أخبار سياسية منوعة

حكاية الإنتخابات والفدرالية ومجالس الإسناد

بعد أن ذهبت سكرة الإتفاقية الأمنية ، عادت فكرة الهموم القديمة تطرق الرؤوس ، فالجميع في مسرحية الأربعين حرامي يعلمون بأن الود المصطنع الذي رافق تصافقهم على تمرير الإتفاقية لايلبث حتى يتبخر في فضاء الكذبة الكبيرة التي يسمونها العراق الموحد .

وإذا كانت الإتفاقية قد جمعت إخوة على بابا ، فإن مجالس الإسناد قد فرقتهم ، وفي الخلفية دائماً الإنتخابات و فيدراليات كهرمانة الأربعين . فالإنتخابات على ما يبدو لا تتصالح مع فكرة مجالس الإسناد برأي الأربعين حرامي ، وليس السبب دائماً تناقض الفكرة مع أصل الديمقراطية كما قد يُظن ، بل السبب دائماً شئ آخر أقرب ما يكون الى التفسير الخاص الذي يفهمه أمراء الحكاية اللصوصية العراقية لمعنى الديمقراطية .

فالديمقراطية منذ اليوم الأول الذي لملم فيه بريمر ما سُمي بمجلس الحكم كانت تعني بحسب أمراء الطوائف خيمة تجمع الرؤوس المختلفة على أنها رؤوس مختلفة يُراد لها أن لا تلتقي ، وإنما تتصافق فحسب ، أي أن تُبقي التناطح على أنه عمق وجوهر التوافق الظاهري السطحي ، وهذا ما يدل عليه حضورهم على أنهم ممثلو الطوائف .

وبهذا المعنى الذي تترشح من خلاله نظرة أمراء الطوائف لمناطقهم على أنها إقطاعيات خاصة لا يُنازعون عليها يمكن فهم منشأ الصراع بين حزب الدعوة من جهة وحزب الحكيم من جهة أخرى ، فالحزبان المتصارعان يسعى كل منهما لإثبات أن صك الملكية استحقاق خاص له ، ويتبع في هذا السبيل وسائل الإثبات المتاحة له .

فإذا كان حزب الحكيم يركب حمار المرجعية ، ويلوح لجماهيره بضرورة اختيار مرشحيه لأن في اختيارهم تثبت الجماهير ولاءها والتفافها حول المرجعية ، وتتقي الإثم العظيم الذي سيظل يلاحقها الى يوم القيامة إن هي انتخبت غيرهم ، هذا على أية حال ما سمعته بالأمس من قناة الفرات التي تخصص وقتاً كبيراً هذه الأيام لنقل أخبار اللقاءات المباركة (كذا) للوفود التي يرسلها هذه الأيام حزب الحكيم للقاء بالعشائر ، وهو كما هو واضح مسعى ملتو لتأسيس مجالس إسناد ذات طبيعة سياسية ، ولحسن الحظ لا تنسى قناة الفرات ذكر الهدايا التي توزع في ختام كل لقاء ؛ سواء كانت هذه الهدايا مصدرها عادل عبدالمهدي أو مؤسسة شهيد المحراب ، أقول إذا كان حزب الحكيم ينتهج هذه السبيل ، فإن حزب المالكي الذي لا يملك الكثير من العمائم ذات الكاريزمات كما هو شأن حزب الحكيم يرى في تأسيس مجالس إسناد على طريقة أهل الأنبار وسيلة مثمرة لتحقيق مآربه التملكية .

والحق إن حزب الحكيم لا يخشى من خطوة المالكي هذه في بعدها الإنتخابي حسب ، فالحزب كما سبق القول يؤسس هو بدوره مثل هذه المجالس ، ولكن بطريقة تختلف عن الطريقة العسكرية التي يتبعها المالكي ؛ طريقة جوهرها الولاء للمال والهوس السيستاني ، إن ما يخشاه حزب الحكيم بدرجة أكبر هو أن تتحول مجالس المالكي من مسمار جحا يثبت عائدية بساتين الجنوب لحزب المالكي الى مسمار في نعش الفدرالية التي يموت عبدالعزيز وفي نفسه شئ منها . وهذا الهم الأخير يشترك فيه مع حزب الحكيم حزبا البرزاني والطالباني ، فإذا كانت المجالس الجنوبية تثقل إنتخابياً كفة قائمة دولة القانون المالكية وترجح بالنتيجة كفة المركز على حساب حلم الفيدراليات الكهرمانية ، فإنها بحساب الأحزاب الكردية تنطوي على محذور آخر يتمثل بخلق مراكز قوى كردية ( عشائرية دائماً ) تنافس التفرد الصارخ للحزبين المشار إليهما .

وإذا كانت كرة الثلج تتضخم كلما اتسعت حركتها فإن الواقع السياسي العراقي ليس سوى جليد يغطي كامل المساحة العراقية ، والحجر المتحرك لابد أن ينتج كرته الجليدية التي لابد لها أن تتضخم وتطال المنطقة السنية التي ستختلف بدورها حول موقف المالكي وخصومه من مجالس الإسناد والفيدرالية ، وستكون وثيقة المصالحة على المحك ومعها أطماع الأحزاب السنية والعشائر الإسنادية ، وفي هذه الحالة من المتوقع تماماً عودة نفق الألف ليلة وليلة المظلم الذي سيجعل من العراق مثلثات موت حمراء .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى