لم يكن الشيخ اليعقوبي قبل دخول القوات الغازية شيئاً مذكوراً ، هذا ما كان يظهر على السطح على الأقل ، وإن كانت الأيام التي أعقبت الإحتلال قد كشفت أن الشيخ المذكور كان شيئاً وكان رقماً تذكره ملفات مديرية أمن النجف الأشرف الصدامية وتحدد له راتباً شهرياً كبيراً ووظيفة يؤديها تتمثل بالتجسس على السيد الصدر خصوصاً والحوزة النجفية على العموم . وغير هذا كان الذي من شأنه إحصاء الرجال دون قيد أو شرط يحسب اليعقوبي على قائمة السيد الصدر ، على الرغم من عدم وجود ما يدل على أن اليعقوبي قد نصر السيد الصدر ، فلا كلمة ولا خطبة جمعة ، ولا أي شئ على الإطلاق .
إذن الصورة التي ترسمها الكلمات المتقدمة للشيخ اليعقوبي تظهره بوصفه ذلك الرجل المنافق صاحب الوجهين ، وسنجد لاحقاً أن هذه الصفة تختصر كل المنهج السياسي الذي يسلكه حزب الفضيلة وتعبر بدقة بالغة عن كل مواقفه .
فعلى مستوى علة الوجود يقدم حزب الفضيلة نفسه على أنه حزب إسلامي دون أن يكلف نفسه عناء تقديم المسوغات التي حدت بعرابه أو زعيمه الروحي ( الشيخ اليعقوبي ) الى تشكيل مثل هذا النوع من الأحزاب التي تغص بها الساحة السياسية العراقية ، والكثير منها تلتقي مع حزب الفضيلة في المذهب والتوجه الفكري العام على الأقل ، الأمر الذي يعني عدم وجود حاجة فكرية تبرر وجود حزب جديد ، وهنا نضع يدنا على العلة الحقيقية لوجود حزب الفضيلة المتمثلة بحاجة اليعقوبي الشخصية الى واجهة حركية تدعّم مرجعيته الثانوية ، فالحزب الذي يتبجح بوصف ( الإسلامي ) يتخذ من هذا الشعار قناعاً يخفي وراءه وجهه الحقيقي المعبر عن الطموح الشخصي للشيخ اليعقوبي .
والواقع إن نفس تشكيل حزب الفضيلة الذي تزامن مع الأيام الأولى لدخول القوات المحتلة يؤشر حقائق مهمة أولها خشية اليعقوبي من الوضع السياسي والمرجعي المتوقع حصوله بعد الإحتلال ، فالأيام تعده بعودة الكثير من الشخصيات الدينية التي تدعمها أحزاب متمرسة على العمل الحزبي والتعبوي ، وثانيها إن تشكيل الحزب يدل على قراءة مسبقة لطبيعة الوضع السياسي المترشح عن فعل الإحتلال والمتمثل باللعبة السياسية التآمرية ، واليعقوبي بتشكيله الحزب يعبر عن قرار مبيت بإسقاط خيار المقاومة والدخول في لعبة الركون الى الظالم المحتل.
إن تأمل مواقف الحزب تدل بلا ريب على هذا المعنى ، على الرغم من الحرص الشديد الذي يظهره اليعقوبي وحزبه على تغليف هذه المواقف بأقنعة الوطنية والدينية ، فعلى سبيل المثال يذهب اليعقوبي وحزبه الى اعتبار خيار المقاومة المسلحة ضرباً من العبث لا يحقق نتيجة محمودة تذكر للعراق والعراقيين ، وهو في هذا الصدد بل في كل مواقفه تقريباً يركب سنة الأحزاب السيستانية حذو النعل بالنعل ، ولكن هذه المواقف السيستانية يغلقها اليعقوبي – كما سلف القول – بأقنعة خطابية رخيصة تتعرض للإحتلال ، وتحمله أحياناً بعض المسؤولية عما يمر به البلد ، ويلاحظ على هذه الخطابات تحريها لغة تتسم بالعمومية وغير المباشرة ، وكأنها تشفق كثيراً من إثارة غضب المحتل .
ولعل موقف اليعقوبي وحزبه من مسألة معاهدة الإذعان مثال واضح على الثعلبانية السياسية ، فاليعقوبي وحزبه اتخذوا بوضوح كاف موقف القبول بالإتفاقية ، ولكنهم مع ذلك فضلوا الظهور بمسرحية المنسحب من التصويت ، وهو انسحاب لا يدل على الرفض كما يتمنى اليعقوبي وحزبه من جماهيرهم أن يفهموا ، إذ ليس ثمة من لغة للرفض سوى الرفض نفسه ، أما الحركة البهلوانية التي أقدم عليها حزب اليعقوبي فتندرج في خانة المواقف الموهنة لقوى الرفض ، والتي أتاحت للنتيجة لقوى العمالة السيستانية وغيرها تحقيق ما يصبون له من إظهار الرافضين بصورة القلة التي لا تقدح بما اصطلحوا عليه الإجماع الوطني .