زاوية العقائد الدينية

المهدي بيننا2 (من هو اليماني..؟ )

سيكون هدفنا في مبتدأ هذا المبحث معرفة المزيد عن شخصية (أحمد) وصي أبيه الإمام المهدي (ع)، ليتسنى لنا العبور لاحقاً الى معرفة حدود شخصية اليماني.  وسيكون منطلقنا الجملة الواردة في ذيل وصية رسول الله (ص) المذكورة آنفاً، و أعني قوله (ص):((له ثلاثة أسامي؛ اسم كإسمي واسم أبي وهو عبدالله وأحمد والإسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين)).
واضح أن قوله (ص): (وهو أول المؤمنين) يعني إنه أول الأصحاب ال(313). وسيدهم، ويؤيده أمور منها:
1 – إن استقراء تأريخ الأنبياء والأوصياء يؤكد وجود الوصي مرافقاً للنبي أو الوصي السابق له، وأنه دائماً أول من يؤمن به، وأكثر الناس بذلاً لنصرته.
2 – الروايات التي تسمي أصحاب الإمام المهدي (ع) تنص عليه في بعضها وتشير له في بعضها الآخر؛ فعن الإمام  الصادق (ع) في خبر طويل يسمي فيه الأصحاب ال (313) يقول:(… ومن البصرة عبدالرحمن بن الأعطف بن سعد، و أحمد، ومليح، وحماد بن جابر) (بشارة الإسلام: 181). وعن أمير المؤمنين (ع):(… ألا وإن أولهم من البصرة، وآخرهم من الأبدال…) (نفسه: 148)، إذن أمير المؤمنين (ع) ينص في هذه الرواية الأخيرة على أن أول الأصحاب من البصرة، وقبلها نصت الرواية الواردة عن الإمام الصادق على أن من جملة الأصحاب في البصرة (أحمد)، وحيث أن وصية رسول الله (ص) دلت على أن أول الأصحاب اسمه (أحمد)، فتكون حصيلة الروايات كالآتي: إن (أحمد) وصي  الإمام المهدي (ع) هو أول الأصحاب، وهو من البصرة.
ولمعرفة المزيد عن (أحمد) أورد الرواية الآتية؛ عن الباقر (ع):(إن لله تعالى كنزاً بالطالقان ليس بذهب ولا فضة؛ إثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم أحمد، أحمد، يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء، عليه عصابة حمراء، كأني أنظر إليه عابر الفرات، فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج) (منتخب الأنوار المضيئة: 343). إن اتخاذهم اسم (أحمد) شعاراً، يدل على منـزلة خاصة  يعرفونها له. وقوله (يقودهم شاب من بني هاشم) إشارة الى أن (أحمد) هو نفسه المذكور في وصية رسول الله (ص) ، أومن يمثله ويعضده الأمر بالمسارعة إليه ولو حبواًعلى الثلج، فأمر هذا شأنه لايمكن للمعصومين أن يلزموا الناس به إلا إذا كان الشاب الذي يشيرون إليه حجة مفترض الطاعة، ولا حجة إلا الإمام المهدي (ع) وولده أحمد، فقد ورد عن الإمام الباقر (ع):(كل راية ترفع قبل القائم فصاحبها طاغوت) (غيبة النعماني: 115).
ومعنى ذلك إن جميع الرايات باستثناء راية القائم هي رايات ضلال، وحيث أن راية ال (شاب من بني هاشم) ممدوحة من قبل المعصومين، بل إننا مأمورون بالمسارعة إليها ولو حبواً على الثلج، فلابد أن تكون رايته هي راية القائم نفسها.
هذا وقد أثار بعض المعاندين شبهة مفادها: إن قوله (ص):(فإذا حضرته الوفاة – أي الإمام المهدي (ع) – فليسلمها الى ابنه… الخ) يشير الى أن أحمد لا وجود له قبل أبيه الإمام المهدي (ع)، وإنما هو يأتي بعده؟!
هذا الإستدلال في الحقيقة ينطوي على مغالطة، ذلك أن قوله (ص) ناظر الى تسلم أحمد مهمة الحكم وقيادة دولة العدل الإلهي، ولا تعلق لها بأصل وجوده في عصر التمهيد، وقد سبق لنا إثبات وجوده في عصر التمهيد.
لعل القارئ الآن أمكنه استيحاء معنى أن (أحمد)، أو القائم المرسل من قبل الإمام المهدي (ع) هو الشخصية الأساسية في عصر الظهور، ورايته هي راية الهدى الوحيدة، طالما كانت (كل راية ترفع قبل راية القائم فصاحبها طاغوت)، ولكن هذا الفهم يتعارض مع ما ورد عن أهل البيت من إن راية اليماني راية هدى، بل هي أهدى الرايات. فعن أبي بصير، عن أبي جعفر الباقر (ع) قال:(خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد؛ نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرابات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى، لأنه يدعو الى صاحبكم. فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس، وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو الى الحق، والى طريق مستقيم) (نفسه: 264).                                                                                                            
إن تأملاً في مضامين هذه الرواية يضعنا أمام حقائق غاية في الأهمية والخطورة، فاليماني – كما تدل الرواية – سفير خاص يرسله الإمام المهدي (ع) ليدعو له (لأنه يدعو الى صاحبكم)، (لأنه يدعو الى الحق والى طريق مستقيم). وما حرمة بيع السلاح إبان خروجه، وما الأمر بالنهوض إليه، ومناصرته، وتوعد من يلتوي عليه بالنار، إلا دليل على ما نقول. إذ يتحصل من هذه المعاني أن اليماني حجة مفترض الطاعة، بل إنه معصوم لا يدخل من تبعه في باطل ولا يخرجه من حق، وهذا المعنى في الحقيقة لازم للأمر بإتباعه وإطاعته، وعدم الإلتواء عليه، ثم إنه المستفاد نصاً من قوله (لأنه يدعو الى الحق والى طريق مستقيم)، أي إنه لا يدعو الى باطل أبداً ولا يسلك بالناس غير الطريق القويم. أقول وعلى الرغم من وضوح دلالة الرواية على  المعاني التي ذكرتها، غير أن بعض فقهاء آخر الزمان حاول الإلتواء عليها زاعماً:(إن مقتضى تعليل الرواية لراية اليماني، بأنها راية هدى لأنه يدعو الى صاحبكم، هو إبداء التحفظ على راية الحسني، وعدم خلوص دعوته الى المهدي عجل الله فرجه) (فقه علائم الظهور / الشيخ السند: 27).
ما يحاول الشيخ السند أن يقوله في هذا الكلام العجيب الغريب هو: إن المديح الواضح الذي كاله الإمام الباقر (ع) لليماني بقوله: (لأنه يدعو الى صاحبكم) وقوله: (فإن رايته راية هدى) و (هي أهدى الرايات) كل هذا وغبره ليس مديحاً لراية اليماني، ولا إشادة بها، وإنما هو ذم وتحفظ على راية الحسني لا أكثر؟!  ولا أدري والله ما عسى الإمام الباقر (ع) يقول فيما لو أراد الإشادة براية اليماني… هل للشيخ أن يخبرنا؟؟
ثم من أين أتى الشيخ بالحسني، وكيف زجه في الرواية، وهل يعتقد أن الحسني هو نفسه الخراساني أم ماذا؟ وبطبيعة الحال لم يجشم الشيخ نفسه عناء تقديم دليل على مزاعمه، واكتفى بارسال قوله وكأنه من المسلمات التي لا يختلف عليها رأسان.. وعلى أية حال لا موجب لأن يلفق الشيخ دليلاً لن يجني من ورائه غير الفضيحة. يكفيه أن يضع أمام اسمه لقب (آية الله) ليمر كل ما يقول مرور الماء الزلال.
أسألكم بالله لو أراد أحدكم أن يذم شخصاً، هل يلجأ الى مدح شخص آخر لتتحقق له غايته؟ ألا يخشى أن يفهم المستمع أن الشخص الممدوح يستحق المديح؟
نعم يمكن ذلك إذا أثنيت على شخص وسكت عن الآخر فالسامع سيفهم أن الشخص المسكوت عنه لا يستحق ثناء مثل صاحبه، ولكن الثناء الذي يقال هنا ثناء حقيقياً يكشف عن استحقاق المثني عليه، وليس مجرد كلمات فارغة كما يريد أن يوهمنا الشيخ السند.
ويمضي الشيخ السند في قراءته لرواية اليماني قائلاً:((إن الرواية تعلل حرمة الإلتواء على اليماني، بأنه يدعو الى الحق والصراط المستقيم، والى المهدي عجل الله فرجه، فالمدار في مناصرته على توفر الميزان والحدود الشرعية. وبعبارة أدق: الرواية تدل على حرمة العمل المضاد لحركته لإفشالها، ففرق بين التعبير بالإلتواء عليه والإلتواء عنه، فكلمة (عليه) تفيد السعي المضاد لحركته لا صرف المتاركة لحركته بخلاف كلمة (عنه) فإنها تفيد الإنصراف والإبتعاد عن حركته. نعم الأمر بالنهوض إليه يفيد المناصرة، والظاهر أن مورده لمن كان في معرض اللقاء به والمصادفة لمسيره)) (فقه علائم الظهور: 27 – 28).
يقول الشيخ إننا لكي ننصر اليماني لابد ان نتبين أولاً هل حركته توافق الشرع أم لا؟! عجيب والله، الإمام الباقر (ع) يقول إن رايته راية هدى وإنه يدعو الى الحق والى طريق مستقيم، ويأمر بالنهوض إليه، وسماحة الشيخ الجليل يطالبنا بالبحث والتحقق من أمر اليماني، وكأن كلام الإمام الباقر لا قيمة ولا حجية له(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً). وتطل علينا العبقرية والفرادة بذلك التوجيه لحرمة الإلتواء على اليماني بأن المراد منها عدم السعي المضاد لحركته لا صرف المتاركة لحركته. أي أن سماحته يشفق علينا كثيراً ويفهمنا أن الحرمة في الإلتواء على اليماني منصبة على مناؤته والعمل المضاد لحركته فقط، أما الإبتعاد عنه وعدم نصرته فالحرمة لا تطالها.                  
وأنا أسأل الشيخ بحق من يعبد ما هي الحكمة والمصلحة وراء تخذيله الناس عن نصرة اليماني؟ ومن أين أتى بهذا التوجيه، والأمر بالنهوض صريح في المبادرة والإسراع للنصرة؟ ثم من أين جاء بقوله: (والظاهر أن مورده لمن كان في معرض اللقاء به والمصادفة لمسيره)؟ هل نصت الرواية على شئ من هذا أم إنها أهواء تتبع؟ إن أمرالإمام الباقر (ع) بالنهوض إليه وعدم الإلتواء عليه متوجه الى الناس جميعاً ولا دليل إطلاقاً على أنه مقتصر على من يصادف مسيره أو يلتقيه في الطريق. ثم ألا يدل الأمر بالنهوض إليه على أن المقصود منه كل إنسان يسمع بحركته؟
والحق إن تمييز الشيخ بين (الإلتواء عنه) و (الإلتواء عليه) محض تمحل ليس إلا. فطالما كانت راية اليماني راية هدى وكان هو حجة مفترض الطاعة، والأمر بالنهوض إليه يشمل الجميع، فالملتوي عنه؛ أي الذي يسمع بحركته و يتقاعس عن نصرته فهو من أهل النار حتماً، لأنه متمرد على أمر المعصوم بالنهوض إليه ونصرته. وعلى أية حال سنرى بعد قليل أن اليماني هو نفسه القائم، فالمتمرد عليه متمرد على القائم ومتخاذل عنه. وللأسف الشديد لا يبدو أن الشيخ السند يقف عند حد، ويأبى إلا التمادي، فبعد أن ينقل الرواية الآتية الواردة عن الإمام الباقر (ع):((كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا، ولا يدفعونها إلا الى صاحبكم. قتلاهم شهداء، أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر)) (فقه علائم الظهور: 33). يعلق الشيخ قائلاً:((فإرشاده الى التحفظ على النفس حتى يظهر الحجة عجل الله فرجه، وادخار النفس لنصرته مؤشر عام على اتخاذ الحيطة في التيارات والقيادات التي تظهر قبيل المهدي عجل الله فرجه، في سنة ظهوره، وعدم خلوص تلك الجماعات عن شوب الإختلاط في الأوراق والبصيرة، كما إنه دال على أرجحية إدخار النفس والنصرة الى خروج المهدي عجل الله فرجه من مكة على الإلتحاق براية اليماني فضلاً على غيرها من الرايات)) (نفسه: 33 – 34).                                                                                          
الشيخ إذن يقول إنه لن يلتزم بما ورد في رواية اليماني من أمر بالنهوض إليه ونصرته، ويدعو الناس الى تبني موقفه هذا، وعذره في ذلك أن الإمام الباقر نفسه يقول في الرواية الأخيرة إنه سيدخر نفسه الى ظهور صاحب الأمر!! أقول على الرغم مما ينطوي عليه فهم الشيخ من خطل سنكشف عنه عند البحث في الرايات المشرقية، فإنني أشير هنا الى عدة أمور منها؛ إن من المخجل أن يصدر مثل هذا القول عن رجل يدعي إنه من المدافعين عن الدين، ثم يلجأ الى ضرب أحاديث أهل البيت (ع) بعضها ببعض وكأنها لا تصدر عن مشكاة واحدة. أليس الشيخ يقول إنه لن يلتزم بالرواية التي تحض على نصرة اليماني، وإنما سيلتزم بتلك التي تدعو لإدخار النفس لصاحب الأمر؟ سبحان الله هل يعتقد (آية الله) الشيخ السند إن الإمام الباقر (ع) يناقض نفسه فيأمر بالشئ ثم يعود ليأمر بخلافه؟ وهل يعتقد أن راية اليماني من الرايات التي يشوبها الإختلاط في الأوراق، مع إنها موصوفة بالهدى؟ وبعد مناقشته التي عرضنا خطوطها الأساس يخلص الشيخ الى النتيجة الآتية:(ويتحصل إن الرواية لا يستفاد منها إن اليماني من النواب الخاصين والسفراء للإمام المنتظر عجل الله فرجه، ولا تشير الى ذلك من قريب، ولا من بعيد، ولا دلالة لها على وجود ارتباط واتصال له مع الحجة (ع)) (فقه علائم الظهور: 28 – 29). أقول: كيف لا اتصال له مع الحجة، والرواية تقول (لأنه يدعو الى صاحبكم)، وكيف لا يرتبط مع الحجة وهو صاحب أهدى الرايات، أي صاحب راية القائم نفسها. فقد سمعنا قبل قليل إن كل راية ترفع قبل راية القائم فصاحبها طاغوت، وهي إذن راية ضلال لا يستثنى من ذلك غير راية القائم نفسها، وحيث كانت راية اليماني راية هدى فلاشك إنها راية القائم نفسها. والحق إن راية من شأن الملتوي عليها ورود النار، وإن كان من المصلين الصائمين لابد أن يكون الإلتواء عليها إلتواء على ولاية أهل البيت (ع)، فالخروج من الولاية وحده يجعل  الصلاة والصوم غير نافعين. ولا أدري كيف فهم الشيخ السند الأمر بالنهوض لليماني، وهو أمر لا يستثنى منه أحد، كما هو واضح، وعلى الجميع أن يلتزموا به وهو يقتضي بالنتيجة أن تكون ثمة دعوة يباشرها اليماني بين الناس ليتسنى لهم معرفته من خلالها وتمييز رايته عن الرايات الأخرى المشتبهة، فسيأتي في مبحث لاحق إن إثنتا عشرة راية مشتبهة سترفع، أقول إذا كان لابد من دعوة كما ثبت فلابد من سفارة تستند عليها الدعوة، ولو قلنا بعدم السفارة كما ذهب إليه السند فالدعوة منعدمة، والأمر بالنهوض إذن يصبح لغواً لا معنى له، إذ كيف يكون النهوض وعلى أي أساس، هل ننهض لكل من هب ودب دون التثبت من أنه هو اليماني الموعود؟ أم أن علينا القبول بنظرية الشيخ السند فنقول إن الأمر بالنهوض يلزم من صادف اليماني في الطريق فقط، فهذا وحده من يجب عليه أن يحسم أمره، وفي الوقت القصير المتاح له (ربما ساعة، وربما أقل = لم يحدد لنا الشيخ السند وقتاً)، فأما الى الجنة وأما الى النار. هذا وقد علل الشيخ علي الكوراني في كتابه عصر الظهور كون راية اليماني راية هدى بقوله:(ولكن المرجح أن يكون السبب الأساسي في أن ثورة اليماني أهدى، إنها تحظى بشرف التوجيه المباشر من المهدي عليه السلام، وإنها جزء من خطة حركته عليه السلام، وأن اليماني يتشرف بلقائه ويأخذ توجيهه منه) (عصر الظهور:114). وقد أضاف لهذا النص في كتابه (المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي) عبارة((فاليماني سفيره الخاص)) (المعجم الموضوعي: 619).                                
والواقع إن حديثنا عن اليماني بعنوان كونه سفيراً لا يعدو عن كونه مسامحة في الإصطلاح، وجرياً مع القوم في ما ألفوه من اصطلاحات، أما الحقيقة التي يسعى هذا البحث لإثباتها فتتعدى كثيراً حدود السفارة كما عرفت إبان الغيبة الصغرى. إن ما يسعى البحث لإقامة الدليل عليه هو أن اليماني هو نفسه (أحمد) قائم آل محمد، بأمر أبيه الإمام المهدي (ع). ويتأكد هذا الأمر بأدلة كثيرة، نذكر بعضها الآن – ويوجد المزيد منها في كتاب (اليماني حجة الله) أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي (ع) – أقول نقل السيد ابن طاووس في ملاحمه:(أمير جيش الغضب ليس من ذي ولا ذهو، لكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان: بايعوا فلاناً باسمه، ليس من ذي ولا ذهو ولكنه خليفة يماني) (الملاحم والفتن / ابن طاووس: 80). والصوت الذي لم يقله إنس ولا جان هو صيحة جبرائيل (ع)، وقد مر أنه ينادي باسم القائم (أحمد)، وأضاف هذا الحديث أن القائم هو اليماني، وأما جيش الغضب فهم الأصحاب ال (313). فعن علي (ع)، وقد سأله أحدهم عن جيش الغضب، فقال:(… أولئك قوم يأتون في آخر الزمان، قزع كقزع الخريف، والرجل والرجلان والثلاثة من كل قبيلة حتى يبلغ تسعة، أما والله إني لأعرف أميرهم واسمه ومحل ركابهم، ثم نهض وهو يقول: باقراً باقراً باقراً، ثم قال: ذلك رجل من ذريتي يبقر العلم بقراً) (غيبة النعماني: 325). فاليماني أو قائد جيش الغضب من ذرية أمير المؤمنين (ع)، وكونه يبقر العلم بقرا يدل على أنه من الراسخين في العلم، وهم الأئمة والمهديين حصراً. وعن أبي عبدالله (ع)، قال:(إذا أذن الإمام دعى الله باسمه العبراني فأتيحت له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر قزع كقزع الخريف) (نفسه: 326). فقائد ال (313) إذن له منصب الإمامة، وهو منصب منحصر بأبناء الحسين كما هو معروف، و(أحمد) منهم. والحق إننا طالما علمنا أن (أحمد) هو أول المؤمنين بالإمام المهدي (ع) وهو وصيه والحجة على الخلق بعده فيلزمنا حتماً أن نستنتج أن اليماني قائد ال (313) – على فرض كونه شخصاً آخر غير (أحمد) – لابد أن يكون محجوجاً و تابعاً لأحمد لأن هذا الأخير وصي أبيه وأفضل الناس بعده، ولكن هذه النتيجة تعترضها الروايات التي تقطع بأن اليماني هو الحجة والملتوي عليه من أهل النار، ولا سبيل لرفع التعارض إلا إذا قلنا أن (أحمد) واليماني هما شخصية واحدة. والواقع إن عصمة اليماني التي تشير لها الروايات بعبارة (الملتوي عليه من أهل النار) و (لأنه يهدي الى الحق والى طريق مستقيم) لا يتسنى له بلوغها ما لم يكن متصلاً بالإمام المهدي (ع)، و من أكثر اتصالاً به من ولده؟                              

معالجة شبهة

تعترض شبهة في أذهان الكثيرين مفادها؛ أن اليماني رجل من أهل اليمن، بينما أثبتنا فيما تقدم أن اليماني هو (أحمد) وهو رجل من أهل البصرة، فما السبيل للخروج من هذا التعارض؟
يقول الشيخ السند:(كما إن هناك علامة أخرى تشير إليها الرواية وهي كون خروجه من بلاد اليمن، وهو وجه تسميته باليماني) (فقه علائم الظهور: 28).
ويقول الشيخ الكوراني:(أما في منطقة الخليج فمن الطبيعي أن يكون لليمانيين الدور الأساسي فيها مضافاً الى الحجاز، وإن لم تذكر ذلك الروايات) (عصر الظهور: 113). يبدو من حديث الشيخين، وسواهم أن السبب في نسبتهم اليماني لبلاد اليمن أمران؛ أولهما لغوي وهو عائدية النسبة من اليماني الى بلاد اليمن، والثاني روائي ويتمثل بورود جملة من الروايات تتحدث عن ظهور رجل من اليمن في الفترة التي تسبق الظهور. وفي صدد مناقشة الأمر الأول أقول إن النسبة من لفظ اليماني يمكن أن تعود الى اليمن، ويمكن أن تعود الى اليُمن (بمعنى البركة)، ويمكن كذلك أن تعود الى اليمين بالقدر نفسه، فما الذي يرجح احتمالاً على غيره؟ وعلى فرض عائدية النسبة الى بلاد اليمن، فليس معنى ذلك إنه من قاطني هذه البلاد بالضرورة. فمن المعروف الذي لا ينكره أحد أن كثيراً من الناس ينتسبون الى منطقة، ومحل سكناهم منطقة أخرى، فصهيب رومي، وبلال حبشي، وكلاهما عاشا وماتا في بلاد العرب، ومثلهما السيد الخوئي الذي ينتسب الى مدينة (خوء)، وغيره الكثير. كما أن المنصوص عليه في معاجم البلدان أن مكة من تهامة وتهامة من اليمن، فرسول الله (ص) وأهل بيته (ع) كلهم يمانية، وقد ورد عن رسول الله (ص):(وإن الإيمان يماني، والحكمة يمانية) (اليماني حجة الله: 88 – 89. والكتاب أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي (ع)). وعنه (ص):(الإيمان يمان وأنا يماني) (المصدر السابق). وجاء في البحار (للعلامة المجلسي):(قال الجزري: في الحديث الإيمان يمان والحكمة يمانية، إنما قال (ص) ذلك لأن الإيمان بدأ من مكة، وهي من تهامة، وتهامة من اليمن) (المصدر السابق). والغريب إن الشيخ السند يشير في كتابه الى هذا المعنى المتعلق بعائدية مكة الى اليمن ولكنه لا يرتب عليه أثراً (انظر فقه علائم الظهور: 28). أقول إن مكة هي موطن أهل البيت (ع) فهم جميعا يمانيون، وقد ورد عن ابن حماد:(ما المهدي إلا من قريش، وما الخلافة إلا فيهم، غير أن له أصلاً ونسباً في اليمن) (المعجم الموضوعي: 616).    
وبالنسبة للأمر الثاني ، فقد وردت بعض الروايات كان لها الأثر في توليد الشبهة لدى الكثيرين، فقد روى الطوسي في الغيبة عن محمد بن مسلم:(يخرج قبل السفياني مصري ويماني) (المعجم الموضوعي: 620). وعن عبيد بن زرارة، قال:(ذكر عند أبي عبدالله السفياني فقال: أنى يخرج ذلك ولما يخرج كاسر عينيه في صنعاء) (غيبة النعماني: 277). وعن أبي جعفر (ع):(… وخرج السفياني من الشام واليماني من اليمن) (كمال الدين / الشيخ الصدوق: 331). وفي بحار الأنوار، عن سطيح الكاهن:(… ثم يخرج ملك من صنعاء اليمن، أبيض كالقطن، إسمه حسين أو حسن) (بحار الأنوار / ج51: 162).            
من يتأمل هذه الروايات يخرج بنتيجة حتمية مفادها تعدد شخصية اليماني؛ بمعنى إن ثمة أكثر من شخص ينطبق عليه لقب اليماني. فقد علمنا فيما تقدم إن خروج اليماني والسفياني يتم في يوم واحد وشهر واحد وسنة واحدة، بينما تنص الرواية المنقولة عن الطوسي على تقدم المصري واليماني على السفياني. الأمر الذي يدل على أن اليماني المذكور فيها شخص آخر غير اليماني الموعود. والأمر نفسه يقال بالنسبة للرواية الواردة عن عبيد بن زرارة، فهي تؤكد على أن خروج السفياني لابد أن يسبقه خروج رجل من صنعاء. ويعلق الشيخ الكوراني على هذه الرواية قائلاً:((ويحتمل أن يكون هذا الذي يظهر قبل السفياني يمانياً ممهداً لليماني الموعود)) (عصر الظهور: 115).
والآن إذا كان ثمة أكثر من يماني، فأيهم المقصود برواية (وخرج السفياني من الشام واليماني من اليمن)؟ لاشك إننا لا نملك إجابة قاطعة في هذا الصدد، فالإشارة الى اليمن لا تعني إنه سيخرج من بلاد اليمن، فقد ورد عن النبي (ص):(… وسيخرج من هذا – أي علي (ع) – فتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى اليمني، فإنه يُقبل من المشرق، وهو صاحب راية المهدي) (المهدي المنتظر الموعود / ب4: 107). فالرواية تقول إن الفتى اليمني يقبل من المشرق، والمعروف إن حركة اليماني تستهدف الوصول الى  الكوفة، فقد ورد ما مضمونه (اليماني والسفياني يستبقان الى الكوفة كفرسي رهان)، ومن ينطلق من اليمن تكون الكوفة الى جهة المشرق بالنسبة له، ويكون مجيئه لها من قبل المغرب لا المشرق كما نصت الرواية، فيتحصل أن الفتى اليمني لا ينطلق من بلاد اليمن. وأما الرواية التي تذكر اسم ملك اليمن (حسين أو حسن) فيكفي في ردها إنها لم ترد عن أهل البيت (ع)، وإنما عن كاهن هلك قبل البعثة النبوية، ولعل الترديد في الإسم دليل على تخليطه، ولو تنزلنا وقبلنا الرواية فإن التساؤل يبقى قائماً:
هل الملك اليماني هذا هو اليماني الموعود أم إنه يماني آخر؟ وعلى أي أساس يمكن أن نقطع بنتيجة؟ أ نتبع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله والعياذ بالله؟ هذا وقد علق الشيخ ناظم العقيلي على هذا المبحث من الكتاب قائلاً: (حتى لو كانت هناك روايات تنص على أن اليماني من اليمن فهي إشارة الى أصله، فالأئمة (ع) انتهجوا سبيل التعريض والإشارة فيما يخص نهضة القائم (ع)، وذلك حفاظاً على نجاح نهضته وعدم كشفها للأعداء، ولسد الطريق أمام المدعين، وهذا بعكس الإشارة الى حركة السفياني التي فصلت في أمره بقصد كشفه للشيعة وبغض النظر عن كل شئ ، ففي كلام الإمام الباقر (ع) القول الفصل في إمكان حدوث البداء في حديثهم (ع) ، وما على شيعتهم إلا التسليم ، وإلا فالعار والنار أعاذنا الله تعالى . فعن الباقر (ع) : ( …إذا حدثناكم الحديث فجاء على ما حدثناكم به فقولوا : صدق الله ، وإذا حدثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به فقولوا : صدق الله ، تؤجروا مرتين ) [الكافي ج1 : 416] ).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى