(2)
الدليل الثالث : قول النبي (ص)لأبي الدرداء: واللّـه ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على رجل أفضل من أبي بكر.
المناقشة:
هذا الحديث ضعيف للغاية عندهم، فقد رواه الطبراني في الأوسط بسند قال الهيثمي: فيه إسماعيل بن يحيى التيمي وهو كذاب. وفيه أيضا – أي في مجمع الزوائد بسند آخر يرويه عن الطبراني ويقول: فيه بقية – بقية بن الوليد – وهو مدلس وهو ضعيف. وهو ساقط عند علماء الرجال.
الدليل الرابع : قوله (ص) لأبي بكر وعمر: هما سيدا كهول أهل الجنة ما خلا النبيين والمرسلين.
المناقشة:
هذا الحديث يرويه البزار، ويرويه الطبراني، كلاهما عن أبي سعيد. قال الهيثمي حيث رواه عنهما في مجمع الزوائد: فيه علي بن عابس وهو ضعيف. ويرويه الهيثمي عن البزار عن عبيد اللّـه بن عمر ويقول في راويه عبد الرحمن بن ملك: هو متروك. وليس لهذا الحديث سند غير هذين السندين.
الدليل الخامس : قوله (ص): ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدم عليه غيره.
المناقشة:
أورد هذا الحديث الحافظ ابن الجوزي في كتاب الموضوعات وقال: هذا حديث موضوع على رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وسلم ).
الدليل السادس: تقديم النبي أبا بكر في الصلاة ، فأبو بكر صلى في مكان النبي ( صلى اللّـه عليه وسلم ) في مرض النبي، وكانت صلاته تلك على ما يروون بأمر من النبي.
المناقشة:
وأما صلاة أبي بكر، وهي مسألة مهمة جدا لسببين: السبب الأول: إن خبر صلاة أبي بكر وارد في الصحيحين لا بسند بل أكثر، ووارد في المسانيد والسنن، وفي أكثر كتبهم المعتبرة المشهورة. وثانيا: يقولون إن الصلاة أفضل العبادات، وإذا كان رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم ) قد أرسل أبا بكر ليصلي في مكانه في حال مرضه ودنو أجله، فإنه سيكون دليلا على أنه يريد أن يرشحه للخلافة من بعده، فيكون هذا الحديث – حديث صلاة أبي بكر في مكان رسول اللّـه – من أحسن الأدلة على إمامة أبي بكر. رووا هذا الحديث عن عدة من الصحابة، وعلى رأسهم عائشة بنت أبي بكر، ولكنك لو تأملت في الأسانيد لرأيت الصحابة يروون هذا الخبر مرسلا، أو يسمعون الخبر عن عائشة وتكون هي الواسطة في نقل هذا الخبر، وحينئذ تنتهي جميع أسانيد هذا الخبر إلى عائشة، وعائشة متهمة في نقل مثل هذه القضايا لسببين: الأول: مخالفتها لعلي. الثاني: كونها بنت أبي بكر. ولكن بغض النظر عن هذه الناحية، لو نظرنا إلى ملابسات هذه القضية والقرائن الداخلية في ألفاظ الخبر، وأيضا القرائن الخارجية التي لها علاقة بهذا الخبر، لرأينا أن إرسال أبي بكر إلى الصلاة كان بإيعاز من عائشة نفسها، ولم يكن من رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم ). فمن جملة القرائن المهمة التي لها الأثر البالغ في فهم هذه القضية: قضية أمر رسول اللّـه بخروج القوم مع أسامة، قضية بعث أسامة، وتأكيده ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم ) على هذا البعث إلى آخر لحظة من حياته المباركة. أما أن النبي كان يؤكد على بعث أسامة، وإلى آخر لحظة من حياته، فلم يخالف فيه أحد، ولا خلاف فيه أبدا. وأما أن كبار الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر كانا في هذا البعث، فهذا أيضا ثابت بالكتب المعتبرة التي نقلت هذا الخبر، فكيف يأمر رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم ) بخروج أبي بكر في بعث أسامة، ويؤكد على خروجه إلى آخر لحظة من حياته، ومع ذلك يأمر أبا بكر أن يصلي في مكانه؟ وهنا يضطر مثل ابن تيمية لأن ينكر وجود أبي بكر في بعث أسامة، ويقول هذا كذب، والحال أن وجود أبي بكر في بعث أسامة لا يقبل الإنكار. يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتاب فتح الباري بشرح البخاري: قد روى ذلك – أي كون أبي بكر في بعث أسامة – الواقدي، وابن سعد، وابن إسحاق، وابن الجوزي، وابن عساكر، وغيرهم. ولذا لما توفي رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم ) كان أسامة بجيشه في خارج المدينة، ولذا لما ولي أبو بكر اعترض أسامة ولم يبايع أبا بكر قال: أنا أمير على أبي بكر فكيف أبايعه؟ ولذا لما سير أبو بكر أسامة بما أمره رسول اللّـه به استأذن منه إبقاء عمر في المدينة المنورة. القرائن الداخلية والخارجية تقتضي كذب هذا الخبر، أي خبر: أن النبي أرسل أبا بكر إلى الصلاة. ولكن لا نكتفي بهذا القدر، ونضيف أن عليا ( عليه السلام ) كان يعتقد وكذا أهل البيت كانوا يعتقدون، بأن خروج أبي بكر إلى الصلاة كان بأمر من عائشة لا من رسول اللّـه. قال ابن أبي الحديد: سألت الشيخ – أي شيخه وأستاذه في كلام له في هذه القضية – أفتقول أنت أن عائشة عينت أباها للصلاة ورسول اللّـه لم يعينه؟ فقال: أما أنا فلا أقول ذلك، لكن عليا كان يقوله، وتكليفي غير تكليفه، كان حاضرا ولم أكن حاضرا.
ولو سلمنا بأن رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم ) هو الذي أمر أبا بكر بهذه الصلاة، فكم من صحابي أمر رسول اللّـه بأن يصلي في مكانه في مسجده وفي محرابه، ولم يدع أحد ثبوت الإمامة بتلك الصلاة لذلك الصحابي الذي صلى في مكانه ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم ). وإذا قلتم: بأن الصلاة في أخريات حياته تختلف عن الصلاة في الأوقات السابقة. فالجواب: إنه لو كان رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم ) هو الآمر، فقد ذكرت تلك الأخبار أنه ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم ) خرج بنفسه الشريفة – معتمدا على رجلين ورجلاه تخطان على الأرض – ونحى أبا بكر عن المحراب، وصلى تلك الصلاة بنفسه. لكنهم يعودون فيقولون: بأن صلاة أبي بكر كانت أياما عديدة، وهذا الذي وقع من رسول اللّـه وقع مرة واحدة فقط. قلت: أولا: لم تكن الصلاة أياما، بل هي صلاة واحدة، وهي صلاة الصبح من يوم الاثنين، فكانت صلاة واحدة. وثانيا: على فرض أنه قد صلى أياما وصلوات عديدة، ففعل رسول اللّـه ذلك في آخر يوم من حياته، وخروجه بهذا الشكل معتمدا على رجلين ورجلاه تخطان على الأرض، دليل على أنه عزله بعد أن نصبه لو صح هذا النصب. فلو سلمنا أن الآمر بهذه الصلاة هو رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم )، فرسول اللّـه ملتفت إلى أنهم سيستدلون بهذه الصلاة على إمامته من بعده، فخرج بهذا الشكل ليرفع هذا التوهم.
ولنلاحظ ما يلي: 1- قالت الروايات: إنه خرج معتمدا على رجلين، والراوي عائشة – كما ذكرنا، فالأخبار كلها تنتهي إلى عائشة – خرج رسول اللّـه معتمدا على رجلين ورجلاه تخطان الأرض، وتنحى أبو بكر عن المحراب، وصلى تلك الصلاة بنفسه الشريفة. وخروجه بهذه الصورة دليل على العزل لو كان هناك نص. وعائشة ذكرت أحد الرجلين اللذين اعتمد عليهما رسول اللّـه لدى خروجه، ولم تذكر اسم الرجل الثاني، والرجل الثاني كان علي ( عليه السلام )، مما يدل على انزعاجها من هذا الفعل. يقول ابن عباس للراوي: أسمت لك الرجل الثاني؟ قال: لا، قال: هو علي، ولكنها لا تطيب نفسا بأن تذكره بخير.
2- إنه لما رأى بعض القوم أن خروج النبي بهذه الصورة وصلاته بنفسه وعزل أبي بكر سيهدم أساس استدلالهم بهذه الصلاة على إمامة أبي بكر بعد رسول اللّـه، وضع حديثا في أن رسول اللّـه لم يعزل أبا بكر، وإنما جاء إلى الصلاة معتمدا على رجلين، وصلى خلف أبي بكر. نعم، وضعوا هذه الأحاديث الدالة على أن رسول اللّـه اقتدى بأبي بكر. لكن الشيخين ( البخاري ومسلم ) لم يرويا هذا الحديث، أي هذه القطعة من الحديث غير موجودة في الصحيحين، فالموجود في الصحيحين: إن رسول اللّـه نحاه أو تنحى أو تأخر أبو بكر، وصلى رسول اللّـه بنفسه تلك الصلاة. أما هذا الحديث فموجود في مسند أحمد، وهو حديث كذب قطعا، وكذبه غير واحد من كبار الأئمة من حفاظ أهل السنة، وحتى أن بعضهم كالحافظ أبي الفرج ابن الجوزي ألف رسالة خاصة في بطلان حديث اقتداء النبي ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم ) بأبي بكر، وهل من المعقول أن يقتدي النبي بأحد أفراد أمته، فيكون ذلك الفرد إماما للنبي؟
3- إن النبي ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم ) بعد أن خرج إلى الصلاة وصلى بنفسه الشريفة، ونحى أبا بكر، لم يكتف بهذا المقدار، وإنما جلس على المنبر بعد تلك الصلاة، وخطب، وذكر القرآن والعترة، وأمر الناس باتباعهما والاقتداء بهما، فأكد رسول اللّـه بخطبته هذه ما دل عليه فعله، أي حضوره للصلاة وعزله لأبي بكر عن المحراب، ثم أضاف في هذه الخطبة بعد الصلاة إن على جميع المسلمين أن يخرجوا مع أسامة، وأكد على وجوب هذا البعث وعلى الإسراع فيه. وبعد هذا كله لا يبقى مجال للاستدلال بحديث تقديمه في الصلاة.
897 5 دقائق