أبو محمد الأنصاري
ما الذي يمكن أن تحمله مناسبة ولادة الإمام المهدي (ع) من دلالات بالنسبة للمسلم ؟ لاشك في أن على رأس الدلالات التي يمكن استلهامها تقف الدلالة – البشرى بقرب زوال الظلم والجور ، وتحقق الحلم الذي طالما تطلعت البشرية الى رؤيته واقعاً يتحرك . ولكن ما الذي يمنع هذا الحلم من التحقق طالما كان الإمام (ع) حي يعيش بيننا ؟ سؤال لا أظن أحداً لم يفكر به أو يخطر له على بال ، بل لعل الجميع يعلم أن هذا السؤال بالذات كان دائماً مدعاة لإثارة الظنون والتشكيك من طرف خصوم التشيع . إن الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) تنص على أن العدة التي ينتظر الإمام المهدي (ع) اكتمالها لا تتجاوز الثلاثمئة والثلاثة عشر رجلاً هم قادة جيشه والعشرة آلاف وهم الجيش نفسه ، عن الصادق (ع) ، حين سأله بعض أصحابه قائلاً: (جعلت فداك، إني والله أحبك، وأحب من يحبك، يا سيدي ما أكثر شيعتكم ! فقال له : اذكرهم . فقال : كثير . فقال : تُحصيهم ؟ فقال : هم أكثر من ذلك . فقال أبو عبدالله (ع) : أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون… فقلت: فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنهم يتشيعون؟ فقال (ع): فيهم التمييز، وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم، وسيف يقتلهم، واختلاف يبددهم… الخ) (غيبة النعماني 210- 211) . وعن أبي بصير عن الإمام الصادق (ع) : (قال أبو عبدالله (ع) : لا يخرج القائم حتى يكون تكملة الحلقة . قلت : وكم تكملة الحلقة ؟ قال : عشرة آلاف…) (غيبة النعماني320) . إذن لماذا لم يظهر الإمام (ع) ، وبكلمة أخرى لماذا غاب الإمام أصلاً إذا كان مدعو التشيع في كل عصر لا يُحصَون سوى بالملايين ، ولماذا لم يزل غائباً ؟ الإمام (ع) لطف الهي بالمؤمنين ، ووجوده ظاهراً بينهم فيه حث كبير لهم على الالتزام الديني . فإذا امتنع ظهوره لخوف القتل مثلاً ، فان وجود سفير له (ع) أفضل بكثير من غيبته التامة ، لأن السفير هو القائد البديل للإمام (ع) الذي ينقل أوامره (ع) فوجوده –أي السفير – كذلك لطف الهي ، لان وجوده شبه وجود المعصوم ، حيث بوجود السفير يمكن الاتصال بالإمام ، ومعرفة الأحكام الشرعية الصحيحة ، وخصوصاً ما يستجد منها مع مرور الزمن ، وإذا كان الأمر كذلك فما هو سبب الغيبة التامة ؟! الحق إن السبب هو إعراض الأمة عن الإمام (ع) ، وعدم الاستفادة منه استفادة حقيقية ، وعدم التفاعل معه كقائد للأمة . فتكون الغيبة التامة عقوبة للأمة ، وربما يكون من أهدافها إصلاح الأمة بعد تعرضها لنكبات ومآسي ، بسبب غياب القائد المعصوم . فتكون الغيبة الكبرى شبيهة بـ(تيه بني إسرائيل في صحراء سيناء) أي أنها عقوبة إصلاحية ، الهدف منها خروج جيل من هذه الأمة مؤهل لحمل الرسالة الإلهية إلى أهل الأرض ، جيل لا يرضى إلا بالمعصوم قائداً ، ولا يرضى إلا بالقرآن دستوراً وشعاراً ، ومنهاجاً للحياة . قال أمير المؤمنين (ع) في وصف إعراض هذه الأمة عن الإمام والقران :- (( وانه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيئٌ أخفى من الحق ولا اظهر من الباطل ، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله !! وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته ، ولا انفق منه إذا حرف عن مواضعه ، ولا في البلاد شيءٌ أنكر من المعروف ولا اعرف من المنكر ، فقد نبذ الكتاب حُملته ، وتناساه حفظته ، فالكتاب يومئذٍ وأهله منفيان طريدان وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يؤويهما مأوىً !! . فالكتاب وأهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم ومعهم وليسا معهم ، لان الضلالة لا توافق الهدى ، وان اجتمعا فاجتمع القوم على الفرقة وافترقوا عن الجماعة كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم ! فلم يبق عندهم منه إلا اسمه ، ولا يعرفون إلا خطه وزبره !! ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثله وسموا صدقهم على الله فرية وجعلوا في الحسنة عقوبة السيئة )) .