العوامل التي ساعدت على انتشار الفكر الوهابي
هناك عاملان أساسيان ساعدا في نشر الوهابية في أوساط أبناء الجزيرة العربية، هما:
1. الدعم السياسي والعسكري من قبل أُسرة آل سعود.
2. بعد المجتمع النجدي عن الحضارة والمفاهيم الإسلامية الحقّة.
وممّا لا ريب فيه أنّ كلّ نظرية جديدة ـ وخاصة إذا كانت تتستر بستار التوحيد وترفع شعار الإصلاح ـ تجتذب إليها الكثير من الأعوان والمؤيدين والأنصار في أيّامها الأُولى وتنفذ إلى قلوب الكثير من الناس، وخاصة إذا طرحت في أوساط بعيدة عن العلم والمعرفة، ومن الملاحظ أنّ حركة محمد بن عبد الوهاب
قد حصلت على هاتين الخاصيتين: التظاهر بالدفاع عن التوحيد والإصلاح في المجتمع، والثاني طرحها في أجواء بعيدة عن العلم والمعرفة، ممّا ساعدها على إغفال واستقطاب الكثيرين.
يقول جميل صدقي الزهاوي: لما رأى ابن عبد الوهاب أنّ قاطبة بلاد نجد بعيدون عن عالم الحضارة، لم يزالوا على البساطة والسذاجة في الفطرة، وقد ساد عليهم الجهل حتّى لم تبق للعلوم العقلية عندهم مكانة ولا رواج، وجد هنالك من قلوبهم ما هو صالح لأن تزرع فيه بذور الفساد ممّا كانت نفسه تنزع إليه وتمنّيه به من قديم الزمان، وهو الحصول على رئاسة عظيمة ينالها باسم الدين ـ إلى أن قال: ـ فلم يجد للحصول على أُمنيته طريقاً بين أُولئك، إلاّ أن يدّعي أنّه مجدِّد في الدين، مجتهد في أحكامه.(الفجر الصادق:14)
بل انّ شعارات الحركة الوهابية انطلت على بعض الشخصيات أيضاً، فقد انخدع بها السيد محمد بن إسماعيل الأمير (1099ـ 1186هـ) مؤلف كتاب «سُبُل السلام في شرح بلوغ المرام» فإنّه لمّا بلغه ـ في اليمن ـ من أحوال الشيخ النجدي ودعوته إلى التوحيد، تفاعل مع الحدث، فأنشأ قصيدته المشهورة والتي كان مطلعها:
سلام على نجد ومن حلّ في نجد *** وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
ثمّ حقّق الأحوال من بعض من وصل إلى اليمن ووجد الأمر على عكس ما روي له، فأنشأ يقول في قصيدة ثانية تائباً عمّا قاله أوّلاً:
رجعت عن القول الذي قلت في نجد *** فقد صحّ لي عنـه خلاف الذي عندي
وقد صرّح بسبب توبته ومغالاته في التوّهب، حيث قال: وقد قدم إلينا الشيخ الفاضل عبد الرحمن النجدي، ووصف لنا من أحوال ابن عبد الوهاب أشياء أنكرناها عليه من سفك الدماء ونهب الأموال والتجرّي على قتل النفوس، ولو بالاغتيال، وتكفيره الأُمّة المحمديّة في جميع الأقطار، فبقي فينا تردّد فيما نقله ذلك الشيخ، حتى قدم إلينا الشيخ «مربد» وله نباهة ومعه بعض رسائل ابن عبد الوهاب التي جمعها في وجه تكفير أهل الإيمان، وقتلهم ونهبهم وحقّق لنا أحواله، فعرفنا أحوال رجل عرف من الشريعة شطراً ، ولم يمعن النظر، ولاقرأ على من يهديه نهج الهداية، ويدلّه على العلوم النافعة ويفقهه، بل طالع بعض مؤلّفات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وقلّدهما من غير إتقان مع أنّهما يحرمان التقليد.(كشف الارتياب:8).
مقارنة بين الوهابية والخوارج:
يجد الباحث في البدع التي جاء بها الوهابيون ما يجعله يستذكر الخوارج لشدّة المشابهة بين الإثنين، وهذا بعض ما استحضرني من أوجه الشبه بعد المقارنة:
الأول: من المعروف أنّ الخوارج انفردوا بقولهم أن مرتكب الكبيرة كافر، فراحوا يكفرون الكثير ممن يشهدون الشهادتين لكونهم ارتكبوا ذنوباً كبيرة، والله فتح باب التوبة لجميع خلقه ولم يغلقه يوماً إلاّ أن الناس هي من أزرت بأنفسها ولم ترجع لربها…
وهكذا شذ الخوارج فراحوا يكفرون المسلمين، وكذلك الفرقة والحركة الوهابية السلفية أخذت تكفر المسلمين على ما اعتبروه – أي الوهابية- ذنباً يخّرج صاحبه عن ربقة الإسلام، كالزيارة لقبور الصالحين والتوسل بهم وغير ذلك.
وكان الخوارج يحكمون على دار الإسلام عند ظهور الكبائر فيها بأنها دار حرب، فتهدر دمائهم وأموالهم.
وهذا الأمر نفسه نجده اليوم عن الوهابيين فهم يحكمون على دار الإسلام بالكفر وإن كان أهلها من أعبد الناس وأتقاهم، كل ذلك لأنهم يقولون بالشفاعة وغيرها من الأمور الأخرى التي يعدها الوهابيون ذنباً يخرج به صاحبه عن الإسلام.
بل ربما أنّ الوهابيون أشد خطراً من الخوارج؛ وذلك لأنّ الخوارج كفّرت صاحب الكبيرة بعد ثبوتها عند المسلمين بعنوان كونها كبيرة، فمن فعلها يعد كافراً عندهم، لكن الوهابية اليوم كفروا المسلمين على أمور لم تثبت عدم جوازها في الإسلام، بل كان المسلمون يقرّونها ويعملون بها الصحابة والتابعين بعنوان كونها مستحبة كزيارة القبور مثلاً.
الثاني: امتاز الخوارج وهم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب u بجمودهم على ظواهر النصوص القرآنية أو الروائية، فنجدهم يرددون قوله سبحانه ( لا حكم إلاّ لله ) متوهمين على أن هذا ينافي التحكيم في الخصومات الذي أقرّه القرآن الكريم في آياته البينات.
وكذلك نجد الوهابية اليوم عندما يرددون ( إياك نعبد وإياك نستعين ) يجمدون على ظاهرها ويتوهمون أنها تنافي الشفاعة التي صرّحت بها الآيات الأخرى، وكأنهم يريدون القول ( لا شفاعة إلاّ لله )!!
فالإثنين جمدوا على ظواهر النصوص ولم يعرفوا لغة القرآن ولم يستطيعوا التعرّف عليه، و التوفيق بين آياته، وليس عندهم سوى القشور والمظاهر الخالية من اللب والواقعية الإسلامية. انتهيت
الوهابيون والعتبات المقدّسة:
لقد مثّلت المجازر الوهابية في العتبات المقدّسة صفحة سوداء من تاريخ الوهابية، وقد اعترف بهذه الحقيقة المرّة الكاتب الوهابي صلاح الدين المختار حيث قال: وفي سنة 1216هـ جهّز سعود بن عبد العزيز بن محمد جيشاً جراراً من أعراب نجد وعشائر الجنوب والحجاز وتهامة وسائر البلاد، فقصد العراق فوصل في شهر ذي القعدة إلى مدينة كربلاء فحاصرها، فهدم برج المدينة ومنارتها ودخل المدينة بالعنوة، وأعمل السيف فيهم، فقتل من وجد في الأسواق والشوارع والبيوت، وترك المدينة عند الظهر بعد أن استولى على الأموال والغنائم الكثيرة، وتوقّف ليستريح في أرض يقال لها«الأبيض»، فأخرج خمس الغنائم له ثمّ قسّم الباقي على المقاتلين سهم للراجل وسهمان للفارس.(تاريخ المملكة السعودية:ج3/73).
وهكذا نقل لنا الكاتب كوران سيز وصف تلك الواقعة حيث قال: وقد جرت العادة أن يحتفل الشيعة كلّ عام بعيد الغدير في يوم الغدير في النجف الأشرف، فخرج أهالي كربلاء عن بلدتهم، فانتهز الوهابيون فرصة غيابهم عن البلدة واقتحموها، وهم حوالي اثنا عشر ألف جندي، ولم يكن في البلدة إلاّ عدد قليل من الرجال المستضعفين، قتلهم الوهابيون ولم يبقوا أحداً منهم حيّاً، ويقدّر عدد الضحايا خلال يوم واحد بثلاثة آلاف. وأمّا السلب فكان فوق الوصف، ويقال: إنّ مائتي بعير حمّلت فوق طاقاتها بالمنهوبات الثمينة، فقد استولى الوهابيون على كلّ الكنوز والأموال الثمينة، وجرّدوا القبة من صفائح النحاس المطلية بالذهب.(تاريخ البلاد العربية:ص126).
وإليكم تفصيل الواقعة التي حدثت في سنة 1216 ه المصادف 1801 م وقيل:22/نيسان/1802 ، في يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجة الحرام.
يقول الدكتور السيد عبد الجواد الكليدار في كتابه : تاريخ كربلاء نذكره حرفيا: الحائر والهدم والحرق والنهب والقتل على يد الوهابيين في 18 ذي الحجة سنة 1216 . إن أعظم فاجعة بعد واقعة الطف مرت على كربلاء في التاريخ ، هي غزو الوهابيين لها في عام 1216 ، تلك الفاجعة التي لا تزال تردد صداها البلاد الإسلامية والأوربية معا ، فأسهب في فظاعتها المؤرخون من مسلمين وأوربيين . . . فعدوها وقعة طف ثانية في التاريخ . . . فندع المجال أولا للأوربيين . . فنعطي دور الكلام أولا للمستر ستيفن هميسلي ، لو نكريك الإنكليزي أن يتكلم أمام المرأى العام العالمي والتاريخ بصراحته وحريته . . . يقول في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق : لم تكن أعراب نجد تختلف في العقيدة والمذهب عن بقية المسلمين إلى أواخر القرن الثاني عشر الهجري حين نشر بينهم محمد بن عبد الوهاب تعاليمه الجديدة التي جاءت موافقة لميول أمة بدوية تعيش على الفطرة معتمدة على الغزو في معيشتها ، ولاقت قبولا حسنا من محمد بن سعود أميرهم ، وقد تلقى محمد بن عبد الوهاب دروسه في كليات بغداد الدينية ، فأتيح له أن يجلب الأخطار العظيمة على هذه البلاد التي أقام فيها ، وانتقل من بغداد إلى المدينة ثم إلى عوينة في نجد . . إلى أن يقول : على أن الفاجعة الكبرى كانت على قاب قوسين أو أدنى ، تلك الفاجعة التي دلت على منتهى القسوة والهمجية والطمع الأشعبي ، واستعملت باسم الدين ، وأن الجيوش الوهابية تحركت للغزو المختص بالربيع . . . انتشر خبر اقتراب الوهابيين من كربلاء عشية اليوم الثاني من نيسان 1801 عندما كان معظم سكان البلدة ( كربلاء ) في النجف يقومون بالزيارة ، فسارع من بقي في المدينة لإغلاق الأبواب ، غير أن الوهابيين وقد قدروا بستمائة هجان وأربعمائة فارس ، نزلوا فنصبوا خيامهم وقسموا قوتهم إلى ثلاثة أقسام ، وفي ظل أحد الخانات ( من ناحية محلة باب المخيم فتحوا ثغرة في السور فدخلوا أحد الخانات فجأة ) هاجموا أقرب باب من أبواب البلد ، فتمكنوا من فتحه عسفا ودخلوا ، فدهش السكان وأصبحوا يفرون على غير هدى ، أما الوهابيون الخشن فقد شقوا طريقهم إلى الأضرحة المقدسة وأخذوا يخربونها ، فاقتلعت القصب المعدنية ، والسياج ثم المرايا الجسيمة ، ونهبت النفائس والحاجات الثمينة من هدايا الباشوات والأمراء وملوك الفرس وكذلك سلبت زخارف الجدران وقلع ذهب السقوف ، وأخذت الشمعدانات والسجاد الفاخر ، والمعلقات الثمينة ، والأبواب المرصعة وجميع ما وجد من هذا الضرب ، وقد سحبت جميعها ونقلت إلى الخارج . وقتل زيادة على هذه الأفاعيل قراب خمسين شخصا بالقرب من الضريح ، وخمسمائة أيضا خارج الضريح في الصحن ، أما البلدة نفسها فقد عاث الغزاة المتوحشون فيها فسادا وتخريبا ، وقتلوا من دون رحمة جميع من صادفوه ، كما سرقوا كل دار ، ولم يرحموا الشيخ ولا الطفل ، ولم يحترموا النساء ولا الرجال ، فلم يسلم الكل من وحشيتهم ولا من أسرهم ، ولقد قدر البعض عدد القتلى بألف نسمة ، وقدر الآخرون خمسة أضعاف ذلك ، عدا الجرحى . إلى آخر ما ذكره المؤرخون من فجائع هذه الطائفة الوحشية القاسية الظالمة . (نقلاً عن البراهين الجلية – السيد محمد حسن القزويني الحائري – ص 6 – 8).
وقد أرخ الشيخ محمد السماوي هذه الحادثة بأرجوزة شعرية ، فقال :
فشد لا يثني هواه الثاني * ومزق الكتاب والمثاني
وهدم الشباك والرواقا * واستلب الحلي والأعلاقا
وقتل النساء والأطفالا * إذ لم يجد في كربلاء رجالا
لأنهم زاروا الغدير قصدا * فأرخوه بغدير عدا
وعادوا الغارة على كربلاء في عام 1807م إلاّ أنهم لم يفلحوا بسبب تحصين المدينة من قبل أهلها.
وقد يتصوّر البعض أنّ الاعتداء والغزو الوهابي اختصّ بالشيعة فقط وأنّ باقي المسلمين كانوا في مأمن ومنأى عن تلك التجاوزات والغارات، وهذا في الواقع تصوّر ساذج بعيد عن الواقع، بل الحقيقة أنّ الظلم الوهابي شمل كافّة المسلمين ولم ينج منهم سكان البلاد الإسلامية الأُخرى كالحجاز والشام واليمن، و …، ولا ريب أنّ استقصاء تلك الوقائع و الاعتداءات على بلاد المسلمين يحتاج إلى تأليف مفرد، ولذلك سنكتفي بذكر بعض النماذج فقط. للبحث تكملة ستأتي.