نستكمل في هذا القسم ما سبق أن بدأناه في القسم الثاني من عرض لكلمات العلماء في دلالة توقيع السمري، التي تدل على أن التوقيع متشابه.
قال الشيخ علي الخاقاني :
( وروى إبراهيم بن هشام قال كنت في مدينة السلام في السنة التي توفى فيها علي بن محمد السمري فحضرته قبل وفاته بأيام فاخرج إلى الناس توقيعا نسخته ” بسم اللّـه الرحمن الرحيم ، يا علي بن محمد السمري أعظم اللّـه اجر اخوتك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع امرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور الا بعد اذن اللّـه تعالى ذكره – وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلب وامتلاء الأرض جورا وسيأتي بعدي من شيعتي من يدعى المشاهدة الا فمن يدعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة الا باللّـه العلي العظيم قال : فانتسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه فقيل له : من وصيك ؟ فقال : لله أمر هو بالغه ، وقبض رحمه اللّـه – وهو آخر كلام سمع منه رضي اللّـه عنه وأرضاه فكانت الغيبة الصغرى أربعا وسبعين سنة ثم وقعت بعد ذلك الغيبة الكبرى التي نحن فيها نسأل اللّـه جل شانه ونضرع إليه أن يعجل فرجه وفرجنا به ولعل ما نفاه – عليه السلام من دعوى المشاهدة وان المدعى كذاب مفتر إنما هو دعوى المشاهدة متى شاء على الاستمرار كما كان للأبواب الأربعة مخافة الانتحال لجمع الأموال لا ما قد يقع لبعض الصلحاء الأبرار أو المتحيرين في القفار من المشاهدة بعض الأحيان مع المعرفة له صلوات اللّـه عليه وعلى آبائه أو بدونها. قال الشيخ رحمه اللّـه وقد كان في زمن السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل )[ رجال الخاقاني : ص 177 – 178].
وهنا نصادف توجيهاً جديداً لدلالة التوقيع يختلف عن كل ما تقدم، وفيه أن التكذيب يقع على من يدعي المشاهدة (متى شاء على الاستمرار كما كان للأبواب الأربعة مخافة الانتحال لجمع الأموال لاما قد يقع لبعض الصلحاء الأبرار أو المتحيرين في القفار من المشاهدة بعض الأحيان مع المعرفة له صلوات اللّـه عليه وعلى آبائه أو بدونها ). أقول يفهم من كلام الشيخ الخاقاني إنه لا يرى ضيراً حتى في ادعاء السفارة إن كانت بنحو مختلف عن المعروف في الغيبة الصغرى ؛ أي سفارة لا تكون المشاهدة فيها (متى شاء على الاستمرار ) كما عبر.
ويقول الأربلي :
( قال الفقير إلى اللّـه تعالى علي بن عيسى أثابه اللّـه وعفا عنه: إن قال قائل كيف يقول الطبرسي رحمه اللّـه تعالى إنا لا نقطع على أن الإمام لا يصل إليه أحد إلى آخره ويلزمه القطع بذلك لأنه قال قبل هذا بقليل فيما حكاه عن توقيعاته عليه السلام ” فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر” والذي أراه انه إن كان يراه أحد فقد علم منهم أنهم لا يدعون رؤيته ومشاهدته وان الذي يدعيها كذاب فلا مناقضة إذا واللّـه أعلم )[ كشف الغمة : ج 3 ص 347].
المشاهدة المنفية بحسب الاربلي إذن هي تلك التي يذيع الشخص خبرها دون سواها. وهي هنا مطلق الرؤية البصرية كما لا يخفى، لا خصوص المقترنة بادعاء السفارة .
وقال العلامة المجلسي :
( وفي خبر علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي المروي في إكمال الدين وغيبة الشيخ ومسند فاطمة لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري وفي لفظ الأخير أنه قال له الفتى الذي لقيه عند باب الكعبة ، وأوصله إلى الإمام عليه السلام : ما الذي تريد يا أبا الحسن ؟ قال : الإمام المحجوب عن العالم ، قال : ما هو محجوب عنكم ولكن حجبه سوء أعمالكم . الخبر.
وفيه إشارة إلى أن من ليس له عمل سوء فلا شئ يحجبه عن إمامه عليه السلام وهو من الأوتاد أو من الأبدال ، في الكلام المتقدم عن الكفعمي ، رحمه اللّـه )[ بحار الأنوار : ج 53 ص 321].
أقول وهذا توجيه جديد للعلامة المجلسي مفاده أن المشاهدة المنفية هي مطلق الرؤية البصرية لا خصوص المقترنة بادعاء السفارة كما سبق منه ، ولكنه قصر النفي هنا على من كانت أعماله سيئة تحجب عنه رؤية الإمام ع .
وقال المحقق النهاوندي في كتابه ( العبقري الحسان ) :
( لا معارضة بين توقيع السمري وقصص اللقاءات حتى يحتاج إلى الجمع ، لان التوقيع الشريف بصدد منع دعوى الظهور العلني للإمام ، وذكر المشاهدة في التوقيع بمعنى الظهور والحضور كما في الآية ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾.
والقرينة على المعنى أمران : الأول قوله ع : فلا ظهور إلا بعد الهرج والمرج، والفتنة والفساد . والثاني قوله ع ألا من ادعى المشاهدة – أي الظهور ، ظهور الإمام ع – قبل خروج السفياني والصيحة من علامات الظهور ، وعلى هذا لا تعارض أبداً بين التوقيع الشريف وبين الحكايات … ) .
أقول كلام المحقق النهاوندي يصرف المراد من المشاهدة إلى وجهة مختلفة، فالمشاهدة بحسبه يراد منها الظهور، ويستدل لهذا المعنى بالآية الكريمة ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾. أي من كان حاضرا في بلده غير مسافر وحل عليه شهر رمضان فيجب عليه الصوم ، فمن شهد الشهر إذن يعني من كان الشهر ظاهراً له. ويقوي هذا المعنى بقرينتين يذكرهما في كلامه ، وكلامه على أي حال أكثر متانة من كل ما سبقه.
وعلق السيد الشهيد الصدر (رحمه اللّـه) على هذا التوقيع الشريف تعليقاً طويلاً ننقل منه مقدار الحاجة، قال :
( إذن مدعي المشاهدة كاذب مزور في خصوص ما إذا كان منحرفاً ينقل أموراً باطلة عن الإمام المهدي ع . وأما فيما سوى ذلك فلا يكون التوقيع الشريف دالاً على بطلانه . سواء نقل الفرد عن المهدي أموراً صحيحة بحسب القواعد الإسلامية أو محتملة الصحة على اقل تقدير ، أو لم ينقل شيئاً على الإطلاق ).
وقال رحمه اللّـه في موضع آخر :
( إذن فقد تحصل من كل ذلك أن الإشكال الذي ذكروه غير وارد على التوقيع ولا على أخبار المشاهدة وانه بالإمكان الأخذ به وبأخبار المشاهدة ولا يجب تكذيبهما إلا ما كان قائماً على الانحراف والخروج عن الحق…)[ الغيبة الصغرى : ص654].
السيد الصدر إذن يرى التكذيب منصرفاً لخصوص الشخص المنحرف الذي ينقل أموراً باطلة .
( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 4 )