إن راية الهدى هي الميزان الإلهي الذي يميز به الله سبحانه الخبيث من الطيب ، قال تعالى{لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(الأنفال/37) ، وتخلص الناس بالفتنة التي تذكيها تلك الراية ، حيث ورد عن أهل البيت(ص) في هذا السياق ما يبين ذلك ، وقبل بيان أهل البيت(ع) نذكر البيان الإلهي حيث قال تعالى{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (العنكبوت/2) ،
واستنادا إلى سنة الله ؛ ورد عن آل محمد(ع) ما نصه : [عن الحسن ابن محبوب ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال : قال لي : لا بد من فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل بطانة ووليجة وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي ، يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض ، وكل حرى وحران ، وكل حزين ولهفان ، ثم قال عليه السلام : بأبي وأمي سمي جدي صلى الله عليه وآله وشبيه موسى بن عمران عليه السلام ، عليه جيوب النور ، يتوقد من شعاع ضياء القدس ، كم من حرى مؤمنة ، وكم من مؤمن متأسف حيران حزين عند فقدان الماء ، المعين .](الإمامة والتبصرة لابن بابويه القمي:114) ، والرواية الكريمة فيها التفاتة لطيفة ينبغي الإشارة إليها وهي ؛ إنها لا تعني الإمام المهدي(ع) محمد بن الحسن العسكري(ع) بدلائل عدة ، منها على سبيل المثال لا الحصر ؛ إنها قالت : سمي جده(ص) وهنا تعني أن اسمه ربما (محمد) أو (أحمد) ، وما يحل هذا الإشكال هو أننا لو عدنا إلى الرواية فإنها تقول (عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي) والثالث من ولد الإمام الرضا(ع) اذا فهمنا منها الفهم السطحي ، يكون هو الإمام الحسن العسكري(ص) ، ومن الثابت أن الإمام العسكري(ع) ليس مفقوداً بل هو موجود ، واسمه الحسن وليس (أحمد أو محمد) فالحسن ليس سمي جده(ع) ، كما أن ابنه الإمام محمد بن الحسن المهدي(ع) موجود وقد تواتر الحديث عن وجوده صلوات الله عليه ، وغيبته لا تعني فقدانه بقدر ما تعني أنه محجوب ،
والحجب غير الفقدان ، أي أن الحجب يعني أن الإمام (ع) موجود وينتفع به كانتفاع الأرض بالشمس جللها السحاب ، ولعل فيما ورد عن رسول الله(ص) يبيِّن هوية الثالث من ولد الإمام الرضا (ع) : [يا علي أنت مني وأنا منك ، وأنت أخي ووزيري ، فإذا مت ظهرت لك ضغائن في صدور قوم ، وسيكون بعدي فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة ، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك يحزن لفقده أهل الأرض والسماء ، فكم مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران عند فقده . ثم أطرق مليا ثم رفع رأسه وقال : بأبي وأمي سمي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران عليه جبوب النور](كفاية الأثر للخزاز القمي:158 ،159) ،
أما وصفه بـ(الفقدان) يعني أن أمره خفي على الشيعة وليس على عامة المسلمين ، ومن الثابت أن أمر الإمام المهدي محمد بن الحسن(ع) ليس خفيا على الشيعة بل يكاد أمره يكون جليا بدليل ما رووه من قصص للقاء به(ص) ، كما أن الإمام المهدي محمد بن الحسن(ع) هو الرابع من السابع من ولد أمير المؤمنين(ع) وليس الخامس!!! وأوصافه لا تشبه أوصاف موسى بن عمران ، ويظهر ثم يختفي فيفقده الشيعة ، وورد [عن أبي الجارود عن أبي جعفر ( ع ) عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين ( ع ) على المنبر : يخرج رجل من ولدى في آخر الزمان – وذكر صفة القائم وأحواله – إلى أن قال – له اسمان : اسم يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد – الحديث]( القواعد الفقهية للشيخ ناصر مكارم:1/501) ،
وبحسب هذه الرواية الشريفة أن هناك قائمين لآل محمد(ص) في آخر الزمان ، المخفي منهما هو موضع الابتلاء والاختبار والتمحيص ، ذاك أن أهل البيت(ع) شددوا على قضية التمويه عليه ، والإشارة إليه إشارات تدل عليه ولكن دلالتها لا تعمل إلا بمجيئه هو ، حيث ورد : [عن عبد الرحمان بن أبي نجران عن فضالة بن أيوب عن سدير قال : سمعت أبا عبد الله “ ع ” يقول : إن في القائم سنة من يوسف قلت كأنك تذكر خبره أو غيبته قال لي وما تنكر من هذه الأمة أشباه الخنازير ، إن إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء تاجروا بيوسف وباعوه وخاطبوه وهم إخوته وهو أخوهم فلم يعرفوه حتى قال لهم يوسف : أنا يوسف فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يكون الله عز وجل في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجته لقد كان يوسف أحب إليه من ملك مصر وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوما فلو أراد الله عز وجل أن يعرف مكانه لقدر على ذلك والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله ان يفعل بحجته ما فعل بيوسف وأن يكون يسير في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله عز وجل أن يعرفهم نفسه كما أذن ليوسف حين قال : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قالوا : إنك لانت يوسف ، قال : أنا يوسف وهذا أخي .](علل الشرائع للصدوق:1/244) .
إذن صاحب الأمر هو من يُعرِّف بنفسه وهو من يحتج على الناس ولا يستطيع أحد من الناس أن يتعرف عليه إذا لم يعرف هو نفسه بإذن ربه سبحانه ، وقد ورد (عن مالك الجهني قال ؛ قلت لأبي جعفر(ع) :إنا لنصف صاحب هذا الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس . فقال (ع) : لا والله لا يكون ذلك أبدا حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه) (الغيبة للنعماني:337) ، وتلك إشارة مهمة دالة على صاحب الحق وداعيه في زمن الغيبة الكبرى .
……………………………………………………………………………………………………………………………
( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 30 – السنة الثانية – بتاريخ 15-2-2011 م – 11 ربيع الأول 1432 هـ.ق)