تحدثنا في الحلقات السابقة عن السفياني واثبتنا بان هناك اكثر من سفياني يحارب الامام المهدي(ع) وجرنا الحديث عن )القائم( اليماني الذي يقوم بامر الامام المهدي (ع) ورافع لوائه والممهد الرئيسي له في عصر الظهور وتطرقنا في جزء من حديثنا عن اهل خرسان (ايران) واليوم ستكون الحلقة الخامسة والاخيرة مخصصة لشخصية الخرساني والرآيات السود التي تخرج من المشرق وما هو دورهم في عصر الظهور المقدس وكيف ستكون حركتهم، كل هذا سنحاول استعراضه من خلال الروايات الواردة عن رسول الله (ص) واهل بيته (ع) ومن الله نستمد العون .
وردت جملة من الأحاديث عن رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) ينص بعضها صراحة ويكتفي بعضها الآخر بالإشارة إلى القائم أنه (ع) يدخل العراق من جهة المشرق. الأمر الذي حير أفهام القوم أيما حيرة، لاسيما وأنهم لا يفرقون بين القائم بالسيف والإمام المهدي (ع) ويحسبونهما شخصاً واحداً. لقد رأى هؤلاء القوم في الأحاديث المشار إليها تناقضاً صارخاً مع ما هو راكز في أذهانهم من إن الإمام المهدي (ع) يدخل العراق من جهة الحجاز، وكان الحل الأسهل الذي لجأوا إليه هو تضعيف روايات الدخول من المشرق، مع إن هذا التضعيف لا يستند الى حجة شرعية، ولا يعدو في حقيقته عن كونه قصوراً في فهم المراد من هذه الأحاديث، ولجأ بعضهم الى تأويل هذه الأحاديث الواضحة لتتفق مع المفهوم الذي يحمله عن مسألة الظهور، وكل ذلك كان يتم – للأسف الشديد- على حساب الحقيقة.
لقد غفل هؤلاء عن المنهج الصحيح الذي ينبغي لطالب الحق إتباعه، والمتمثل بإعطاء العقل دور الخادم لا دور السيد المتصرف بالنصوص، فإذا كان الفهم المرتكز في أذهانهم مصدره النصوص فإن الفهم الآخر مصدره النصوص أيضاً، ومن المؤكد أن النصوص لا تتناقض كما يتخرصون، وإنما يقع التناقض نتيجة الآليات المصطنعة التي لفقوها على حساب التسليم لأحاديث أهل البيت (ع) فصاروا هم أئمة الكتاب، لا إن الكتاب إمامهم. وسأقتبس هنا فقرة من كتاب (المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي) للشيخ علي الكوراني، كإنموذج لطريقة القوم في التعامل مع حقائق النصوص، يقول الشيخ:(إنما فسرنا (مبدؤه من قبل المشرق) ويقصد ظهور المهدي (ع) بأنه مبدأ أمره، لأن ظهوره (ع) من مكة قطعي، فلابد أن يكون معناه مبدأ أمره وحركة أنصاره من جهة المشرق) (المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي: 595 – 596).
هذا التفسير متهافت لدرجة تثير الإستغراب، حتى لو إلتزمنا بمجمل التصور الذي يلتزم به الشيخ لحركة الظهور، لأمور منها:-
1 – إن أكثر الأحاديث التي تقع ضمن إطار الموضوع تنص صراحة على أن القائم نفسه يبدأ حركته من المشرق، لا إن أصحابه فقط ينطلقون من هناك.
2 – إن اليماني – وهو قائد الأصحاب بنص الروايات، وسفير للإمام كما ترجح للشيخ – يبدأ حركته من اليمن برأي الشيخ وليس من المشرق. ومعنى هذا إنه حتى على وفق تصور الشيخ لا يستقيم ما ذهب إليه في تفسيره على إطلاقه.
3 – إن منشأ التعارض بين الأحاديث وهمي، إذ يمكن دفعه بالقول إن القائم الذي يشرع بحركته من المشرق شخص آخر غير الإمام المهدي (ع).
ويذكرالشيخ الكوراني في كتابه عصر الظهور عن دور الخرساني فيقول ( ومع أن دور الإيرانيين في التمهيد للمهدي عليه السلام دور واسع وفعال ، ولهم فضل السبق والتضحيات حيث يبدأ أمر المهدي عليه السلام بحركتهم ….. فما هو السبب في أن ثورة اليماني ورايته أهدى من ثورة الإيرانيين ورايتهم ) ؟
فيعلق الكوراني قائلاً ( يحتمل أن يكون السبب في ذلك أن الأسلوب الإداري الذي يستعمله اليماني في قيادته السياسية وإدارة اليمن أصح وأقرب إلى النمط الإداري الإسلامي في بساطته وحسمه . بينما لا تخلو دولة الإيرانيين من تعقيد الروتين وشوائبه، فيرجع الفرق بين التجربتين إلى طبيعة البساطة والقبيلة في المجتمع اليماني، وطبيعة الوراثة الحضارية والتركيب في المجتمع الإيراني ) انتهى كلام الكوراني .
ويحق لنا التسائل :
هل من عاقل يصدق هذا الكلام ؟؟؟ فهل ادارة اليمن هي من النمط الاسلامي ؟؟؟ وهل هي دولة متطورة مثل دولة الخرساني (ايران) ؟؟؟ وهل يعتقد الكوراني بان اليمن هي دولة خالية من التعقيد والروتين وشوائبها ؟؟؟ وهل بلاد فارس لا تمتلك حضارة مثلما تمتلكها بلاد اليمن ؟؟؟ وهل البساطة والقبلية في المجتمع اليمني هي السبب لان يقود اليماني العالم من خلالها ؟؟؟
اترك الاجابة الى الاخوة والاخوات فهذا هو التخبط بعينه !!! فالشيخ الكوراني وقع في مأزق تحليله بان اليماني يظهر من اليمن فاراد ان يحل هذا المأزق فدس مقدمة غريبة بان التجربة في ايران تمثل الروتين والتعقيد فخلص الى نتيجة اغرب منها بان البساطة والقبلية في المجتمع اليمني هي السبب وراء نجاح ثورة اليماني الذي يشير الى ظهوره من اليمن !!! ومثل ما يقول المثل الدارج (اراد ان يكحلها فأعماها).
إن الباحث المنصف لا يضع آرائه الشخصية مقابل النص الصريح المروي عن رسول الله (ص) واهل بيته (ع) فجميع روايات اهل البيت تحدد لنا علائم الظهور والخروج ولم يتركوا صغيرة او كبيرة الا واشاروا أو نصوا عليها بحيث تتضح في وقتها كالشمس في رابعة النهار ومع ذلك ياتي بعض الكتاب ليحرف الجهة الحقيقية التي أمرنا أهل البيت (ع) بالالتحاق بها .
لقد اشار رسول الله (ص) الى كنوز تخرج من بلاد فارس تنصر ولده المهدي (ع) ولم يذكر لنا رسول الله (ص) واهل بيته (ع) اي دور لجيوش اليمن او قادة من اليمن ينصرون المهدي (ع) حال ظهوره بل حتى حال خروجه فكيف تسنى للشيخ الكوراني ولغيره التركيز على اليمن لمجرد ورود لفظ اسم اليماني فاخذوا الناس يمنياً وشمالاً.
يذكر لنا اهل البيت (ع) خروج ثلاث رايات رايات ثلاثة في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد :
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( خروج الثلاثة الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق ) البحار:52/210.
من خلال استعراض مضامين الرواية يتبين لنا عدة امور :
- · ان الخرساني والسفياني واليماني يخرجون _ كما اشرنا في الحلقة السابقة بان معنى الخروج اي الشروع بالقتال وبفارق زمني عن الظهور _ في سنة واحدة وفي شهر واحد ويوم واحد _ بمعنى ان المعركة الحاسمة بين جيوش السفياني من جهة وبين جيش الخرساني ومقاتلي اليماني من جهة اخرى تكون متزامنة مع بعضها وكما تشير رواية اخرى بانها نظام كنظام الخرز يتبع بعضها البعض الاخر.
- · الرواية تشير الى ثلاث رايات راية السفياني وهي راية ظالمة ضالة مضلة كما وصفها لنا رسول الله (ص) واهل بيته (ع) بالمقابل امرونا بالالتحاق براية اليماني لانها تمثل اهدى الرايات وهي راية القائم .
ومن خلال هذين النقطتين وجب علينا السؤال اذا كانت راية السفياني من الوضوح بانها ضلال وراية اليماني مأمورين بالالتحاق بها وهي راية الحق فماذا عن الراية الثالثة وهي راية الخرساني ؟
في الحقيقة ان كلام رسول الله (ص) واهل بيته (ع) واضح ولا شبهة فيه إلا ان بعضهم يرغب بولوج الشبهات لغاية في نفسه وابتغاء للفتنة قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (آل عمران:7)
والراسخون في العلم هم رسول الله (ص) واهل بيته (ع) ولا يوجد سواهم يقول بذلك الا اذا جحد حقهم وجحد علمهم (ع) وحسد فضلهم .
جاء في الكافي ج 1 ص 213 بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ قَدْ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ أُثْبِتَ فِي صُدُورِهِمْ
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ : نَحْنُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَ نَحْنُ نَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا (ع ) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فَرَسُولُ اللَّهِ (ص) أَفْضَلُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ قَدْ عَلَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ جَمِيعَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنَ التَّنْزِيلِ وَ التَّأْوِيلِ وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يُعَلِّمْهُ تَأْوِيلَهُ وَ أَوْصِيَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ يَعْلَمُونَهُ كُلَّهُ وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ إِذَا قَالَ الْعَالِمُ فِيهِمْ بِعِلْمٍ فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ الْقُرْآنُ خَاصٌّ وَ عَامٌّ وَ مُحْكَمٌ وَ مُتَشَابِهٌ وَ نَاسِخٌ وَ مَنْسُوخٌ فَالرَّاسِخُونُ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَهُ .
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع ) قَالَ : الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ (ع).
وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ .
فهم وحدهم عليهم السلام الراسخون في العلم وهم من يعرفوننا طريق النور من الظلام وقد اوردوا لنا روايات كثيرة توضح لنا العلامات والدلائل التي من خلال التمسك بها لن نضل أبدا، ولكن ماذا عسانا ان نقول وقد اخذ القوم بارائهم ووضعوها مقابل النصوص الصريحة التي وصلتنا عن رسول الله (ص) واهل بيته (ع) وهم لم يفعلوا ذلك الا لعلمهم بان الناس لا تراجع وراءهم.
ولنستعرض بعض الروايات التي تشير الى دور الخرساني ودور الرايات السود القادمة من بلاد المشرق والتي تنطلق من هناك لمحاربة السفياني القابع في العراق . وكل هذا سيكون في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى.
————————————————
(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 31/سنة 2 في 22/02/2010 – 18 ربيع الاول 1432 هـ ق)