زاوية العقائد الدينية

وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو!!!

بسم الله الرحمن الرحيم

إن مما يدعو إلى ضرورة القراءة والتدبر لكتاب الله المجيد ما يكشفه من حال البشرية على مستوييها الأكبر(الفكر) ، والأصغر(الحركة) ، وضابطتها الوسطى(المنظومة الأخلاقية) ، ذاك أن البشرية ومنذ أن خلقها الله سبحانه في هذا العالم(الدنيا) تصر على محاولة الاستقلال ، والانفصال عما كان سببا في خلقها ووجودها ،
وكلما ازدادت محاولاتها تلك ترى يد الغيب حاضرة كي تصحح المسارات ، وتكشف عن عقم تلك المحاولات والمناهج التي تنتهجها ، وأنها ليست سوى لهو على مستوى الفكر ، ولعب على مستوى السعي والتعاطي مع الواقع وآليات العمل المتاحة فيه ، وهذا ديدن حركة الفكر البشري منذ أن بدأت إلى يومنا حيث تحاول باستمرار التشكل بذات الضابطة الوسطى ؛ وهي المنظومة الأخلاقية التي ترسم ملامحها صورة المكان وآلية التعاطي معه ، حيث أفرزت تلك المنظومة ما يدعى اليوم بـ(التقاليد والعادات والأعراف) ، فالتقاليد هي جملة من الموروثات النفسية التي يختزنها الناس كرصيد قبلي يهيء لهم فرصا للتعاطي مع واقعهم بما لا يصدمهم ولا يجعل منهم مثارا للصدمة ، والعادات هي تحويل تلك الموروثات إلى نهج عمل على وفق ما اعتاد عليه السلف ، والأعراف هي جملة من القيم التي تعارف عليها الناس في كل مجتمع فأضحت ضابطة للحركة والعمل فيه ، ويجمعها ما حكاه الحق سبحانه من حالها في قوله تعالى{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}(الزخرف/23) .
ومما يلفت النظر في منظومة عمل الفكر البشري هو أنها غالبا ما تكون حولاء ؛ عين تنظر في الماضي وتستند إليه ، وأخرى تنشد مستقبلا استنادا إلى هذا الماضي وتطمح إليه ، لتشكل تلك النظرة بمجموعها صورة شوهاء لواقع ظالم جائر قائم على الظنون والاحتمالات وبورصتها التي تتأرجح بين ؛ الأحمر العريض ، وأخضر باهت مغبر ضيق المساحة ، تماما على عكس ما يأتي به رسل السماء(ع) ، حيث يأتون الناس بمنظومة أخلاقية علاجية تصلح عيني الفكر وتجعله ينظر إلى المستقبل الذي ينشده نظراً صحيحا مستندا إلى الحكمة ، واليقين والثبات ، ويحفظ للنفس البشرية كرامتها ، وينظم لها سيرورتها وصيرورتها ، كي تكون عامل عمارة للأرض على مستوى الفكر ، والعمل ، لا عامل تخريب وفساد وإفساد قال تعالى{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}(هود/61) ، وعبادة الله سبحانه هي ؛ معرفة على مستوى الفكر وطاعة على مستوى العمل ، وكلا المستويين لا يكونان من دون ممثل لله سبحانه يعلم الناس منهج الله وتشريعه على مستوى الفكر ، ويكون قدوة لهم على مستوى العمل تتمثل فيه كل تعاليم الشريعة الإلهية ، ومن دون ذلك الممثل المعين والمنصب من الله سبحانه تعود الآصرة الرابطة بين الفكر والعمل ، أو كما يصطلح عليها فكريا بـ(النظرية والتطبيق) منطقة فراغ لابد من ملئها كي يتسنى للفكر أن يكون حاضرا في الواقع بآثاره وأفعاله لا بأقواله حسب ، ولذلك توهم بعض المفكرين المسلمين الكبار والمعاصرين أن ملأ منطقة الفراغ ممكن إذا توفر (عالم عامل) من الناس ، وهذا الوهم ولده طول الأمد لغيبة المنصب من الله سبحانه عن مباشرة الواقع فعليا ، وتلك كانت محنة عظيمة ، واختبار شديد الوطأة ، حقا سقط فيه من يشق الشعرة بشعرتين ، فالمنصب موجود وغير موجود فهو في غيبته منزلة بين المنزلتين ، وتلك هي منزلة المحنة التي امتحنت بها البشرية كلها ليس المسلمون حسب ، أو الشيعة حسب ، فغيبة ولي الأمر تعني تعطل الحياة في أوسع دائرة من دوائرها ، تلك هي دائرة المستحدثات!! فالناس كلهم بما فيهم فقهاؤهم لا قدرة لهم على الحضور في هذه الساحة ، ولكن ما حصل هو غير ذلك تماما عندما سمحوا لأنفسهم الدخول إلى هذه الساحة متذرعين بشبهة مفادها قول المعصوم الغائب(ص) [أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فهم حجتي عليكم ، وأنا حجة الله] من دون أن يلتفت أولئك الفقهاء أن حضورهم في تلك الساحة يوجب عليهم الالتزام بضابطة الحضور وهي (أن يكونوا مصداق قول المعصوم(ص) ؛ بوصفهم رواة حديثهم) ، والراوي كما هو معلوم وظيفته نقل الخبر حسب من دون زيادة أو نقصان ، وليس من وظيفته ما نلحظه اليوم حيث نصب الفقهاء أنفسهم قيمين على خبر المعصوم(ص) فراحوا يميزونه بأهوائهم وتخرصاتهم وآرائهم ، وذلك من خلال ابتداع منظومة من القواعد هم أسموها (علم الأصول ؛ وهو علم لاستنباط الحكم الشرعي من مظانه الشرعية ؛ الكتاب والسنة بوصفهما وجهين للنص حسب) ، وبذلك يكون هذا العلم المبتدع هو الحلقة الأخيرة في تغييب الإمام(ص) ، إذ تصبح الحاجة إلى المعصوم(ص) بوجود هذا العلم وهذا الكم من العلماء العاملين به ضرب من الترف الفاقد للضرورة وبهذا صرح لسان حالهم ومقالهم عندما قال أحدهم (نحن اليوم لا نحتاج إلى حضور الإمام المهدي(ص) بشخصه لما يقرب من 14 مليون سنة لأن لدينا علم الأصول)!!! وهنا كان التخريب في منهج الإعمار .
وبمقابل منهج الإعمار الذي جعله الله سبحانه للناس لم يُطلب منهم شيء سوى العمل على وفق المنهج الذي وضعه خالق الكون ومالكه ، فليس لهم أن يتصرفوا بملك الله سبحانه وفقا لما تمليه أهواؤهم وشهواتهم ، ذلك أن الهوى آلية وضعها الحق سبحانه في النفس البشرية وسماها (فجورها) تماما كما وضع فيها آلية العقل وسماها (تقواها) امتحانا لها كي تنهج إلى سبيل هي تختاره من دون قهر ولا إكراه ، ولم يترك أمر الاختيار هكذا سائبا من دون بيان للعاقبة والمآل الذي تؤول إليه النفس البشرية استنادا إلى اختيارها السبيل الذي تنهجه ، كي لا تأتي في يوم الحساب تجادل عن نفسها ؛ أنها اختارت وكانت تتوقع نتيجة الفوز والفلاح ، وإذا بها تفاجأ بما وجدت ، فكل نفس بما كسبت رهينة ، ولذلك فالبشرية كلها عندما تخرج من قاعة الامتحان تعلم تمام العلم ؛ أهي من أهل الصلاح ، أو ليست من أهله استنادا إلى الميزان الذي وضعه الحق سبحانه في هذا العالم ، قال تعالى{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحديد/25) ، والبينات هي الدلائل الواضحة والبراهين القاطعة على مستويي ؛ الفكر والعمل ، فلم يأت رسول من رسل الله سبحانه إلى الناس من دون أن يقيم عليهم الحجة ويلزمهم إياها ، وتلك الحجة جعلها الله سبحانه قانونا ثابتا في الناس لا يتبدل ولا يتغير ، فلا صروف الزمان تبدله ، ولا تحولات المكان تغيره ، ذلك القانون هو قانون معرفة الحجة المنصب من الله سبحانه ، وهو يستند إلى ثلاث بينات ، من أرادها فليطلبها في رسل الله سبحانه من آدم(ع) إلى يومنا هذا ، وتلك البينات هي :
1- التعيين من الله سبحانه مباشرة كما حدث مع نبي الله آدم(ع) ، أو بالواسطة كما حدث مع الأنبياء والرسل والأوصياء(ع) الذين جاؤوا بعد نبي الله آدم(ع) ، حيث يوصي حجة الله السابق إلى اللاحق تنفيذا إلى أمر الله سبحانه وإرادته ، وهذا ما بينه الحق سبحانه في قوله{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(البقرة/30) .
2- العلم ؛ فهذا الحجة الإلهية لا يقايس بالعلم ولا يدانى ، ذاك أن علمه علم لدني أي ؛ كله حكمة ، ولا يقوم على الكسب أو الظن ، فكله حق لأنه صادر من الحق سبحانه ، قال تعالى{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(البقرة/31) ، وما يميز هذا العلم كونه إنبائيا ، أي ؛ أن صاحبه لا يكشف عن ارتباط الأشياء بعلائقها الخافية ، ولاشك في أن هذا من العلم وهو سمة العقلاء ، بل هو يسمي الأشياء بأسمائها التي سماها بها من خلقها ، وهذا علم لا يتأتى إلا لمن هو آت من الله سبحانه ، منصب لقيادة سفينة الحياة ، كي يعلم البشرية مسميات سفينة الحياة التي لاشك في أن الناس يجهلونها جملة وتفصيلا ، فالعالم الحجة علمه لا يخضع للمقايسة مع ما يعلم الناس أبداً ، فهو وإن كان أعلمهم بما في أيديهم ، من خلال كشفه عن علائق الأشياء ونظامها أي أعلمهم بما يجهلون ، إلا أنه ينماز عليهم أنه عالم بما يعجزون عن علمه ، على هذه الملكة يكون التعويل . وهو بهذه الملكة يدعو الناس إلى عقيدة التوحيد على مستوى الفكر .
3- رايته راية هدى لأنه يدعو الخلائق كلها إلى حاكمية الله سبحانه ، ويكشف لهم عن وجوب طاعته لأنهم مأمورون بالسجود له طاعة لأمر من نصبه عليهم ، وهو الله سبحانه ، قال تعالى{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}(البقرة34) ، ورفعه لتلك الراية يعني دعوته الناس إلى جعل عقيدة التوحيد منهج عمل يكيف الواقع باتجاهها .
إن هذه البينات الثلاث التي يتأتى التعاطي معها لكل الناس على اختلاف إمكاناتهم حيث يتساوى في معرفتها والنظر إليها الأمي وغير الأمي ، والعالم ومن دونه ، ولا يتفاوت بها الناس مطلقا ، بل هم فيها سواء ، هي الحجة البالغة الظاهرة على الناس كلهم ، وقد أبان آل محمد(ص) أمر الإمامة بما لا يدع مجالا للارتياب أو الحيرة أو الضلال ، وهذا الإمام الرضا(ص) يكشف أمر الإمامة ويجليه كما يجلي النهار شمس الله سبحانه حيث يقول(ص) : [إن الإمامة أجل قدرا وأعظم شانا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم ، إن الإمامة خص الله بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلة مرتبه ثالثه وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال عز وجل {إني جاعلك للناس إماما} ، فقال الخليل عليه السلام : سرورا بها {ومن ذريتي} ، قال الله عز وجل {لا ينال عهدي الظالمين} ، فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله عز وجل بان جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال عز وجل {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} ، فلم يزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها النبي(ص) فقال الله عز وجل {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} ، فكانت له خاصة فقلدها (ص) عليا بأمر الله عز وجل على رسم ما فرضها الله عز وجل فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله عز وجل {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} فهي في ولد علي عليه السلام خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد(ص) فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟! إن الإمامة هي منزله الأنبياء وإرث الأوصياء ، إن الإمامة خلافه الله عز وجل وخلافه الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين عليهما السلام ، إن بالإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين ، إن الإمامة أس الإسلام النامي وفرعه السامي ، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف ، والإمام يحل حلال الله ويحرم حرام الله ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي بالأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار ، الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيد القفار ولجج البحار ، الإمام الماء العذب على الظماء والدال على الهدى والمنجي من الردى ، والإمام النار على اليفاع ، الحار لمن اصطلى به والدليل في المهالك ؛ من فارقه فهالك ، الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل والشمس المضيئة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة ، الإمام الأمين الرفيق والوالد الرفيق والأخ الشفيق ومفزع العباد في الداهية ، الإمام أمين الله في أرضه وحجته على عباده وخليفته في بلاده الداعي إلى الله والذاب عن حرم الله ، الإمام المطهر الذنوب المبرأ من العيوب مخصوص بالعلم مرسوم بالحلم نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين ، الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل وله مثل ولا نظير مخصوص بالفعل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ معرفه ، الإمام ويمكنه اختياره؟! هيهات هيهات! ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وحسرت العيون وتصاغرت العظماء وتحيرت الحكماء وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألباء وكلت الشعراء وعجزت الأدباء وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله فأقرت بالعجز والتقصير ، وكيف يُوصف له أو ينعت بكنهه أو يُفهم شيء من أمره أو يوجد من يُقام مقامه ويغنى غناه؟! لا ، كيف وأنى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟ أظنوا أن يوجد ذلك في غير آل الرسول(ص)؟ كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الباطل فارتقوا مرتقى صعبا دحضا تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم ، راموا إقامة الإمام بقول جائرة بائرة ناقصة وآراء مضلة فلم يزدادوا منه إلا بعدا {قاتلهم الله أنى يؤفكون} لقد راموا صعبا وقالوا إفكا {وضلوا ضلالا بعيدا} ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} ورغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله إلى اختيارهم والقرآن يناديهم {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وقال الله عز وجل {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} وقال عز وجل{ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ} ، وقال عز وجل {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} ، أم طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ، أم { قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} و{ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} بل هو {فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل ، راع لا ينكل ، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة مخصوص بدعوة الرسول وهو نسل المطهرة البتول لا مغمز فيه في نسب ولا يدانيه ذو حسب فالنسب من قريش والذروة من هاشم والعترة من آل الرسول(ص) والرضا من الله شرف الأشراف والفرع من عبد مناف نامي العلم كامل الحلم . مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمر الله عز وجل ناصح لعباد الله حافظ لدين الله ، إن الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم في قوله تعالى{ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}؟! وقوله عز وجل{ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} وقوله عز وجل في طالوت{ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} وقال عز وجل لنبيه(ص) { وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} وقال عز وجل في الأئمة من أهل بيته وعترته وذريته {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً * فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً} ، وإن العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده شرح الله صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاما فلم يعي بعده بجواب ولا يحيد فيه عن الصواب وهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد امن الخطايا والزلل والعثار يخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده وشاهده على خلقه { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} فهل يقدرون على مثل هذا؟! فيختاروه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدموه؟ تعدوا ـ وبيت الله ـ الحق ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون وفي كتاب الله الهدى والشفاء فنبذوه واتبعوا أهوائهم فذمهم الله ومقتهم وأتعسهم فقال عز وجل {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وقال عز وجل{ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} وقال عز وجل{ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} .](عيون أخبار الرضا(ع) للشيخ الصدوق:2/196-200) .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى