زاوية الأبحاثعقائد السنة

ماذا تعرف عن رزية يوم الخميس – الحلقة الثانية

ماذا تعرف عن رزية يوم الخميس
ماذا تعرف عن رزية يوم الخميس

حادثة من أكثر حوادث التأريخ الإسلامي إيلاماً، وأدعاها للتأمل في السبب الحقيقي الذي يقف وراء مثل هذه الطريقة المؤسفة التي ودعت بها الأمة رسول اللّـه (ص). لنتأمل هذه الحادثة التي أبكت ابن عباس حتى خضب دمعه الحصباء.

ذكرنا في القسم الأول الروايات التي وردت في صحاحهم وغيرها بشأن رزية يوم الخميس، وناقشنا بعض توجيهاتهم للواقعة المؤلمة، وسنستكمل في هذا القسم ما تبقى من توجيهاتهم التي تشكل بمجملها ثقافة اعتذارية تبريرية تحاول الإبتعاد عن تلمس الحقائق ومواجهتها بشجاعة علمية.

توجيهات أخرى للحادثة، وجوابها:

وضعوا حديثا أن رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله ) أراد أن يكتب لأبي بكر ولم يكتب: فعن عائشة : ” إن رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وسلم ) قال : ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا ، فاني أخاف أن يقول قائل ويتمنى ويأبى اللّـه والمؤمنون إلا أبا بكر “[ طبقات ابن سعد 3 / ق 1 : 127]. وعنها في لفظ : ” لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبيك وإلى أخيك، فإنني آمر وأعهد عهدي، فلا يطمع في الأمر طامع، ولا يقول القائلون أو يتمنى المتمنون. ثم قال: كلا يأبى اللّـه ويدفع المؤمنون – أو يدفع المؤمنون ويأبى المؤمنون – وقال بعضهم في حديث: ويأبى اللّـه إلا أبا بكر “.

وفي لفظ ابن أبي الحديد عن عروة عن عائشة : ” إن رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله ) قال : ادعي لي أباك حتى أكتب لأبي بكر كتابا ، فإني أخاف أن يقول قائل ويتمنى متمن ويأبى اللّـه والمؤمنون إلا أبا بكر “[ شرح النهج6 : 13]. وفي لفظ عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت : ” لما ثقل رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وسلم ) دعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: ائتني بكتف حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه، فذهب عبد الرحمن ليقوم فقال: اجلس أبى اللّـه والمؤمنون أن يختلف على أبي بكر “. إلى غير ذلك من ألفاظ الحديث.

هذا الحديث – مضافا إلى ما قاله ابن أبي الحديد من أنه مصنوع وإلى ما في لفظ الحديث من المخالفة والمباينة – بعيد لأنه لو كان الغرض نصب أبي بكر لولاية الأمر لما خالف عمر ” وقد قال شارح المقاصد في قصة الفلتة: كيف يتصور من عمر القدح في إمامة أبي بكر مع ما علم من مبالغته في تعظيمه وانعقاد البيعة له، ومن صيرورته خليفة باستخلافه، وروي أنه لما كتب أبو بكر وصيته في عمر وأرسلها بيد رجلين ليقرءانها على الناس قالا للناس: هذا ما كتبه أبو بكر ، فإن قبلتموه نقرأه ، وإلا نرده ، فقال طلحة : اقرأه وإن كان فيه عمر ، فقال له عمر : من أين عرفت ذكري فيه ؟ فقال طلحة : وليته بالأمس وولاك اليوم “. ولا يخفى تفاني عمر في خلافة أبي بكر واجتهاده في تحكيمه وإعماله ، فكيف يخالف الكتاب لو كان المراد هو تعيين أبي بكر كما يقولون” وعمر هو الذي شيد بيعة أبي بكر، وأرغم المخالفين فيها، فكسر سيف الزبير لما جرده، ودفع في صدر المقداد، ووطأ في السقيفة سعد بن عبادة وقال: اقتلوا سعدا قتل اللّـه سعدا، وحطم أنف الحباب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة أنا جذيلها المحكك، وتوعد من لجأ إلى دار فاطمة ( عليها السلام ) من الهاشميين، وأخرجهم منها، ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر ولا قامت له قائمة “[ ابن أبي الحديد 1 : 174 وراجع 2 : 27]. وإلى ذلك يشير معاوية في جواب محمد بن أبي بكر: ” وقد كنا وأبوك معنا في حياة من نبينا نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا ، وفضله مبرزا علينا ، فلما اختار اللّـه لنبيه ما عنده وأتم له ما وعده . . فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه على ذلك اتفقا واتسقا . . فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله ، وإن يكن جورا فأبوك أسسه ” [مروج الذهب 3 : 20 وبهج الصباغة 4 : 229 عنه وعن أبي الفرج ونصر بن مزاحم ، ذكرنا لفظ الكتابين ومصادرهما في مواقف الشيعة 1 : 261 – 263 قال ابن أبي الحديد 2 : 27 : ” قال قاضي القضاة : وهل يشك أحد في تعظيم عمر لأبي بكر وطاعته إياه ، ومعلوم ضرورة من حال عمر إعظامه له والقول بإمامته والرضا بالبيعة له والثناء عليه “].

بل إن عمر اعترف لابن عباس بالحقيقة: فقد روى ابن عباس عن عمر في قصة جرت بينه وبين عمر قال : ” أراد أن يذكره ( يعني أراد رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله ) أن يذكر عليا ) للأمر في مرضه ، فصددته عنه خوفا من الفتنة وانتشار أمر الإسلام ، فعلم رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله ) ما في نفسي فأمسك وأبى اللّـه إلا إمضاء ما حتم “. وفي رواية أخرى : روى ابن عباس قال : ” دخلت على عمر في أول خلافته و . . . قال : من أين جئت يا عبداللّـه ؟ قلت : من المسجد قال : كيف خلفت ابن عمك ؟ فظننته يعني عبد اللّـه بن جعفر قلت : خلفته يلعب مع أترابه قال : لم أعن ذلك إنما عنيت عظيمكم أهل البيت ، قلت : خلفته يمتح بالغرب على نخيلات من فلان ويقرأ القرآن ، قال : يا عبد اللّـه عليك دماء البدن إن كتمتنيها هل بقي في نفسه شئ من أمر الخلافة ؟ قلت : نعم قال : يزعم أن رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وسلم ) نص عليه قلت : نعم وأزيدك سألت أبي عما يدعيه فقال : صدق. فقال عمر : لقد كان من رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وسلم ) في أمره ذرو من القول لا يثبت حجة ولا يقطع عذرا ، ولقد كان يزيغ في أمره وقتا ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا وحيطة على الإسلام لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا “.

وروى ابن عباس قال : ” خرجت مع عمر إلى الشام . . . فقال لي : يا ابن عباس أشكو إليك ابن عمك سألته أن يخرج معي فلم يفعل ولا أزال أراه واجدا ، فما تظن موجدته ؟ قلت : يا أمير المؤمنين إنك لتعلم ، قال : أظنه لا يزال كئيبا لفوت الخلافة ، قلت : هو ذلك إنه يزعم أن رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله ) أراد الأمر له ، فقال : يا ابن عباس وأراد رسول اللّـه الأمر فكان ماذا إذا لم يرد اللّـه تعالى ذلك ! إن رسول اللّـه أراد أمرا ، وأراد اللّـه غيره ، فنفذ أمر اللّـه ، ولم ينفذ مراد رسوله ، أو كلما أراد رسول اللّـه كان”[ ابن أبي الحديد 12 : 78 و 79]. يعترف عمر بأن النبي ( صلى اللّـه عليه وآله ) أراد الأمر له ، وقال ” لقد كان من رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وسلم ) في أمره ذرو من القول ” وأنه منعه من ذلك إشفاقا للأمة وحيطة على الإسلام ، وكان أشفق على الإسلام وأشد احتياطا له من النبي ( صلى اللّـه عليه وآله )!! يعلل عمله بذلك تارة وبإرادة اللّـه تعالى أخرى . ومما يؤيد ما ذكرناه هو أنه لو كان ما أراده حكما من الأحكام لما كان وجه لمنع عمر ، وكذا لو كان غرضه ( صلى اللّـه عليه وآله ) خلافة أبي بكر ، لأنه إن كان المراد النص على حكم فرعي فردي أو اجتماعي لم يكن مهما عنده يبعثه على الاعتراض والتكلم بما قال ، وكذا لو كان المقصود كتابة خلافة أبي بكر ، لأن عمر هو مشيد أركان خلافته ، ومؤيد أثافي حكومته ، الراجع في الحقيقة على ما دبر وإلى تأسيس نظام حكومة نفسه كما قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ” احلب حلبا لك شطره ” فلا وجه حينئذ لمخالفته ، فمنع عمر وأعضاده وأعوانه يدل على أن غرضه ( صلى اللّـه عليه وآله ) كان التنصيص على خلافة علي ( عليه السلام ) والأئمة من ولده . ويؤيده أيضا أسف ابن عباس واعتباره عدم الكتابة رزية وأية رزية يبكي عليها بكاء الثكلى حتى تبل دموعه الحصى.

ومنه يتبين أنه (ص) لم يكن بوارد الإيصاء بأمر فرعي كما رووا، عن علي بن أبي طالب : ” إن رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله ) لما ثقل قال : يا علي ائتني بطبق أكتب فيه ما لا تضل أمتي من بعدي قال : فخشيت أن تسبقني نفسه فقلت : إني أحفظ ذراعا من الصحيفة قال : فكان رأسه بين ذراعي وعضدي فجعل يوصي بالصلاة والزكاة . . حتى فاضت نفسه “[ الطبقات 2 / ق2: 37 ومسند أحمد1: 90 وكنز العمال7: 180 عن ابن سعد و 9: 120 عن مسند أحمد والبداية والنهاية 5: 238 ومسند علي: 56 ومجمع الزوائد3: 63].

وقال ابن الأثير في النهاية: ومنه حديث مرض النبي ( صلى اللّـه عليه وآله ) قالوا : ما شأنه أهجر أي: اختلف كلامه بسبب المرض على سبيل الاستفهام ، أي : هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به من المرض ، وهذا أحسن ما يقال فيه ، ولا يجعل إخبارا فيكون إما من الفحش أو الهذيان ، والقائل كان عمر ، ولا يظن به ذلك[وراجع الطرائف : 432 . وكذا في لسان العرب مادة: هجر].

أقول: جعل جلالة شأن القائل قرينة على صرف اللفظ عن معناه إلى الاستفهام مع أن إطلاق هذه الكلمة على رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله ) ونسبتها إليه ولو استفهاما كفر ، والعياذ باللّـه وكما أن نسبتها إخبارا إلى رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله ) لا تجوز ، فكذا احتمالا واستفهاما . بلى يقول عمر ذلك كما قال : ” لقد كان من رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله ) ذرو من القول . . . ولقد كان يزيغ في أمره وقتا ما . . ” إذ نسبة الزيغ إلى رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله ) لا تقصر عن نسبة الهجر إليه في الدلالة. مع أن أكثر النسخ المروية برواية عبيد اللّـه وسعيد هو بالجملة الخبرية ، والحديث واحد ، واللفظ واحد ، وإنما غيره الرواة حفظا لكرامة القائل كما صرح بذلك بعض من أن عمر قال : إنه يهجر كما في شرح الخفاجي والطرائف أو قال غلبه الوجع أو اشتد به الوجع ، أو إن الرجل يهجر . فهلم معي نسائل القائل في مقاله هذا : ألم يسمع قوله تعالى : * ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع ) *. وقوله تعالى : * ( ومن يطع الرسول فقد أطاع اللّـه ) *. وقوله تعالى : * ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) *. وقوله تعالى : * ( إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) *. وقوله تعالى : * ( إنما اتبع ما يوحى إلي ) * إلى آيات أخرى كثيرة . بلى سمعوا ذلك ولكنهم لم يعتنقوا ولم يعتقدوا ما تفيده الآيات الكريمة في رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله ) من المنزلة الرفيعة السامية والعصمة من المعاصي والخطأ والزلل ، بل لم يعتقدوا بأنه لا يحتاج إلى آرائهم وأفكارهم * ( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ) *. ولأجل ذلك قالوا ما قالوا في الحديبية حتى قال ابن أبي الحديد : ” قال للنبي ( صلى اللّـه عليه وآله ) : ألم تقل لنا : ستدخلونها في ألفاظ نكره حكايتها حتى شكاه النبي ( صلى اللّـه عليه وآله ) إلى أبي بكر “[ ابن أبي الحديد 1 : 183 يعني عمر قال للنبي ( صلى اللّـه عليه وآله )]. وقال في تحريم المتعتين : ” أنا زميل محمد “[ الطبري 4 : 225].

وقال البخاري في آخر الحديث المشتمل على قولهم هجر رسول اللّـه، ما هذا لفظه : ” وأوصى عند موته بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزه – ثم قال – ونسيت الثالثة وكذلك قال مسلم في صحيحه[ انظر باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد والسير من صحيح البخاري].

أما دعوى عائشة بأن رسول اللّـه صلى اللّـه عليه وآله وسلم ، لحق بربه تعالى وهو في صدرها فهي معارضة بما ثبت من لحوقه صلى اللّـه عليه وآله وسلم، بالرفيق الأعلى وهو في صدر أخيه ووليه، علي بن أبي طالب، بحكم الصحاح المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة، وحكم غيرها من صحاح أهل السنة[انظر:تاريخ ابن كثير ج 7 / 359 . ذخائر العقبى ص 72 ، وكفاية الطالب للكنجي ص 133 ومسند أحمد ج 6 / 30 . مسند أحمد ج 6 / 300 أخرجه الحاكم في المستدرك ج 3 / 138 – 139. ابن عساكر في ترجمة الإمام علي ج 3 / 16 – 17 بطرق متعددة . ومجمع الزوائد لأبي بكر الهيثمي 9 / 112 ط . دار الكتاب بيروت ، وكنز العمال ج 15 / 128 ط .الثانية بحيدر آباد ، كتاب الفضائل ، باب فضائل علي بن أبي طالب ، وتذكرة خواص الأمة لابن الجوزي باب حديث النجوى ، والوصية عن كتاب الفضائل لأحمد بن حنبل وخصائص النسائي . وكنز العمال ج 2 / 262 – 263 . طبقات ابن سعد ج 2 /  263 . كنز العمال ج/177- 178 – 179. وقعة صفين لنصر بن مزاحم ط . الثانية ، المؤسسة العربية الحديثة بالقاهرة . نهج البلاغة ص 224 الخطبة رقم 197 في طبعة صبحي الصالح .كنز العمال ج 12 / 209 ومنتخبه ج 5 / 32 بمسند أحمد عن الطبراني . وقال الحاكم عن بعض الأحاديث التي نقلها : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، واعترف بصحته الذهبي في تلخيص المستدرك]. للحديث بقية ستأتي بعونه تعالى.

 ( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 7 – السنة الثانية – بتاريخ 07-09-2010 م – 27 رمضان  1431 هـ.ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى