زاوية العقائد الدينية

إنا أنزلناه في ليلة القدر

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كانت حالة الانقلاب الخطيرة التي حدثت في الإسلام بعد رحيل رسول الله(ص) إلى الرفيق الأعلى منعطفا تاريخياً خطيراً حيث يصرح بذلك أهل هذا الانعطاف عندما يجعلون لشيخيهم سنة كما لرسول الله(ص) سنة ، بل وكتبوا القرآن بأيديهم ،

وتلك الكتابة رافقها لغط كبير ذكرته كتبهم وتاريخهم الذي كتبوه بأيديهم ومن شاء التأكد ليتصفح كتاب المصاحف للسجستاني ، وليتصفح كتاب السبع في القراءات لابن مجاهد ، وليرجع إلى كتاب السير كابن هشام الكلبي وغيره ، وتصفحوا تاريخ الطبري وما تحدث فيه عن تلك المرحلة التاريخية الخطيرة التي أعقبت وفاة الرسول(ص) ، وما جرى فيها ، وهل أبقى الناس الدين الإلهي سائراً على خطه الذي نهجه رسول الله(ص) ، أو انتهج الناس سنة غير سنة محمد(ص) اصطلحوا عليها بسنة الشيخين؟؟!! فضلا على أن الثابت أن الإسلام دين يسر وليس دين عسر ، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم وخطير ، وهو ؛ هل ترك رسول الله(ص) سنة مكتوبة؟؟ إن قيل نعم ، فالتاريخ يكذب هذا الجواب حيث أن ما اصطلحوا عليه بـ(السنة) جمعها أصحاب الصحاح وأشهرهم البخاري في بداية القرن الثالث الهجري ، بمعنى أن تلك السنة كانت متوزعة في صدور من سمعها ومن المعلوم أن السنة هي أحكام عقائدية وعبادية يحتاج إليها الناس احتياج ضرورة ، فأين اليسر في أن إذا حدث للمسلم حادث فيسأل عن حكمه فيقول له من في جواره ممن يصطلحون عليهم بـ(علماء الدين) شد الرحال إلى كذا وكذا مكان لعلك تقع على أحد سمع لذلك الحدث حكما؟؟ فهل هذا من اليسر في شيء فضلا على أن يكون فيه من الحكمة شيء؟؟!
ولعل من الثابت الذي بينته السنة أن الأمة الإسلامية ستحذو حذو من سبقها من الأمم السالفة التي تحدث عنها القرآن وأورد قصصها مع الأنبياء والمرسلين(ع) ، والأمة التي بعث فيها خاتم الأنبياء(ص) ليست بدعا من الأمم ، فهي فاعلة مع الدين كما فعلت الأمم السالفة ، ولعل من فعلها ما صرح به كتاب الله سبحانه{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ}(آل عمران/144) والانقلاب هنا يحدث في عموم الأمة وليس في بعضها حيث أن الآية صرحت بالعمومية بالقول (انقلبتم) ولم تقل (انقلب بعضكم) وهذا الانقلاب يكشفه حديث رزية يوم الخميس الذي رواه ابن عباس وهو أشهر من نار على علم ، ولم تتوقف الرزية عند اتهام رسول الله(ص) من الأشخاص الذين كشف الله ما أكنت صدورهم من التمرد على أمر الله سبحانه بأن بدؤوا مسيرة التمرد ؛
أولا : بالتخلف عن جيش أسامة على الرغم من لعن رسول الله(ص) للمتخلفين عن جيش أسامة ، ورسول الله(ص) لا ينطق عن الهوى ، ولعنه هو لعن الله سبحانه بمعنى أن من تخلف عن جيش أسامة لعنه الله سبحانه على لسان رسوله(ص) .
ثانيا : ردهم على رسول الله(ص) عندما طلب دواة وكتف ليكتب للأمة كتابا لن تضل بعده أبداً ، فما كان من عمر إلا القول (لا تعطوه لأنه يهجر)!!! وأراد بعضهم تخفيف قسوة العبارة وصلافتها وفظاظتها فقالوا قال (غلبه الوجع) ، فما كان من رسول الله(ص) عندما اشتد النزاع في حضرته بين من يقول أحضروا ، ومن قالوا قول عمر ، إلا أن طردهم من حضرته قائلا : أخرجوا لا ينبغي التنازع عند نبي ، وأبقى منهم أولئك الذي لم يدخلوا فيما دخل به القوم وأمضى رسول الله(ص) الكتاب الهادي للأمة على الرغم من أن السواد الأعظم من الأمة أشاع أن أصحاب الرزية نجحوا في منع الرسول(ص) عن كتابة الكتاب!! وهذا قول غريب جداً حيث أن الناس مجمعة على أن الرسول(ص) هادي الناس من الضلالة ؛ فكيف يترك أمته تتيه في الضلال وهو على أشراف العودة إلى ربه وهو الذي امتلأت صفحات عمره الشريف في الجهاد العظيم من أجل تثبيت نهج الهداية الإلهي؟؟؟!!! ليس هناك من عاقل يقول بذلك حتى أولئك الذين لا يؤمنون برسالة الإسلام ، ولكن كيف نجح أتباع سنة الشيخين من جعل السواد الأعظم من الأمة يرضخ إلى هذه المقولة الخالية من الحكمة تماما؟؟؟!!! لقد عمل الشيخان على قيادة هذا السبيل القائل (إن رسول الله(ص) مات ولم يوص) بكل جهدهم ترغيبا وترهيبا ، وما حدث من إراقة لدماء المسلمين في عهد الشيخ الأول خير دليل ، وما فعله الثاني في زمن الأول من تحريق بيت رسول الله(ص) شاهد لا يمكن لأحد إنكاره ، وما رافق ذلك من مصائب تشيب لها ناصية الصبي دليل على الطغيان والتمرد على إرادة الله سبحانه واضح وجلي!!
ثالثا : عقدهم لمؤتمر سقيفة بني ساعدة من دون مستند شرعي يبيح عقد السقيفة بل إن عقدها بتلك العجالة حتى قبل أن يجهز رسول الله(ص) ، بل وقسم من المسلمين كان مشغولا بتجهيز رسول الله(ص) ولم يحضروا ما حصل في تلك السقيفة يدل على أن هناك أمر شر دبر بليل ، وهذا ما أفصح عنه الشيخ الثاني عندما قال (كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المؤمنين شرها) إذن هي فلتة شر ، وقى الله سبحانه منها أولئك المؤمنين الذين ثبتوا على الدين الحق ولم يحضروها وبعدما ما عقدت فلتة الشر تلك يكون من عقدها ـ حتما ـ هو من الأشرار ، والمعلوم أن الأشرار لا يتورعون عن فعل كل شيء من أجل أن يتموا تلك الفلتة الشريرة ، وهذا ما أفرزته الأحداث التي وقعت بعد تلك الفلتة ، حيث كان من علقمها ؛ حرق بيت رسول الله(ص) ، وقتل المؤمنين من عشيرة مالك ومتمم ابني نويرة ، واغتصاب زوج ابن نويرة ، وسلب تلك العشيرة ونهبها ، وتلك المصيبة حصلت لأن تلك العشيرة المسلمة المؤمنة امتنعت من أداء الزكاة للشيخ الأول صاحب بيعة الفلتة ، ورأى أولئك المسلمون أن لا شرعية لبيعة أبي بكر ومن ثم فهو ليس حاكما شرعيا يجب عليهم أداء الزكاة له ، فكان تصرفهم شرعيا مائة بالمائة ، وفعل الشيخ جريمة نكراء كافية لوصم خلافته بأنها خلافة طاغوت ، فضلا على المصائب والبلاءات التي جرتها تلك الخلافة (الفلتة) ، فكان ما حصل في السقيفة هو إعلان الانقلاب على الأعقاب ، وتحقق ما حذر منه رب العزة سبحانه المسلمين ، وقد يقول قائل : لماذا لم يمنع الله سبحانه حصول هذه الكارثة قبل وقوعها ، وهو القادر المقتدر؟؟؟ الجواب ؛ نعم هو القادر المقتدر ولأنه القادر المقتدر سبحانه فقد جعل لعباده عقلا يختارون به سبيل الحق من دون إكراه ولا إجبار ، وإنما يكون الإجبار للبهائم التي لا عقل لها ، فضلا على أن اختيار العقلاء يترتب عليه مآلهم ، وكذلك رب العزة لا يعجل مخافة الفوت فعباده صائرون إليه طوعا أو كرها ، ولذلك كانت السقيفة امتحانا كشف عن حقيقة إيمان الأمة وصدق اتباعها للرسول(ص) ، وفضح ما أضمرت الصدور من الانقلاب الذي بينه الحق سبحانه في كتابه .
إذن ما يروج له اليوم من أنه سنة رسول الله(ص) هي حقا وصدقا سنة الشيخين التي عرضها عبد الرحمن بن عوف على عثمان فقبلها ، وعرضها على أمير المؤمنين(ص) فرفضها ، وليست سنة رسول الله(ص) ، بدليل ما حصل بعد ذلك حيث كانت النتيجة أن الخلافة آلت لعثمان لأنه تعهد بالالتزام بسنة الشيخين ، فالفيصل بين إقصاء أمير المؤمنين(ص) عن الخلافة ، وتسليمها لعثمان هو ليس الكتاب وليس سنة رسول الله(ص) ، بل كان الفيصل سنة الشيخين ، ولذلك فما حصل من افتراق للأمة هو افتراق عن سنة الشيخين فرفضها الروافض ، وقبلها أتباع تلك السنة ، فكان مصطلح (الروافض) شهادة تبين أتباع سبيل الحق من أولئك الذين التزموا سبيل سنة (الفلتة) ، فصيَّر الله سبحانه تلك شهادة لأولئك الذين رفضوا سنة الشيخين ، والتزموا وصية رسول الله(ص) وسنته ، وسنة رسول الله(ص) هي سنة الأنبياء والمرسلين(ع) القائلة : إن لكل نبي أوصياء ، ولا تخلو الأرض من حجة لله قائم بالحق ، وأتباع سنة الشيخين اليوم هم يتهمون رسول الله(ص) ـ وحاشاه ـ بأنه خالف سنة من كان قبله من الأنبياء(ع) على الرغم من أن الثابت هو إن النبي(ص) سيدهم وخاتمهم ، وبذلك فتح أتباع سنة الشيخين الباب على مصراعيه للإساءة إلى شخص الرسول الكريم(ص) وما نراه اليوم بل وما حدث من تجاوزات على مر التاريخ إنما هو حاصل بسبب ما نقلته سنة الشيخين عن شخص الرسول الأكرم(ص) ، وجعلته عرضة وغرضا لجند إبليس من علماء السوء وفقهاء الضلالة في كل الملل والنحل والديانات ، وللأسف أن الصوت المسموع منذ رحيل رسول الله(ص) إلى يومنا هذا مرورا بكل المآسي والمصائب التي أنتجتها تلك السقيفة في تاريخ الأمة الإسلامية ، هو صوت سنة الشيخين التي هي ليست من الإسلام في شيء بل هي سنة الجاهلية الأولى .
لقد أنتجت السقيفة هذه القراءة المنحرفة للقرآن فصيرته نصا قابلا لتعدد القراءات ، بل ولا ضير من تفاوت القراءة بين قراءه ، والمقصود بالقراء أولئك الذين نصبوا أنفسهم (أهل الذكر) من دون سلطان أتاهم ، وراحوا يعبثون بكلمات الله سبحانه ويخرجونها عن سبيلها فصاروا أئمة الكتاب ، وليس الكتاب إمامهم ، وهم يعلمون أن من جعل القرآن خلفه ساقه إلى النار ، ولذلك لينتبه أولئك المزعومون أنهم علماء إنما هم يساقون إلى جهنم ويسوقون معهم أتباعهم أولئك الذين صدقوهم من دون حجة ولا دليل سوى أن الناعق نعق فتبعه المتبعون!!!
ولكن على الرغم من أن الخطاب الإعلامي الشائع هو لدين السقيفة ولسنة الشيخين ، إلا أن الله سبحانه ماض في عهده بالحفاظ على الذكر{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9) ، ومبين من هم أهل الذكر الذين وكل إليهم حفظ كتابه ، فجعل مسه محصور بهم{لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}(الواقعة/79) وليس هناك من شهد له الحق سبحانه بالطهر إلا آل محمد(ص) حيث قال عز وجل{… إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(الأحزاب/33) ، وعلى الرغم من كل المحاولات التي بذلها أتباع سنة الشيخين في جعل أزواج النبي(ص) من المشمولين بآية التطهير ، وحرمان آل محمد(ص) من خصوصيتهم بها ، إلا أن الله سبحانه أثبت على لسان الكثير منهم أن هذه الآية نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين(ص) ، حيث قال الدكتور عباس العقاد : [واختلف المفسرون فيمن هم أهل البيت : أما الفخر الرازي في تفسيره (6/783) ، والزمخشري في كشافه ، والقرطبي في تفسيره ، وفتح القدير للشوكاني ، والطبري في تفسيره ، والسيوطي في الدر المنثور (5/169) ، وابن حجر العسقلاني في الإصابة (4/407) ، والحاكم في المستدرك ، والذهبي في تلخيصه (3/146) ، والإمام أحمد في الجزء الثالث صفحة : 259 ؛ فقد قالوا جميعا : إن أهل البيت هم علي والسيدة فاطمة الزهراء والحسن والحسين رضي الله عنهم . وأخذ بذكر الأدلة .]( فاطمة الزهراء للعقاد : 70 ط . مصر دار المعارف الطبعة الثالثة . ) . والثابت لدى شيعة آل محمد(ص) إن آية التطهير هي بآل محمد(ص) خاصة وليس لأحد من الناس فيها نصيب كائنا من كان ، ذاك أن هذه الآية الكريمة نزلت في بيت أم سلمة(رضوان الله عليها) فجمع رسول الله(ص) آل بيته ؛ علي وفاطمة والحسنين(ص) ، فسألته أم سلمة : أ لست من أهل بيتك ، قال (ص) : لا ولكنك على خير ، فبذلك لم ينجح مخطط أتباع سنة الشيخين لأن ميزانهم خف تماما أمام هذا الثقل العظيم .
ولم يأت زمان خلت فيه الأرض من آل محمد(ص) على الرغم من إعراض الأمة عنهم بسوادها الأعظم ، وعلى الرغم من أن أتباعهم يعانون الأمرين من أتباع سنة الشيخين الذين مردوا على العصيان والانزياح بعيدا عن سبيل الله سبحانه حتى أنهم باتوا لا يرون الدين إلا من تحت عباءة الشيخين ورضوا بالبقاء على سنة الانقلاب التي حذر منها القرآن ، والذي لا يستطيع أحد نكرانه أن شهر رمضان منذ أن كتب الله فيه الصيام على الأمة لم يتخلف في سنة من السنين ، وليلة القدر فيه لم تغب أبداً ، وليلة القدر مرتبطة بحجة الله سبحانه وفيها نُزِّل القرآن ، وقد ورد عن : [الحسن بن موسى عن سعيد بن يسار قال كنت عند المعلى بن خنيس إذ جاء رسول أبى عبد الله عليه السلام فقلت : له سله عن ليلة القدر؟ فلما رجع قلت له : سألته؟ قال : نعم ، فأخبرني بما أردت وما لم أرد ، قال : إن الله يقضى فيها مقادير تلك السنة ثم يقذف به إلى الأرض ، فقلت : إلى من؟ فقال : لي ، من ترى يا عاجز أو يا ضعيف؟؟!!](بصائر الدرجات للصفار:241) ، وكما أن ليلة القدر ما غادرت شهر رمضان منذ أن جعله الله سبحانه شهر الصيام فكذلك آل محمد(ص) لم ينفصلوا عنها أبداً ، بل هي حاكية عنهم ، وهم حاكون عنها ، ولا وجود لأحدهما من دون الآخر .
إذن ليلة القدر هي ليلة التقدير ، يقدر فيها كلما يتعلق بالخلق إلى السنة القادمة وفيها أعمال العباد وأرزاقهم ، وكل ما يتعلق بهم ، ولكن على من ينزل هذا التقدير؟! لابد من موضع منفذ لنزول هذا التقدير العظيم ، ومن يكون هذا الموضع غير حجة الله وخليفته القائم بأمره المجعول من عنده سبحانه ، والذين يقولون غير هذا القول ـ لو أنصفوا أنفسهم وبارئهم ـ لانتبهوا أن هكذا قول فيه اتهام لعدالة الخالق سبحانه وحكمته ، فمثلما خلق الله سبحانه بدن الإنسان وجعل له مركزا مدبرا له وهو القلب ، فكذلك جعل لهذا الكون مركزا مدبراً له وهو حجة الله المنفذ لأوامره ، فكما لا يكون إنسان بلا قلب ، كذلك ليس هناك كون أو وجود بلا حجة الله وخليفة إما ظاهر قائم بالأمر ، أو مصدود مغتصب حقه ، واغتصاب حقه يعود على المغتصبين بالمصائب والبلاءات ، ولكنه لا يعطل فضله وبركته في الحياة . قال تعالى {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}(الشعراء/227)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى