زاوية العقائد الدينيةعقائد السنةعقائد الشيعة

هل خليفة الله (ع) ياتي بكل العلوم الدنيوية؟ القسم 1

((وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً * قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا)) [الإسراء 94 ـ 96 ]

ما الذي يمنع الناس أن يؤمنوا بالحق وصاحب الحق لما يأتي؟ هل لان الأمر مشتبه عليهم؟ هل لظلم في ساحة الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا؟ هل لان صاحب الحق المرسل لم يبين لهم وحاشاه؟ ما هو السبب؟

الجواب واضح في الآية كل الوضوح لمن يريد ان يتدبر وينصف نفسه ((قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً)) !!  يعني أن المانع الأساسي للإيمان هو كون خليفة الله بشرا مثلهم! وهم يتوقعون من صاحب الحق ان يقهرهم  بشيء خارق بمعجز مادي مثلا او ان يعلم كل العلوم الدنيوية او يعلم كل الغيب…الخ

وهنا السؤال: هل المعصوم ـ نبي أو إمام أو خليفة الله عموما ـ لا بد أن يكون خارقا للعادة في كل شيء؟ هل يجب أن يأتي بجميع العلوم الدنيوية مثلا؟

ثم كيف كان خلفاء الله (ع): آدم (ع) ونوح (ع) وإبراهيم (ع) وموسى (ع) وعيسى (ع) ومحمد (ص) وعلي (ع) والحسن والحسين (ع)…وما هي العلوم التي أتوا بها وأظهروها للناس كي يحتجوا بها؟!

قال الله سبحانه وتعالى:

(وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً) (الفرقان: 20)

وأمر سبحانه وتعالى حبيبيه محمد (ص) سيد المرسلين وسيد الخلق طرا أن يبين الجواب الحق فقال: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف: 110]

نجد في سيرة وقصص الأنبياء وأيضا الأئمة عليهم السلام جواب الاسئلة المتقدمة واضح وجلي:

  • ·        سليمان لا يعلم موضع الماء:

هذا حجة الله وخليفة الله سليمان عليه السلام مفترض الطاعة من الله وغضب لافتقاده الهدهد لأنه كان يعرف موضع الماء ولم يكن يعرفه سليمان (ع)! {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } النمل (20-22)

  • ·        رسول الله محمد (ص) تعلم التجارة من عمه:

ورسول الله محمد (ص) هو سيد الخلق فقد تعلم التجارة من عمه أبو طالب (ع) ومن قريش والأمر أشهر من نار على علم!

  • ·        الامام علي (ع) يقول انه اعلم بطرق السماوات وليس بالعلوم الدنوية:

وأيضا نجد في الخبر  الإمام علي (ع) يقول أنا اعلم طرق السماء ويطلب من الناس سؤاله عن طرق السماء ولم يقل لهم أسألوني عن طريق الشام أو الطب أو الهندسة!

  • ·        الحسن والحسين (ع) يستدعيان طبيب لعلاج الامام علي (ع):

والحسن والحسين عليهما السلام لا يعرفان الطب ويستدعيان طبيبا لعلاج علي (ع) لما ضربه الملعون ابن ملجم:

أخرج أبو الفرج الأصفهاني في (مقاتل الطالبيين) بإسناده عن أبي‏ مخنف، قال:حدثني عطية بن الحرب،عن عمر بن تميم، وعمرو بن أبي بكار: أن عليا (عليه السلام) لما ضرب جمع له أطباء الكوفة، فلم يكن منهم أحد أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السكوني، وكان متطببا صاحب كرسي يعالج الجراحات، و كان من الأربعين غلاما الذين كان خالد بن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم، وإن أثيرا لما نظر إلى جرح أمير المؤمنين (عليه السلام)، دعا برئة شاة حارة،و استخرج عرقا منها فأدخله في الجرح،ثم استخرجه فإذا عليه بياض ألدماغ، فقال له: يا أمير المؤمنين، اعهد عهدك فإن عدو الله قد وصلت ضربته إلى أم رأسك، فدعا علي (عليه السلام) عند ذلك بصحيفة ودواة كتب وصيته. مقاتل الطالبيين (ص) 23، و في شرح ابن أبي الحديد ج 6 (ص) 119 مع اختلاف يسير

إذا الإمام الحسن والإمام الحسين (ع) كانا لا يعرفان الطب واستدعيا طبيبا لعلاج علي (ع) ولا يمكن أن يكونا عليهما السلام يعرفان الطب ولو كانا يعلمان الطب فاستدعائهما الطبيب لعلاج علي (ع) يكون عبث منهما وحاشاهما من العبث!

وهذه فقط بعض الأمثلة وإلا فالقرآن والسنة الصحيحة فيهما الكثير الذي يبين أن خليفة الله (ع) لا يأتي بكل العلوم الدنيوية.

ولو كان خليفة الله (ع) في زمن من الأزمنة يأتي بعلم الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء والجينات والصواريخ و….. لكان هذا اكبر معجزة قاهرة والله سبحانه وتعالى لا يقبل الإيمان بعد المعجزة القاهرة وإلا لكان قبل إيمان فرعون بعد أن رأى المعجزة القاهرة ولمسها بيده!

ومن القرآن وروايات آل محمد (ع) نعرف ان خليفة الله (ع) لما يأتي يسأل عن الكتب السماوية والعلم الإلهي سواء في العقيدة أو في الأحكام والشرائع والمعرفة بالحلال والحرام وإحكام المتشابه:

عن الحرث بن المغيرة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: بم يعرف صاحب هذا الأمر؟ قال:  بالسكينة والوقار والعلم والوصية.  بصائر الدرجات- محمد بن الحسن الصفار (ص) 509.  وعن أبي الجارود قال قلت لأبي جعفر (ع): (إذا مضى الإمام القائم من أهل البيت فبأي شي‏ء يعرف من يجي‏ء بعده قال: بالهدى والإطراق وإقرار آل محمد له بالفضل ولا يسأل عن شي‏ء بين صدفيها إلا أجاب) غيبة النعماني ص242. وكذلك ورد عن الإمام المهدي (ع) توقيع بخصوص أحد مدعي السفارة، بين فيه عما يسأل من يدعي العصمة وخلافة الله قال (ع) :(… وقد ادعى هذا المبطل على الله الكذب… فما يعلم حقاً من باطل، ولا محكم من متشابه… الى أن يقول: فالتمس تولى الله توفيقك من هذا ما ذكرت لك وامتحنه، واسأله عن آية من كتاب الله يفسرها) (إلزام الناصب / ج1: 187).

فالله سبحانه وتعالى لم يأمرنا أن نسال من يدعي خلافة الله او الحجية عن علم الرياضيات أو الفيزياء أو الطب أو أو أو….نعم ربما يظهر خليفة الله (ع) أو الإمام (ع) علم بعض العلوم الدنيوية إن كان لله فيها حاجة للدلالة  أو مصلحة أو هداية احد من الخلق ولكن يبقى هذا الأمر خاص وليس هو المعتاد وتقديره راجع إلى الله سبحانه وتعالى وليس للمكلفين أن يفرضوا عليه أو يقترحوا عليه ما يظهره أو لا!

والحقيقة ان من يطلب من خليفة الله (ع) أن يأتي بعلم كل شيء هو ربما كالذي يطلب معجزة مادية قاهرة أو أسوء حالا لان العلم بكل شيء هو اكبر معجز!

والروايات تنص على ان نفي الزلل والخطأ عن المعصوم (ع) انما هو في سياسة الخلق أي هدايتهم الى الحق، فلا يخطأ ولا يزل وأما في غير ذلك فراجع إلى مشيئة الله تعالى.

كذلك من يقول ان خليفة الله (ع) او الامام (ع) يجب ان يكون عنده علم الغيب حاضر كله عنده فهذا الشخص يجب عليه ان يصحح اعتقاده وليقرأ ما جاء عنهم عليهم السلام في هذا الموضوع.

عن عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإمام؟ يعلم الغيب؟ فقال: لا ولكن إذا أراد أن يعلم الشئ أعلمه الله ذلك. الكافي: 1/257، كتاب الحجّة.

وعن سدير قال: كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبد الله (عليه السلام) إذ خرج إلينا وهو مغضب، فلما أخذ مجلسه قال: يا عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلا الله عزو جل، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة، فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي قال سدير: فلما أن قام من مجلسه وصار في منزله دخلت أنا وابو بصير وميسر وقلنا له: جعلنا فداك سمعناك وأنت تقول كذا وكذا في أمر جاريتك ونحن نعلم أنك تعلم علما كثيرا ولا ننسبك إلى علم الغيب قال: فقال: يا سدير: ألم تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قال: فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عزوجل: “ قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك  ” قال: قلت: جعلت فداك قد قرأته، قال: فهل عرفت الرجل؟ وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب؟ قال: قلت: أخبرنى به؟ قال: قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب؟! قال: قلت جعلت: فداك ما أقل هذا فقال: يا سدير: ما أكثر هذا، أن ينسبه الله عز وجل  إلى العلم الذي أخبرك به يا سدير، فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل أيضا: “ قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ”  قال: قلت: قد قرأته جعلت فداك قال: أفمن عنده علم الكتاب كله أفهم أم من عنده علم الكتاب بعضه؟ قلت: لا، بل من عنده علم الكتاب كله، قال: فأومأ بيده إلى صدره وقال: علم الكتاب والله كله عندنا، علم الكتاب والله كله عندنا. الكافي:1/257.

وهنا في هذه الرواية الاخيرة بعد ان نفى علم الغيب عنهم عليهم السلام بين ان العلم الذي يأتي به الامام (ع) او خليفة الله (ع) هو علم الكتاب!

وعن معمر بن خلاد قال:سأل أبا الحسن (عليه السلام) رجل من أهل فارس فقال له: أتعلمون الغيب؟ فقال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلا نعلم، وقال: سر الله عز وجل أسره إلى جبرئيل (عليه السلام) وأسره جبرئيل إلى محمد (صلى الله عليه وآله)، وأسره محمد إلى من شاء الله. الكافي  ج 1 – (ص) 256 – 258

والحمد لله

يتبــــع ان شاء الله

(صحيفة الصراط المستقيم ــ العدد 46/ السنة الثانية ــ بتاريخ 4 رجب 1432 هـ الموافق ل 07/06/2011 م )

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى