخذت شعبيتهم بالتنامي ، وكانت أشد هذه الحروب ضراوة وأكثرها خسة تلك الحرب الإعلامية التي باشرها المجلس ضد السيد محمد الصدر الذي بدأ باستمالة جموع الجماهير في داخل العراق وخارجه على حد سواء ، ويكفي مثلاً على مدى خسة حروب المجلس الأعلى تلك المؤامرة الدنيئة التي سلموا من خلالها أبو ميثم وأبو أيوب لمخابرات صدام لمجرد ميلهما لمرجعية السيد محمد الصدر .

إن فكرة الرمز الذي يختصر القضية والغاية والبرنامج تستمد قوتها في الحالة العراقية من الإطار الديني الذي يغلف الرمز ، وحيث إن المرجعية قد احتكرت كل الدلالة الدينية ، وأصبح الدين هو ما يقرره المرجع ( عودة الوثنية ) فإن عين المجلس الأعلى المصوبة نحو مركز الحكم في العراق كانت تعي جيداً أن غايتها هذه تتطلب السيطرة قبل كل شئ على كرسي المرجع الأعلى ، وكان المجلسيون قد أعدوا لهذا الأمر بعد دخولهم العراق ، فألحقوا باسم السيد محمد باقر الحكيم لقب ( آية الله العظمى ) الذي يعني أنه مؤهل للإجتهاد والفتوى ، وكان من المفترض أن يتسنم سدة المرجعية بعد السيستاني ، ولكن حياة السيستاني الطويلة جداً ومقتل السيد الحكيم الذي فاجأ المجلسيين أجل مشروعهم على الأقل ( الآن هم يعدون لمحمد سعيد الحكيم ) وحملهم على التخلي عن مرجعية السيد الخامنائي وولاية الفقيه والإنضواء تحت جناح السيستاني بعد أن تمكنوا بمساعدة الإيرانيين من السيطرة عليه وعلى ولده محمد رضا ( المرجع الحقيقي ) .

من هذا يتضح إن فكرة الرمز لم تكن فكرة يراد منها توحيد جهود الأمة ورص صفوفها كما يحاولون الإيهام ، بقدر ما هي فكرة استخفافية تستثمر حالة غياب الإرادة الجماهيرية في مقابل السطوة المرجعية ، فالمجلس الأعلى بكلمة واحدة أشبه ما يكون بالغدة السرطانية التي بغير استئصالها يبقى داء موت الإرادة مستفحلاً لا يرجى شفاؤه .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى