يعيش اللاجئون الفارون من جحيم الحرب الدائرة في مالي بين المقاتلين الطوارق وقوات الجيش أوضاعا صعبة في مخيمات اللاجئين جنوب موريتانيا، بسبب ارتفاع أعداد النازحين وتواضع المساعدات المقدمة لهم، ومع استمرار المعارك والمواجهات المسلحة بين الجيش المالي والمقاتلين الطوارق المطالبين بانفصال الأقاليم الشمالية عن مالي، تزداد معاناة النازحين العرب والأفارقة الذين فروا إلى داخل الأراضي الموريتانية خوفا من أعمال العنف جراء القتال الدائر في شمال مالي.
ويشكو هؤلاء النازحون من غياب المعونات الأساسية وسوء الأحوال الجوية، ورغم المجهودات التي بذلتها السلطات الموريتانية لإيوائهم، فإن ارتفاع أعداد النازحين بشكل يومي أدى إلى تدهور أحوال المخيمات المؤقتة وعجزها عن استيعاب الأعداد المتزايدة من النازحين الطوارق.
وتفتقر أغلب المخيمات التي أقيمت جنوب موريتانيا لإيواء النازحين الأزواديين إلى أبسط مقومات الحياة من دورات مياه ومراكز صحية، إضافة إلى النقص الحاد في المساعدات الغذائية، مما أثر سلبا على وضعية الأطفال بالمخيم خاصة الذين وصلوا إليه في وهم يعانون من ضعف شديد بسبب مشقة السفر والريح الشديدة والغبار.
نقص المساعدات الغذائية
وكشفت جمعيات خيرية زارت مخيمات اللاجئين عن معاناة حقيقية يعيشها النازحون الطوارق، حيث يعاني أغلبهم من أوضاع صعبة جراء نقص المساعدات الغذائية، وتتضاعف معاناة النازحين بسبب عجزهم عن كسب قوت يومهم، خاصة وأن غالبيتهم الساحقة من النساء والأطفال والعجزة الذين وصلوا وهم في حالة شديدة من الفقر والحاجة، مما دفع الحقوقيين الى التحذير من تردي الأوضاع الإنسانية في المخيمات والتي وصلت، حسب بعض المصادر، الى مرحلة حرجة بسبب سوء التغذية وتواجد النازحين في منطقة الجنوب الشرقي التي ضربتها أسوء موجات جفاف منذ 20 عاما.
واستمر تدفق اللاجئين دون انقطاع منذ أيام إلى مدينة فصالة الحدودية الواقعة جنوب شرقي موريتانيا. وأمام تواضع المساعدات التي تؤكد جمعيات حقوقية انها لا تزال شحيحة ومحدودة، حذر الخبراء من تردي وضعية المخيمات الخاصة بإيواء اللاجئين في جنوب موريتانيا. وقد استجابت السلطات الموريتانية لتحذيرات المنظمات الانسانية وشرعت مؤخرا في عملية نقل اللاجئين الأزواديين من مدينة فصالة إلى مخيم جديد في منطقة “امبره” التي تبعد 15 كيلومترا إلى الشرق من مدينة باسكنو الحدودية.
العطش وسوء الأحوال الجوية
ويعاني النازحون من شمال مالي، والذين تقدر منظمات دولية أعدادهم بنحو 126 ألف شخص، من التشرد حيث تشتت الكثير من العوائل بين مخيمات اللاجئين في الدول المجاورة لمالي خاصة موريتانيا وبوركينا فاسو، فقد أدى احتدام المعارك بين الجيش المالي والطوارق الى نشاط عصابات التهريب وتجارة الأسلحة. وبسبب المخاوف الأمنية وغياب القوى الأمنية في عموم البلاد، قرر طوارق مالي الفرار الى أقرب منطقة حدودية اليهم خوفا من العمليات الانتقامية، بعد ان بدأ الماليون يخلطون بين الطوارق المتمردين والمدنيين. ويطالب متمردو الطوارق باستقلال إقليم آزواد أو على الأقل ضمان حق تقرير المصير لسكانه ذوي الغالبية من الطوارق.
ويقول محمد فال ولد الداه (مسؤول بجمعية أمل الاهلية) الذي زار مخيم النازحين مؤخرا إن أعداد اللاجئين الماليين في مخيمات جنوب موريتانيا تقدر بنحو 30 الف لاجئ، ويؤكد ان المخيمات شهدت عمليات نزوح جماعي لعائلات بكاملها تستخدم كل ما أتيح لها للرحيل عن منطقة شمال مالي خوفا من انتقام مجموعات تابعة للجيش من متمردي الطوارق، حيث وصلت أغلب العائلات في عربات الشحن وعلى ظهور الابل والحمير بينما انتقل البعض مشيا على الأقدام وعلى الدراجات النارية.
واستمرار القتال بين الطرفين يرجح احتمال تضاعف اعداد النازحين، مما يحتم على المسؤولين ايجاد حلول ناجعة لتنظيم المخيمات الحالية وتجهيزها وبناء مخيمات جديدة لاستقبال اللاجئين.
وازدادت مخاوف المدنيين بسبب امتلاك الطوارق كميات من الأسلحة جلبوها من ليبيا بعد مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي، خاصة أن ذكريات الحروب السابقة وما خلفته من تصفيات عرقية ومجازر جماعية لا زالت عالقة بأذهانهم، فمنذ أن بدأت الحركة الوطنية لتحرير آزواد قتال الجيش المالي، فر الآلاف من عرب مالي وقبائل الطوارق من جحيم القتال شمال مالي، ومع اشتداد المعارك بين الجيش ومتمردي الطوارق الذين يسعون الى حكم ذاتي في منطقة الصحراء خاصة بعد مهاجمة ثكنات عسكرية في شمال مالي باستخدام اسلحة من الحرب الليبية، هجر معظم السكان بلداتهم وقراهم دون أن يستطيعوا حمل أي أمتعة سوى بعض الأغطية ليلتحفوا بها عند النوم.
أعداد متزايدة من النازحين
وتقوم الحكومة الموريتانية بجهود حثيثة للتخفيف من معاناة النازحين الذين يعانون من صعوبات ومشاكل صحية، في ظل غياب المساعدات الغذائية والدوائية خاصة بالنسبة للنسوة اللاتي يعانين من ظروف قاسية جراء غياب المراكز الصحية وسوء الأحوال الجوية، وقد باشرت السلطات المحلية في جنوب موريتانيا باتخاذ إجراءات فورية من قبيل مضاعفة كمية المياه، وتوزيع كميات من الأرز والسكر والزيت والقمح، ومن المتوقع أن تشرع في توزيع مساعدات حكومية كبيرة واخرى من منظمات ودول افريقية خلال الأيام القادمة.
وقد قررت الحكومة الموريتانية إقامة مخيم جديد للاجئين الأزواديين بموريتانيا على بعد 18 من مدينة باسكنو الحدودية، وتعهدت بتجهيزه وتوفير الخدمات الضرورية للقاطنين فيه.
وقال وزير الداخلية الموريتاني محمد ولد أبيليل إن المخيم سيتم بنائه بمنطقة “امبره” شرقي مدينة باسكنو، وإن الحكومة الموريتانية لن تدخر جهدا في خدمة ضيوفها ولن تقصر في حقهم سواء تعلق الامر بتوفير الامن وغيره من ظروف الحياة الكريمة لكل نزلاء المخيم على قدم المساواة مع المواطنين الموريتانيين.
وأكد أن الحكومة ستعمل بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وغيرها من المنظمات الدولية العاملة في المجال الانساني، على توفير كل متطلبات الحياة الكريمة للاجئين الماليين في موريتانيا.