زعم ابن تيمية أن علماء السنة اتفقوا على أن أعلم الناس بعد رسول الله (ص) أبو بكر ثم عمر، وقال: “ذكر غير واحد الإجماع على أن أبا بكر أعلم الصحابة كلهم “.
والآن لنرى هل هذا الكلام صحيح أم أن ابن تيمية يجهل الحقيقة أو ربما لا يجهلها ولكنه مفتون وصاحب غاية؟
ذكر الهيثمي في (مجمع الزوائد) باب إسلامه (رض) – أي إسلام علي (ع): ” عن معقل بن يسار قال: وضأت النبي (ص) … قال عبد الله: وجدت في كتاب أبي بخط يده في هذا الحديث قال: أما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما، قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني برجال وثقوا، ورواية أحمد في مسند معقل بن يسار. وعن أبي إسحاق أن عليا لما تزوج … قال النبي (ص): لقد زوجتكه وإنه لأول أصحابي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما، قال الهيثمي: رواه الطبراني وهو مرسل صحيح الإسناد ” (مجمع الزوائد – ج9 ص101).
وروى ابن الأثير نحوه في (أسد الغابة) في ترجمة فاطمة (ع) بسنده عن علي (ع): ” … فزوجه رسول الله (ص) فاطمة فلما بلغ ذلك فاطمة بكت، قال: فدخل عليها رسول الله (ص) فقال: مالك تبكين يا فاطمة! فوالله لقد أنكحتك أكثرهم علما، وأفضلهم حلما وأولهم سلما ” (أسد الغابة – ج6 ص224)، وذكره المتقي الهندي في (كنز العمال)، وقال بعدها: أخرجه ابن جرير وصححه والدولابي في (الذرية الطاهرة) (كنز العمال – ج13 ص114 ح36370).
وذكر عن بريدة قال: قال رسول الله (ص) لفاطمة: زوجتك خير أهلي، أعلمهم علما وأفضلهم حلما وأولهم سلما، وقال: أخرجه الخطيب في (المتفق والمفترق) (نفس المصدر السابق – ج11 ص605 ح32926).
وذكر عنه (ص): أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب قال: أخرجه الديلمي عن سلمان (نفس المصدر السابق – ص614).
وروى الطبراني في (المعجم الكبير) عن سلمان قال: قلت: يا رسول الله لكل نبي وصي فمن وصيك ؟ فسكت عني فلما كان بعد رآني، فقال: يا سلمان فأسرعت إليه، قلت: لبيك، قال ” تعلم من وصي موسى ؟ قلت: نعم يوشع بن نون، قال: لم ؟ قلت: لأنه كان أعلمهم، قال فإن وصي وموضع سري وخير من أترك بعدي ينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب ” (المعجم الكبير – ج ص221).
فهذه أحاديث مرفوعة إلى رسول الله (ص) فيها تصريح بأعلمية علي (ع) وتقدمه في العلم على جميع الصحابة في عصره.
وأما الأحاديث الموقوفة على الصحابة فأولها ما رواه الحاكم في (المستدرك) عن قيس بن أبي حازم قال: “ كنت بالمدينة فبينا أنا أطوف في السوق إذ بلغت أحجار الزيت، فرأيت قوما مجتمعين على فارس قد ركب دابة وهو يشتم علي بن أبي طالب والناس وقوف حواليه، إذ أقبل سعد ابن أبي وقاص فوقف عليهم، فقال: ما هذا ؟ فقالوا: رجل يشتم علي بن أبي طالب، فتقدم سعد فأفرجوا له حتى وقف عليه، فقال: يا هذا على ما تشتم علي بن أبي طالب ألم يكن أول من أسلم ألم يكن أول من صلى مع رسول الله (ص) ألم يكن أزهد الناس ألم يكن أعلم الناس، وذكر حتى قال: ألم يكن ختن رسول الله (ص) على ابنته ألم يكن صاحب راية رسول الله (ص) في غزواته ثم استقبل القبلة ورفع يديه، وقال: اللهم إن هذا يشتم وليا من أوليائك فلا تفرق هذا الجمع حتى تريهم قدرتك، قال قيس: فوالله ما تفرقنا حتى ساخت به دابته فرمته على هامته في تلك الأحجار فانفلق دماغه ومات“.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وقال الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم ” (المستدرك على الصحيحين – ج3 ص571 (6121)).
وروى أحمد في مسنده عن عمرو بن حبشي قال: ” خطبنا الحسن بن علي بعد قتل علي (رض) فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس ما سبقه الأولون بعلم ولا أدركه الآخرون، إن كان رسول الله (ص) ليبعثه ويعطيه الراية، فلا ينصرف حتى يفتح له، وما ترك من صفراء ولا بيضاء إلا سبع مئة درهم من عطائه كان يرصدها لخادم أهله “، قال محقق الكتاب: حسن، عمرو بن حبشي روى عنه اثنان وذكره ابن حبان في (الثقات) ج5 ص173 وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين ” (مسند أحمد بن حنبل – ج3 ص247).ورواه أحمد في (فضائل الصحابة) عن عمرو بن حبشي، وقال محقق الكتاب: إسناده صحيح.
وأخرجه ابن سعد ج3 ص38 من طريقين صحيحين عن هبيرة، وأخرجه ابن حبان كما في (الموارد) ص545 من طريق أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق وإسناده صحيح، وأخرجه الطبراني في (الكبير) 793-81 من طرق عن هبيرة، وذكره الهيثمي ج9 ص146 ونسبه لأحمد والطبراني وحسن طرقه ” (فضائل الصحابة – ج1 ص674 رقم 922).
وفي هذا المعنى يروي الحاكم في (المستدرك): عن ابن عباس (رض) قال: كان علي يقول في حياة رسول الله (ص) :إن الله يقول: (أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)، والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت والله أني لأخوه ووليه وابن عمه ووارث علمه فمن أحق به مني ” (المستدرك على الصحيحين – ج3 ص126).
فهنا يصرح الإمام علي (ع) أيضا بأنه وارث علم النبي (ص).
وقال المناوي في (فيض القدير): ” وأخرج عن ابن مسعود قال:كنت عند النبي (ص) فسئل عن علي كرم الله وجهه فقال: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطى علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا، وعنه أيضا أنزل القرآن على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله بطن وظهر، وأما علي فعنده منه علم الظاهر والباطن …، وأخرج ابن عباس كنا نتحدث أن رسول الله (ص) عهد إلى علي كرم الله وجهه سبعين عهدا لم يعهده إلى غيره، والأخبار في هذا الباب لا تكاد تحصى … وقد شهد له بالأعلمية الموافق والمخالف والمعادي والمحالف، خرج الكلاباذي أن رجلا سأل معاوية عن مسألة فقال: سل عليا هو أعلم مني، فقال: أريد جوابك، قال: ويحك كرهت رجلا كان رسول الله (ص) يعزه بالعلم عزا، وقد كان أكابر الصحابة يعترفون له بذلك وكان عمر يسأله عما أشكل عليه، جاءه رجل فسأله مسألة فقال: ههنا علي فاسأله … وصح عنه من طرق انه كان يتعوذ من قوم ليس هو فيهم حتى أمسكه عنده ولم يوله شيئا من البعوث لمشاورته في المشكل، وأخرج الحافظ عبد الملك بن سليمان قال: ذكر لعطاء أكان أحد من الصحب أفقه من علي قال: لا والله، قال الحرالي: قد علم الأولون والآخرون أن فهم كتاب الله منحصر إلى علم علي ” (فيض القدير – ج3 ص46).
وروى الحاكم في (المستدرك): عن أبي إسحاق سألت قثم ابن العباس: كيف ورث علي رسول الله (ص) دونكم ؟ قال: لأنه كان أولنا به لحوقا وأشدنا به لزوقا، قال الذهبي: صحيح (المستدرك على الصحيحين – ج3 ص136).
ثم في الحديث التالي روى عن إسماعيل بن إسحاق القاضي حينما ذكر له قول قثم هذا فقال: إنما يرث الوارث بالنسب أو بالولاء ولا خلاف بين أهل العلم أن ابن العم لا يرث مع العم، فقد ظهر بهذا الإجماع أن عليا ورث العلم من النبي دونهم (نفس المصدر السابق – حديث (4634))
وقد روي عن علي (ع) أنه كانت له كل ليلة ساعة من السحر يدخل فيها على رسول الله (ص) كما يروي النسائي في (السنن الكبرى) بسند صحيح: ” كانت لي ساعة من السحر أدخل فيها على رسول الله (ص) فإن كان في صلاته سبح فكان ذلك إذنه لي وإن لم يكن في صلاته أذن لي ” (السنن الكبرى – ج5 ص140).
وفي رواية أخرى يخبر الإمام علي (ع) أن تلك الساعة من رسول الله (ص) لم تكن لأحد من الناس: ” كانت لي منزلة من رسول الله (ص) لم تكن لأحد من الخلائق فكنت آتيه كل سحر …” قال المحقق: إسناده ثقات إلا أن فيه عبد الله بن نجي صدوق (نفس المصدر السابق – ص141).
وروى النسائي وقال المحقق: إسناده صحيح (السنن الكبرى – ج5 ص142)، والحاكم في المستدرك عن علي (ع): ” كنت والله إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت “، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي: على شرط البخاري ومسلم (المستدرك على الصحيحين – ج3 ص135 (4630)).
ويروي ابن عبد البر في (الاستيعاب) في ترجمة علي (ع) عن عبد الملك بن أبي سليمان يسأل عطاء: أكان في أصحاب محمد (ص) أعلم من علي ؟ قال: لا والله ما أعلمه ” (الاستيعاب – ج3 ص206).
فمن هو الأعلم يا ابن تيمية؟؟
(صحيفة الصراط المستقيم ـ العدد11/السنة الثانية ـ بتاريخ 26 شوال 1431 هـ الموافق ل 05/10/2010 م)