زاوية العقائد الدينية

الإمام المهدي (ع) والتطلع الإنساني للتحرر و الإنعتاق

الإمام المهدي (ع) والتطلع الإنساني للتحرر و الإنعتاق
أبو محمد الأنصاري 
منذ أن وطئت قدم الإنسان صخرة هذا الوجود المحترقة بأنواع الظلم والعبودية كان دائم التشوف لواقع أكثر كمالاً ، وأكثر تحقيقاً للشرط الإنساني، وكان هذا التطلع المركوز في فطرة الإنسان يجد تعبيراته المختلفة في الدين والأدب والشعر وفي حركة التأريخ والتغيير التي تمثل بحق بحثاً دائباً عن الحلم الأبدي المُعذِب الذي يقرح أجفان الإنسانية في كل زمان ومكان .
وعلى الرغم من انحرف أكثر مظاهر السعي الإنساني ، إلا أن الحقيقة التي يمكن استبصارها دائماً كامنة وراء السلوك الإنساني ومحركة له تبقى عصية على الموت وناشطة إلى الأبد .
هذا الشوق للحرية والكمال الذي يسكن الوجدان والفطرة التي جبل الله الإنسان عليها وجد التجسد الإلهي الخارجي له بعقيدة الإمام المهدي (ع) المنقذ والمحرر للبشرية نير عبوديتها الطويلة، والذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً . بمعنى أن الله جل وعلى الذي أبدع الفطرة الإنسانية، وغرس فيها شوق التحرر من كل القيود التي تناقض الحقيقة الإنسانية، لم يخلق هذه الفطرة بأشواقها عبثاً دون إمكانية للتحقق على أرض الواقع الخارجي ، ولم يتركها محفزاً يدفع الإنسان لاجتراح ما يجسمها دون تدخل منه عز وجل .
فالإنسان الذي يعتمد إدراك ما يعتمل في داخله من أحلام وتطلعات على ما يزوده به الواقع الخارجي من تصورات يبقى في النهاية رهينة لمحدودية هذه التصورات ، وعدم قدرتها على استيعاب ما هو مُغيب في اللحظة الراهنة ، ومن هنا تأتي سلسلة الأخطاء المتناسلة وفشل كل اليوتوبيات التي أسس لها الإنسان ، والتأريخ البشري بأجمعه – وبمعنى ما – هو رحلة مضنية لتشكيل اليوتوبيات وفشلها الذريع .
إن المؤسف والمحزن حقاً هو أن حلم الإنسانية الأصيل حين وجد الوثيقة الرسمية التي تدشنه كواقع حقيقي ينتظر التحقق في الخارج من خلال شخصية المنقذ المنصوص عليها، أنكرته الغالبية العظمى من المتطلعين أنفسهم ، والمسلمين منهم على وجه الخصوص، وكان لهذا الإنكار أسباب منها دخول شخص المنقذ في حلبة الصراع الطائفي العقائدي بالنسبة لأبناء العامة ، ومنها إنكار رسوله والممهد له بالنسبة للشيعة ، بيد أن أسخف ما تذرع به بعض المنكرين هو القول بأن أصل الفكرة ( على حد تعبيرهم ) نابع من تطلع الإنسان المعذب والمضطهد للخلاص من واقعه المزري عبر طريق الأحلام والوهم الذي تعبده النفس بعيداً عن مراقبة العقل الواعي !؟
والحق إن مناقشة القضايا العقائدية لها طريق غير الذي ينتهجه أبناء هذه الحضارة المتمردة على خالقها ، والمفتونة بغباء غير مسبوق بإنجازات المادة والنظرة الحسية ومناهجها القاصرة عن تبين حقائق الوجود ، كما إن تطبيق علم النفس بهذه الطريقة الفلسفية أقرب إلى الإنحراف في حركة الوعي والوقوع في دائرة التفكير الخرافي ، فالقائلون بهذه الفكرة المتهافتة لا يستندون أبداً على معطيات واقعية ، وإنما هم مدفوعون بهاجس عدم تقبلهم غير المبرر لعقيدة المنقذ ، وما طرحهم الذي يحسبونه تفسيراً لهذه العقيدة ودفعاً بالنتيجة لحقيقتها سوى إشهار لشكهم بها لا أكثر ، بمعنى أن منطقهم في الحقيقة ينبني على أساس مقابلة العقيدة بعدم الإيمان أو الرفض ، وهو بالتأكيد وكما هو واضح منطق سلبي لا يمثل تفنيداً علمياً أو موضوعياً لنفس العقيدة وإن أوهمتهم أنفسهم فاقدة الإيمان بذلك ، فأنت لا يمكنك تفنيد قضية أن الشمس تطلع من جهة المشرق بمجرد أن تقول إنني لا أؤمن بذلك !
نعم المسألة في بعدها الحقيقي هي مسألة إيمان بالله وبرسالاته وتخطيطه للمسيرة البشرية على الأرض ، هذا الإيمان الذي تفتقر له الحضارة الجاهلية المعاصرة كما افتقدته الجاهليات القديمة هو السبب الوحيد وراء إنكار عقيدة الإمام المهدي التي يراها المؤمنون بها ساطعة كالشمس ، بل أين الشمس من سطوعها ؟
Aaa_aaa9686_(at)_yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى