(1)
الدليل الأول : قوله تعالى ( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى ). قال صاحب شرح المواقف: قال أكثر المفسرين، وقد اعتمد عليه العلماء: إنها نزلت في أبي بكر، فهو أتقى، ومن هو أتقى فهو أكرم عند الله تعالى، لقوله عز وجل: ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )، فيكون أبو بكر هو الأفضل عند الله سبحانه وتعالى. ومن كان الأفضل والأكرم عند الله، فهو المتعين للإمامة والخلافة بعد رسول الله.
المناقشة:
1- الاستدلال بهذه الآية على إمامة أبي بكر يتوقف على سقوط جميع الأدلة التي أقامها الإمامية على عصمة علي ( عليه السلام ) ، وإلا فالمعصوم أكرم عند الله سبحانه وتعالى ممن يؤتي ماله يتزكى، فإذن، يتوقف الاستدلال بهذه الآية على إمامة أبي بكر – لو كانت نازلة فيه – على عدم تمامية تلك الأدلة التي أقامها الإمامية على عصمة علي ( عليه السلام ).
2 – يتوقف الاستدلال بهذه الآية المباركة لأكرمية أبي بكر، على أن لا يتم ما استدل به لأفضلية علي ( عليه السلام )، وإلا لتعارضا بناء على صحة هذا الاستدلال وحجية هذا الحديث الوارد في ذيل هذه الآية المباركة، ويكون الدليلان حجتين متعارضتين، ويتساقطان، فلا تبقى في الآية هذه دلالة على إمامته. ولكن مما لا يحتاج إلى أدلة إثبات هو: أن عليا ( عليه السلام ) لم يسجد لصنم قط، وأبو بكر سجد، ولذا يقولون – إذا ذكروا عليا – : كرم الله وجهه، وهذا يقتضي أن يكون علي أكرم عند الله سبحانه وتعالى .
3- يتوقف الاستدلال بهذه الآية المباركة على نزول الآية في أبي بكر، والحال أنهم مختلفون في تفسير هذه الآية على ثلاثة أقوال: القول الأول: إن الآية عامة للمؤمنين ولا اختصاص لها بأحد منهم. القول الثاني: إن الآية نازلة في قصة أبي الدحداح وصاحب النخلة، انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور، فهو يذكر هذه القصة في ذيل هذه الآية، وإن الآية بناء على هذا القول نازلة بتلك القصة ولا علاقة لها بأبي بكر. القول الثالث: إن الآية نازلة في أبي بكر. فالقول بنزول الآية المباركة في أبي بكر أحد الأقوال الثلاثة عندهم. لكن هذا القول – أي القول بنزول الآية في أبي بكر – يتوقف على صحة سند الخبر به، وإذا لم يتم الخبر الدال على نزول الآية في أبي بكر يبطل هذا القول. وإليكم المصدر الذي ذكر فيه خبر نزول الآية في أبي بكر وتصريحه بضعف سند هذه الرواية: الرواية يرويها الطبراني، ويرويها عنه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ، ثم يقول : فيه – أي في سنده – مصعب بن ثابت ، وفيه ضعف. فالقول الثالث الذي هو أحد الأقوال في المسألة يستند إلى هذه الرواية، والرواية ضعيفة. ومصعب بن ثابت : ضعفه يحيى بن معين، وضعفه أحمد بن حنبل، وضعفه أبو حاتم قال: لا يحتج به، وقال النسائي: ليس بالقوي، وهكذا قال غير هؤلاء. فكيف يستدل بالآية المباركة على أكرمية أبي بكر وأفضليته، وفي المسألة ثلاثة أقوال، والقول بنزولها في أبي بكر يستند إلى رواية، وتلك الرواية ضعيفة؟
الدليل الثاني: قوله ( صلى الله عليه وسلم ): اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. فإن (اقتدوا) أمر، والخطاب لعموم المسلمين، وهذا الخطاب العام يشمل عليا، فعلي أيضا مأمور بالاقتداء بالشيخين، فيجب على علي أن يكون مقتديا بالشيخين، والمقتدى هو الإمام.
المناقشة:
هذا الحديث من أحسن أدلتهم على إمامة الشيخين ، يستدلون به في كتب الكلام، وفي كتب الأصول أيضا، واستنادا إلى هذا الحديث يجعلون اتفاق الشيخين حجة، ويعتبرون سنة الشيخين استنادا إلى هذا الحديث حجة، فالحديث مهم جدا، لاسيما وأنه في مسند أحمد بن حنبل، وفي صحيح الترمذي وفي مستدرك الحاكم، فهو حديث موجود في كتب معتبرة مشهورة، ويستدلون به في بحوث مختلفة. ولكن تدقيق النظر في أسانيده تضعنا أمام حقيقة أن جميع أسانيده ضعيفة، وكبار علمائهم ينصون على كثير من رجال هذا الحديث بالضعف، ويجرحونهم بشتى أنواع الجرح. قال المناوي في شرح هذا الحديث في فيض القدير في شرح الجامع الصغير: أعلّه أبو حاتم [ أي قال: هذا الحديث عليل ] وقال البزار كابن حزم لا يصح. فهؤلاء ثلاثة من أئمتهم يردون هذا الحديث: أبو حاتم، أبو بكر البزار، وابن حزم الأندلسي. والترمذي حيث أورد هذا الحديث في كتابه بأحسن طرقه، يضعفه بصراحة. ويقول أبو جعفر العقيلي في كتاب الضعفاء الكبير: منكر لا أصل له. وفي ميزان الاعتدال يقول نقلا عن أبي بكر النقاش: وهذا الحديث واهٍ. ويقول الدارقطني – وهو أمير المؤمنين في الحديث عندهم في القرن الرابع الهجري – : هذا الحديث لا يثبت. ويقول العلامة العبري الفرغاني المتوفى سنة 743 ه ، في شرحه على منهاج البيضاوي: إن هذا الحديث موضوع. والحافظ الذهبي يذكر هذا الحديث في مواضع عديدة من كتابه ميزان الاعتدال، ويرده ويكذبه ويبطله. كما أنه يتعقب الحاكم في تلخيص المستدرك ويقول: سنده واهٍ جدا. وفي مجمع الزوائد للهيثمي يروي هذا الحديث عن طريق الطبراني ويقول: وفيه من لم أعرفهم وفي لسان الميزان لابن حجر العسقلاني الحافظ شيخ الإسلام يذكر هذا الحديث في أكثر من موضع وينص على سقوطه. فهذا الحديث – إذن – لا يليق أن يستدل به. ولذا نرى بعضهم لما يرى سقوط هذا الحديث سندا، ومن ناحية أخرى يراه حديثا مفيدا لإثبات إمامة أبي بكر دلالة ومعنى، يضطر إلى أن ينسبه إلى الشيخين والصحيحين كذبا. فالقاري – مثلا – ينسب هذا الحديث في كتابه شرح الفقه الأكبر إلى صحيحي البخاري ومسلم، وليس الحديث موجودا في الصحيحين، مما يدل على أنهم يعترفون بسقوط هذا الحديث سندا، لكنهم غافلون عن أن الناس سينظرون في كتبهم وسيراجعونها، وسيحققون في المطالب التي يذكرونها. ثم كيف يأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالاقتداء بالشيخين، مع أن الشيخين اختلفا في كثير من الموارد، فبمن يقتدي المسلمون؟ وكيف يأمر رسول الله بالاقتداء بالشيخين، مع أن الصحابة خالفوا الشيخين في كثير مما قالا وفعلا وهل بإمكانهم أن يفسقوا أولئك الصحابة الذين خالفوا الشيخين في أقوالهما وأفعالهما، وتلك الموارد كثيرة جدا؟!
والبقية ستأتي.
990 4 دقائق