هو الإمام الرابع من أئمة أهل البيت عليهم السلام واكب واقعة كربلاء منذ البداية وحتى النهاية، وشهد مصرع أبيه وإخوته وأعمامه وبني عمومته وأصحاب أبيه، سلام الله عليهم، كما شاهد عليه السلام بنات رسول الله (ص) عصر عاشوراء يتراكضن في البيداء من خباء إلى خباء، ومن خيمة إلى خيمة، ومنادي القوم ينادي : أحرقوا بيوت الظالمين. ولله صبره وهو ينظر ابن مرجانة وبيده العود ينكث ثنايا أبيه الحسين عليه السلام. وكانت خاتمة الجولة الشام، ومجلس يزيد بن معاوية، وشماتة بني أمية.
فلو أن أيوباً رأى بعض ما رأى لقال نعم هذا العـظيمةُ بلواه
فوالله لمصيبته لا تصغر عندها مصيبة أيوب عليه السلام فحسب بل تصغر لديها مصائب الدنيا بأسرها، وفوادح الدهر منذ أن تخطى آدم عليه السلام هذا الكوكب وحتى تقوم الساعة. وإذا كان الحديث عن مصائبه عليه السلام له المنطلق الرحب، والمجال الواسع، فجوانب حياته الأخرى فيها الشئ الكثير من العبر والدروس، فلقد كان عليه السلام الغاية في العبادة – كما يقول إبن أبي حديد – وكيف لا يكون كذلك، وقد أجمع أهل السير والتراجم على أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وصارت لأعضاء سجوده ثفنات كثفنات البعير، يقطعها في السنة مرتين، وأصبح لا يُعرف ألا بزين العابدين والسجاد وذي الثفنات وسيد العابدين، كما أن سيرته عليه السلام هي السيرة المثالية التي لا يقدر عليها إلا نبي أو وصي نبي، وإلا فهل هناك من يقبل أن يضم عائلة مروان بن الحكم – أعدى الناس لأهل البيت – إلى عياله في واقعة الحرة، أو يعول بمائة بيت من أهل المدينة، أو يحمل جراب الدقيق على ظهره ويطوف على بيوت الفقراء، يوصلها إليهم سراً وهم لا يعرفونه. وإذا تحدثنا عن أدعيته عليه السلام، فهي زبور آل محمد والموسوعة الإلهية الكبرى.
والحديث عن بعض جوانب حياته عليه السلام، حافلة بالكثير من كلامه وسيرته الكريمة المليئة بالمثل الرفيعة، والسجايا الكريمة؛ النص عليه بالخلافة.. عبادته.. سيرته..إحسانه وكرمه.. عتقاؤه.. خطبه.. وصاياه.. رسالته.. رسالة الحقوق.. حكمه.. أجوبته.. أدعيته أو الصحيفة السّـجـّادية.. إستجابة دعائه. نسرد فيما يلي ما تيسر منها.
إمامته
عاش بعد أبيه الحسين عليه السلام أربعاً وثلاثين سنة، وهي مدة إمامته عليه السلام. فكان في سني إمامته بقية ملك يزيد وملك معاوية بن يزيد وملك مروان وعبد الملك، وتوفي في ملك الوليد بن عبدالملك لعنه الله. شهد مأساة كربلاء، واكب مسير العائلة بعد الفاجعة إلى الكوفة، ومنها إلى الشام. كانت إقامته عليه السلام في المدينة المنورة، وكان فيها الفزع للمهمات، يفيض على الأمة علماً وسخاءاً.
ألقابه
وألقابه زين العابدين وسيد الساجدين وزين الصالحين ووارث علم النبيين ووصي الوصيين وخازن وصايا المرسلين وإمام المتقين ومنار القانتين والخاشعين والمتهجد الزكي الأمين والزاهد والعابد والعدل والبكاء والسجاد وذوالثفنات إمام الأمة وأبو الأئمة وكنيته أبوالحسن والخاص وأبو محمد ويقال أبو القاسم، وروي أنه كني بأبي بكر.
أصحابه
ومن أصحابه أبوحمزة الثمالي وفرات بن أحنف وجابر بن محمد بن أبي بكر وأيوب بن الحسن وعلي بن رافع وأبومحمد القرشي السدي والضحاك بن مزاحم الخراساني وطاووس بن كيسان وحميد بن موسى الكوفي وإبان بن تغلب بن رياح وأبو الفضل سدير بن حكيم الصيرفي وقيس بن رمانه وعبدالله البرقي.
أولاده : له من الأولاد محمد أبو جعفر الباقر (عليه السلام)، عبد الله، الحسن، الحسين، زيد، عمر، الحسين الأصغر، عبد الرحمن، سليمان، علي محمد الأصغر.
إخوته: علي الأكبر، عبد الله الرضيع – الشهيدان في كربلاء – جعفر.
إخواته: سكينة ، فاطمة، رقية.
بوابه: أبو جلبة، أبو خالد الكابلي، يحيى المطعمي.
أما بناته: خديجة، أم كلثوم، فاطمة، علية.
حِكَمُهُ
من الوسائل التي إتبعها إئمتنا عليهم السلام للإرشاد، هي أن ينثروا على من حولهم من الناس صنوف الحِكمْ والمواعظ والآداب والأخلاق، في أقصر عبارة، وأجمل تعبير، تعيها القلوب، وترددها الألسن، ويأخذها أصحابهم للعمل والتطبيق، وفي بطون الكتب آلاف الكلمات لهم عليهم السلام ، حتى أن بعضهم جمع للإمام أمير المؤمنين عليه السلام ألفي كلمة في كتاب مستقل.
قال عليه السلام: التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالنابذ لكتاب الله وراء ظهره، إلا أن يتقي تقاة، قيل له: وما تقاة ؟ قال: يخاف جباراً عنيداً أن يفرط عليه أو أن يطغى.
وقال عليه السلام: أبغض الناس إلى الله من يقتدي بسنة إمام ولا يقتدي بأعماله.
وقال عليه السلام: إياك والغيبة ، فإنها آدام كلاب النار.
وقال عليه السلام: إنما التوبة العمل والرجوع عن الأمر، وليست التوبة بالكلام.
آثاره: الصحيفة السجادية، رسالة الحقوق.
إحسانه وكرمه
كل من كتب عن الإمام زين العابدين عليه السلام تحدث عن صدقاته وبره وإحسانه إلى الفقراء، وقد شمل عطفه وكرمه منكري فضله، وجاهدي حقه، وكان يمزج إحسانه بخلقه الرفيع، وأدبه السامي.
قال الإمام الباقر عليه السلام: وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والاضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، ومن كان منهم له عيال حمل له إلى عياله من طعامه حتى يبدأ فيتصدق بمثله.
قال أبو حمزة الثمالي: كان زين العابدين عليه السلام يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول: أن صدقة السر تطفئ غضب الرب.
لما مات عليه السلام وغسلوه جعلوا ينظر إلى آثار في ظهره فقالوا: ما هذا ؟ قيل: كان يحمل جراب الدقيق على ظهره ليلاً ويوصلها إلى فقراء المدينة سرا.
وصاياه
من الوسائل التي إتبعها أئمتنا عليهم السلام للنهوض بالمجتمع هي وصاياهم الكثيرة ، الحافلة بالإرشاد والتوجيه للأمة، ولو جمعت هذه الوصايا في مصنف مستقل لسدت فراغاً كبيراً في المكتبة الأخلاقية، لما حوته من نصائح وحكم ودعوة إلى الخير والفضيلة.
من وصاياه:
قال الإمام الباقر عليه السلام: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول لولده:إتقوا الكذب، الصغير منه والكبير، في كل جد وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترئ على الكبير، أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله عز وجل صادقاً، ولا يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كاذباً.
دعاء الإمام زين العابدين (ع) في السحر
(اللهم إن إستغفاري إياك وأنا مُصُر على ما نهيت عنه قلة حياء، وترك الإستغفار مع عملي بسعة رحمتك تضييع بحق الرجاء، اللهم إن كانت ذنوبي تؤيسني أن أرجوك، وإن عملي بسعة رحمتك يؤمنني أن أخشاك، فصل على محمد وآل محمد، وحقق رجائي لك، وكذب خوفي منك، وكربي عند حسن ظني بك يا أكرم الأكرمين)
مقتطفات من سيرته
عن أبي حمزة الثمالي قال: رأيت علي بن الحسين عليهما السلام يصلي فسقط رداؤه عن أحد منكبيه فقال: فلم يسوه حتى فرغ من صلاته قال: فسألته عن ذلك فقال: ويحك أتدري بين يدي من كنت إن العبد لا يقبل من صلاته إلا ما أقبل عليه منها بقلبه، وكان علي بن الحسين عليهما السلام ليخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدنانير والدراهم حتى يأتي باباً باباً فيقرعه ثم يناول من يخرج إليه، فلما مات علي بن الحسين عليهما السلام فقدوا ذلك فعلموا أن علي بن الحسين عليهما السلام الذي كان يفعل ذلك.
قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام): إن أبي علي بن الحسين (عليه السلام) ما ذكر نعمة الله عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله عز وجل فيها سجود إلا سجد، ولا دفع الله تعالى عنه سوء يخشاه أو كيد كايد إلا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد، ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع جسده فسمي السّجّاد لذلك.
عن محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: كان لأبي (عليه السلام) في موضع سجوده آثار ناتية وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات، فسمي ذا الثفنات لذلك. وعن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه قال: سألت مولاة لعلي بن الحسين (عليه السلام) بعد موته فقلت صفي لي أمور علي بن الحسين (عليه السلام) فقالت: أطنب أو اختصر؟ فقلت: بل اختصري قالت: ما أتيته بطعام نهاراً قط ولا فرشت له فراشاً بليل قط.
بكى عليه السلام على أبيه الحسين (عليه السلام) عشرين سنة أو أربعين سنة، ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون، إني ما أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة.
روى ابن قولويه بإسناده عن أبي عبد الله (ع) قال: بكى علي بن الحسين على أبيه حسين بن علي (صلوات الله عليهما) عشرين سنة أو أربعين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكى على الحسين حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين ، قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة لذلك.
( صحيفة الصراط المستقيم/العدد 24 /السنة الثانية/ في 4 / 1 / 2011 م /29 محرم 1432 هـ )