انتهينا إلى الأمر الثالث من الأمور التي أوردناها على القول الأول المتقدم في الحلقات السابقة الذي يفسر أهل البيت في آية التطهير بنساء النبي .
الأمر الثالث: احتجاج أهل البيت وغيرهم بآية التطهير.
قد احتج الأئمة الطاهرين وغيرهم بآية التطهير، وبينوا المراد من لفظ أهل البيت الوارد فيها في محاججات كثيرة وأنه مختص بأصحاب الكساء والأئمة المعصومين ، في الوقت الذي لم يحتج بها أحد من نساء النبي ، وإليك بعض تلك الاحتجاجات:
احتجاج الإمام علي (ع) :
فقد احتج أمير المؤمنين (ع ) في مواطن عديدة، فقد احتج ، على أبي بكر، فقال ع : فأنشدك بالله ألي ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل بيتك؟. قال: بل لك ولأهل بيتك. (الخصال للصدوق: ص 550).
واحتج على جملة من الصحابة منهم أبي الدرداء وأبي هريرة فقال: يا أيها الناس أتعلمون أن الله أنزل في كتابه : ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، فجمعني رسول الله وفاطمة وحسناً وحسيناً في كساء واحد ثم قال: اللهم هؤلاء أحبتي وعترتي وثقلي وخاصتي وأهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
فقالت أم سلمة : وأنا؟ فقال لها: وأنت إلى خير، إنّما أنزلت في وفي أخي علي وفي ابنتي فاطمة وفي ابني حسن وحسين وفي تسعة من ولد الحسين خاصة ليس فيها معنا أحد غيرنا. فقام جل الناس فقالوا: نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك، وسألنا رسول الله فحدثنا كما حدثتنا أم سلمة. (كتاب سليم بن قيس: ص200).
واحتج على الصحابة أيضاً يوم الشورى قال u: أنشدكم الله هل فيكم أحد أنزل الله فيه آية التطهير على رسوله : ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾، فأخذ رسول الله كساءً خيبرياً فضمني فيه وفاطمة والحسن والحسين u ثم قال: يا رب هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً غيري؟ قالوا: اللهم لا. (الخصال للصدوق: ص561 ، بحار الأنوار : ج31/ ص326).
احتجاج الإمام الحسن (ع) :
فقد روي احتجاجه بآية التطهير في مواطن:
منها: احتجاجه بعد الصلح، كما روى ذلك ابن الأثير في كتابه أسد الغابة، قال: ولما بايع الحسن معاوية خطب الناس قبل دخول معاوية الكوفة فقال: أيها الناس إنّما نحن أمراؤكم وضيفانكم ونحن أهل بيت نبيكم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وكرر ذلك حتى ما بقى الامن بكى حتى سمع نشيجه. .)(أسد الغابة:ج2/ص14.ورواه باختلاف يسير في مجمع الزوائد:ج9/ص172، والمعجم الكبير:ج3/ص93، وغيرها).
ومنها: احتجاجه على عمرو بن العاص، قائلاً: (إياك عني فإنك رجس ونحن أهل بيت الطهارة أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيراً)(شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج16/ص28).
احتجاج الإمام الحسين (ع) :
قال ع لمروان بعد رفضه بيعة يزيد: (إليك عني فإنك رجس وإني أهل بيت الطهارة قد أنزل الله تعالى فينا: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ فنكس مروان رأسه ولم ينطق) (مقتل الحسين للخواوزمي: ج1/ ص 185، كتاب الفتوح: ج5/ص17).
احتجاج الإمام زين العابدين (ع):
وهو ما اشتهر عنه u مع شيخ دمشق قال له: هل قرأت هذه الآية: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾؟ قال: نعم، قد قرأت ذلك. قال ع: فنحن أهل البيت الذين خصصنا بآية الطهارة يا شيخ. (الله وف على قتلي الطفوف: ص103، بحار الأنوار: ج45/ص129).
احتجاج العقيلة زينب :
قالت لابن زياد: (الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد وطهرنا من الرجس تطهيراً)(الإرشاد للمفيد: ج2/ ص 115).
احتجاج ابن عباس:
قال في حديث طويل إلى أن يقول: وأخذ رسول الله ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾(مسند احمد: ج1/ص331، مستدرك الحاكم: ج3/ص133، مجمع الزوائد: ج9/ص119، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ص63، تاريخ مدينة دمشق: ج42/ص100، العمدة: ص 35 و86 ، ذخائر العقبى: ص87، وغير ذلك).
احتجاج سعد بن أبي وقاص:
أخرجه مسلم في صحيحه، عنه قال : قال رسول الله لعلي ثلاثاً لأن تكون لي واحدة أحب إلي من حمر النعم …..: ولما نزلت هذه الآية: ﴿ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ ﴾ دعا رسول الله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي. (صحيح مسلم: ج 7/ص 120، شواهد التنزيل:ج3/ص34).
احتجاج واثلة بن الأسقع:
فعن شداد أبي عمار، قال: دخلت على واثلة وعنده قوم فذكروا علياً فشتموه فشتمته معهم فلما قاموا قال: شتمت هذا الرجل؟ قلت: رأيت القوم شتموه فشتمته معهم. قال: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله؟ قلت: بلى. قال أتيت فاطمة أسألها عن علي فقالت: توجه إلى رسول الله فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله ومعه علي وحسن وحسين أخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل، فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه أو كساء، ثم تلا هذه الآية: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق. (مسند احمد: ج4/ ص 107، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني:ج 2 / ص 67).
فجميع هذه الاحتجاجات تشهد بأن المراد من أهل البيت هم أصحاب الكساء الخمسة لا نساء النبي .
ونكتفي في هذه الحلقة بهذا القدر، والحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً كثيراً.
——————————
(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 11/سنة 2 في 05/10/2010 – 26 شوال 1431هـ ق)