[عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل .](الكافي للكليني:8/295)
من المعروف أن الراية لا يرفعها صاحبها إلا إذا كان داعيا لنفسه ، وحاكما على وفق شريعة كان قد أمر بها ، أو يرتئيها هو ، ولذلك فحديث الإمام الصادق(ص) هو جرس إنذار لكل من تسول له نفسه لرفع راية يقيم تحتها حكما ويدعو الناس إلى شريعة هي بالضرورة غير شريعة الله سبحانه ،
لأنه لو كان يدعو إلى شريعة الله سبحانه فالشريعة تكون حاكمة له دالة عليه حيث أنها وضعت قانونا يعرف به من يكون صاحب راية الحق ، ولذلك لو التفتنا إلى نص الرواية فهي تقول (كل راية) بمعنى أنها لم تستثن أي راية ترفع ، وربما يجد المرجفون بهذا القول فرصة لإثارة شبهة مفادها ؛ هل يترك الناس هكذا من دون راية تحكمهم وتنظم أمرهم؟؟؟!!!
ولاشك في أن هذه الشبهة قد تنطلي على السواد الأعظم من الناس ، وهم يجهلون أن إثارة مثل هذه الشبهة هو اتهام صريح لله سبحانه بأنه ترك خلقه هكذا هملا من دون راعٍ ، ولاشك في أن هذا الاتهام من القبح بمكان يخرج به من يمر بخاطره ولو مرورا من الملة الإلهية ، وللأسف أن السواد الأعظم من الناس فعل هذا الخاطر الشيطاني برؤوسهم فعله ، فراحوا يتقافزون على مسند الحاكمية بآرائهم وأهوائهم ، تماما كما قال أمير المؤمنين(ص) : [وتعود دار الملك إلى الزوراء ، وتصير الأمور شورى ، من غلب على شيء فعله ، فعند ذلك خروج السفياني ، فيركب في الأرض تسعة أشهر يسومهم سوء العذاب …](الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس:266) ،
ومثلما وصف أمير المؤمنين(ص) وقع ، غير أن ما يثير السؤال هو ؛ لماذا التركيز على الزوراء؟! مع أن هناك من المسلمين في باقي بقاع الأرض توزعوا بين جماعات يحكمهم الطواغيت باسم الدين ، وبمساندة وعاظ السلاطين من فقهاء السوء ، وهناك طائفة من الناس أقاموا حاكميتهم ببدعة جديدة اصطلحوا عليها (ولاية الفقيه) وتحت هذه الولاية يكون عمل الفقيه مع الأمة هو عمل الإمام المعصوم(ع) ، وإن حاول دعاة هذه النظرية التخفيف من هذا الفهم ، إلا إن واقع العمل بهذه الحاكمية انكشف ، وخاصة بعد ظهور راية الهدى ، حيث خرج الولي الفقيه على حقيقة تلك النظرية ؛ إنها حاكمية تستمد شرعيتها من الناس وليس من الله سبحانه ، ولذلك قالها الولي الفقيه بالفم المليان ـ كما يقال ـ (حاكمية الشعب الشرعية) ، ووصف تجربة الحكم في بلاده ؛ إنها ديمقراطية ولكنها ليست كالديمقراطيات العالمية التي وصف بعضها بالكاذبة ، والأخرى بالزائفة ، ووصف ديمقراطيته بأنها أثبتت مصداقيتها من خلال العدد الهائل من الناس المؤيد لها ، وكأن هذا الولي الفقيه أعرض عن كتاب الله سبحانه تماما ، وتجاهل ميزان الحق القائم على العدل والصدق والرحمة ، فهو يعلم تمام العلم أن ما سماه (حاكمية الشعب الشرعية) هو في حقيقته دعوة صريحة لحاكمية الناس ، وهي نهج حاكمية الشيطان ، ابتدعها من ابتدعها كي تستحيل سلاحا يقتل به مشروع الحاكمية الإلهية في أنفس الناس ، ولقد نجح أولئك في إحداث تلك المصيبة ، حيث صارت الدعوة ـ اليوم ـ إلى حاكمية الله دعوة غريبة ، بل ودعوة موصومة بالجهل والجنون وعدم مراعاة الواقع المعاش ، والكثير الكثير من التهم والافتراءات التي إن دلت على شيء إنما تدل عن خطورة الانحراف الذي وصلت له البشرية في قضية حاكمية الله سبحانه ، قال تعالى{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(الروم/41) ، واس الفساد هو الانحراف عن الحكومة الإلهية المنصبة من عنده سبحانه بالنص ، والانحياز إلى نهج في الحكم لا يثمر غير الظلم والجور ، وظهور الفساد ؛ هو طغيان الظلم والجور بسبب تمكن المنهج الشيطاني في الحكم ، واستضعاف المنهج الإلهي ، بل ورمي من يدعو له بشتى التهم والأكاذيب ، والأعجب من ذلك أن الناس بسوادهم الأعظم يجدون أن الدين ـ بنظرهم ـ أعجز من أن يكون حاكما ، بل هم قبلوه انتسابا ولأنهم وجدوا آباءهم على ذلك فهم كما وصف الكتاب العزيز {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}(الزخرف/22) ، ولذلك جاء بيان رسول الله(ص) لحال أمة آخر الزمان مطابق تماما للواقع ، حيث ورد عن [علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه ، يُسَمَّون به وهم أبعد الناس منه ، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى ، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود .]( الكافي للشيخ الكليني:8/307 – 308)
……………………………………………………………………………………………………..
( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 32 – السنة الثانية – بتاريخ 1-3-2011 م – 25 ربيع الأول 1432 هـ.ق)