الإفتتاحية

هل يُعرف الحجة بالمعجزة القاهرة؟

إفتتاحية عدد الأسبوع
إفتتاحية عدد الأسبوع

لأي شيء خلق الله الناس؟

خلقهم من أجل أن يعرفوه ويُعرف الصالح من الطالح منهم.

والآن إذا كان الأمر هكذا – وهو هكذا – فكيف يمكن لعاقل أن يتصور أن الله عز وجل يناقض نفسه، وينقض غرضه وهو الحكيم المطلق؟

نعم إذا قلنا إن الحجة يُعرف من خلال المعجزة القاهرة فهذا يعني إن الله يناقض نفسه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، لأن مثل هذه المعجزة التي تقهر الناس لا تترك مساحة لمعرفة هل هم يؤمنون حقيقةً أو يؤمنون بالغيب حقاً، أم إن إيمانهم ليس سوى رضوخ وقهر؟

والحق إن القرآن الكريم بيّن لنا أن مثل هكذا إيمان ناتج عن معجزة قاهرة لا يقبله الله عز وجل، فهو عز وجل لم يقبل إيمان فرعون حين رأى معجزة انشقاق البحر التي قهرت عقله واضطرته مرغماً للإيمان برب موسى عليه السلام.

الواقع إن المعجزة لو جاءت فلابد أن تترك مساحة للغيب، أي لابد أن تأتي بصورة يمكن لمن في قلبه مرض أن يجد لها تأويلاً يبرر من خلاله كفره، ويمكن لمن في قلبه نور أن يجدها دليلاً على صدق دعوة حجة الله. أي لابد أن لا تلغي المعجزة مساحة الاختبار التي هي الأساس في تفاضلهم واستحقاقهم الجنة أو النار. وبقاء مساحة الاختبار يستدعي أن لا تأتي المعجزة قاهرة لا يمكن تأويلها كما في حادثة غرق فرعون، بل لابد أن تأتي ملتبسة قابلة للتأويل، فمعجزة تحول العصا إلى حية تسعى استطاع فرعون أن يتأولها بما يناسب كفره فقال عنها إنها سحر، وموسى عليه السلام وإن استطاع أن يتغلب على السحرة الآخرين فإن هذا لا يعني إنه مرسل من الله، ولكنه فقط ساحر عظيم، بل كبيرهم الذي علمهم السحر.

وأخيراً المعجزة لا يمكن أن تكون هي الدليل على حجة الله لأن الدليل لابد أن يكون موجوداً دائماً، فلا يتخلف أبداً، أي يكون متاحاً دائماً لكل من طلبه، بينما القرآن يخبرنا بأن المعجزات بيد الله عز وجل ((وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ)). ومعنى إنها عند الله أي إن الله يمكن أن يرسلها ويمكن أن يرسلها، فإذا طلب أحد معجزة من المرسل أو حجة الله فليس بالضرورة أن تلبى، بل قد يستجاب لطلبه وقد لا يستجاب له، وبالنتيجة لا يمكن أن تكون هي الدليل على حجة الله لأن الدليل لابد أن يكون حاضراً، ومتوفراً على الدوام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى