

وبعد أن رحلوا عنه (صلوات الله عليهم) طيبين طاهرين ، تاركين لعبدة الشيطان خيارهم واختيارهم الذي رضوا فيه أن يكونوا مع الخوالف ومنهم على استمرار حركة الزمن ، فهذا الذي نراه اليوم من أصوات تتوهم أنها قادرة على إعادة حركة التاريخ إلى الخلف ، هو من قبيل ما وصف المثل العراقي (هذا الكيك من ذاك العجين) ، فليس ثمة اختلاف بين عبد الشيطان الذليل وبين عمرو بن العاص ، فكلاهما في خدمة الشيطان ومراداته ، غير أن ما يميز ابن العاص هو أنه كان بوق معاوية الأثير الذي لولاه ما كان لمعاوية(لع) أن يستخف العباد ويغتصب البلاد ، ويعبث فيها ، لقد بنى معاوية ملكه على أساس دولة أبي بكر وعمر ، الذي جاءه الناس يشكون أثرة معاوية(لع) بالشام فكان يجيبهم عمر ؛ لا بأس عليه فهذا كسرى العرب!!!
لاشك في أن هذه الإجابة تكشف على ما انطوت عليه نفس عمر بن الخطاب من الشعور بالنقص ترجمه بعدائه الصريح لكل ما يذكره بأعرابيته التي لم تلامس الإسلام أو حتى تقترب منه ، وبالمقابل راح يسمي أعرابياً كمعاوية كسرى العرب لشوقه إلى رؤية طاغوت من العرب يحكم ، ذلك أن الأعراب على مساحتهم التاريخية ، لم يؤسسوا دولة أو حضارة بالمعنى الذي عرفته الأمم التي كانت تجاورهم ، فبقيت عقدة النقص هذه متنامية عند الأعراب منذ السقيفة صعوداً إلى وصول معاوية إلى سدة الحكم ، ليظهرها جلية واضحة لا تحتاج إلى دليل .
إن المتتبع لسيرة عمر بن الخطاب يلحظ بوضوح أنها عبارة عن مركب نقص تمظهر بوجوه عدة ، من تلك الوجوه على سبيل المثال لا الحصر :
1- ما فعله في حضرة رسول الله(ص) عندما طلب منهم دواة وقرطاسا ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبدا ، حيث انتفض عمر في حضرة سيد البشر ليعلن كفره الصريح بمحمد(ص) ، وبما جاء به محمد(ص) عندما قال ؛ إن الرجل ليهجر!!! ـ استغفر الله ربي ـ حسبنا كتاب الله .
ولو توقفنا قليلا عند قوله ذاك لوجدنا فيه تناقضا واضحا ، ليس له من مخرج ، حتى في شرعتهم التي اجترحوها قبال شرعة الله سبحانه ، فهم لديهم إن الرسول(ص) معصوم فيما يبلغ عن ربه حسب !!! وعلى الرغم من بطلان هذا القول بصريح القرآن في قوله تعالى{َمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(الحشر/7) ، ومعنى الآية الكريمة واضح تماما ، وليس فيه تخصيص بل كل ما يأتي به الرسول(ص) هو ملزم وحجة ، وكل ما نهى عنه هو ملزم وحجة . ولكن لنتحدث معهم من باب ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم ، وأقول : ما أدرى عمر أن هذا الذي أراد الرسول(ص) كتابته ليس من الله سبحانه؟؟؟ وهل التزم عمر بكتاب الله سبحانه أم جعله خلف ظهره وتعامل معه بانتقائية أساءت لكتاب الله العزيز أيما إساءة حينما تكون الحجة عليه لا يلتفت إلى الكتاب ، وعندما يكون الأمر متعلقا بما يحقق مصالحه انتقى من الكتاب متشابهه ليعمل به . كما أن قول عمر لرسول الله(ص) ذلك يعني طعنا صريحا بالقرآن ، فمن يتهم محمداً(ص) هو في الواقع يتهم ما جاء به .
2- خروج عمر إلى الناس وقوله من يقول أن محمداً(ص) قد مات ضربته بسيفي فإن محمداً(ص) لم يمت بل رفع!!! وهذا من عجيب التناقض في هذه الشخصية ؛ من أين يهجر ، ومن أين لم يمت؟؟؟ كيف تتهمه وبنفس اللسان والوقت ذاته تظهر للناس تقديسك إياه؟؟؟!!!
3- إيقاظ فتنة الإمارة ، مع علمهم أن الخليفة هو من نصبه الله سبحانه في غدير خم بشهادة عشرات الآلاف من المسلمين ، ولذلك لما نظر الأنصار إلى محاولة الانقلاب التي قادها عمر وأبو بكر ، هرعوا إلى تنصيب أمير منهم وهو سعد بن عبادة ، فما كانت حجة أبي بكر وعمر على الأنصار؟؟؟ حجتهم أنهم من قريش وهما سابقين في الإسلام والنبي قرشي ، ولا يخلفه إلا قومه !!! ونحن نقبل بهذا الذي وضعوه ميزانا للحاكمية على الرغم من بطلانه ، ولكن نأتي معهم من ذات الباب الذي ولجوه ؛ ونسأل : من أول الناس إسلاما؟؟ الجواب : علي(ص) ، ومن أقرب الناس إلى رسول الله(ص) بكل المقاييس المادية والمعنوية؟؟؟ الجواب : علي(ص) ، ومن أقرب إلى الرسول(ص) قومه أو أهل بيته الذين طهرهم الله سبحانه في نص صريح لا جدال فيه ولا يحتمل التأويل؟؟؟ الجواب علي(ص) ، إذن لماذا اغتصبتموها دونه؟؟؟ وحاجهم أمير المؤمنين علي(ص) جهارا نهارا عندما قال لهم : احتججتم بالشجرة وتركتم الثمرة!! ومن المعلوم أن لا قيمة بشجرة لا ثمرة لها ، لأنها شجرة عقيمة ، نعم كانت شجرة أبي بكر وعمر عقيمة ولم تستفد منها الأمة غير الشقاق وشيوع النفاق ، فصار الناس أحزابا وطوائف ومللا ونحلا . ومن المعلوم أن المسلمين عموماً يروون هذا الحديث عن رسول الله(ص) ما معناه (الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها) ، وكانت السقيفة فتنة نائمة أيقظها أبو بكر وعمر .
4- قيام أبو بكر وعمر بحرق ميراث رسول الله(ص) العلمي عندما أحرق أبو بكر أكثر من خمسمائة حديث كان قد كتبها بيده على حياة الرسول(ص) بحجة أنه شك هل أن من رواها عنه كان قد سمع الرسول(ص) حقا أو هي من عنده؟؟؟ وشك أبي بكر هذا يكاد يضحك الثواكل ، من أين يدعي أبو بكر قربه من الرسول(ص) ومن أين يروي عنه بالواسطة؟؟؟ ولماذا لم يشك في حياة الرسول(ص) فيسأله إذا كان ما يقول صحيحا؟؟؟ ليست العلة الشك بل هو إكمال حلقة تزييف وعي الأمة وصرف الحق عن صاحبه ، فأبو بكر على يقين تام أن هذه الأحاديث صادرة عن رسول الله(ص) غير أن بقاءها إلى جانبه حتى لو احتفظ بسرها سيكون شوكة بجانبه تقض مضجعه ، ذاك أن الأحاديث المحروقة لابد أن وجودها يشكل أزمة حقيقية للرجلين ، والدليل على ذلك أنهما قاما بخلط الأوراق في قضية الردة التي استغلها أبو بكر وعمر أبشع استغلال في تصفية الخصوم الذين امتنعوا عن إعطاء الزكاة إلا لمن نصبه رسول الله(ص) فثارت ثائرة الرجلين وجندا الجند وزجوا بالمسلمين في مواجهة بعضهم البعض وقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة وأخاه متمم ، ودخل بزوجة مالك بعد قتله مباشرة ، من دون أن يترك للمرأة أن تعتد عدتها الشرعية ومن دون وازع من دين .
وعندما جلس على مسند الخلافة عمر أصدر فرمانا بجمع كل أحاديث الرسول(ص) وبعث إلى الأمصار ؛ على كل من كتب حديثا تسليمه إلى عمر!!! فتجمع لديه من الرقاع ما بلغ تلاً ، فعدا عليه وقام بحرقه كله ، فأكمل ما بدأ به صاحبه وضيعا بذلك تراث رسول الله(ص) من يدي الأمة وتركاها في تيه وضياع .
5- واقعة حرق دار علي(ص) وهي بيت محمد(ص) وكسر ضلع الزهراء(ص) وإسقاط جنينها ، واغتصاب فدك هذه اليوم صارت من الواضحات التي لا يحتاج ذكرها إلى كثي كلام .
6- تغيير عمر لشريعة الله سبحانه عندما ألغى شرعا أثبته القرآن والسنة المطهرة وهو تحريم متعتي الطواف والنساء ، وابتداعه صلاة التراويح جماعة ، والمعلوم شرعاً عند كل المذاهب ؛ أن النوافل لا تصلى جماعة ، ولا جماعة إلا في الفرائض ، فهل تعد التراويح من الفرائض؟؟؟ وهنا ألفت الإنتباه إلى أن متعة النساء ليس كما يشنع عليها المشنعون الذين لا يرقبون في المؤمنين إلاً ولا ذمة بل لا متعة إلا بشروطها الشرعية الواجبة ، أما إباحة الفاحشة باسم المتعة فهذا بريئة منه الشريعة المحمدية السمحاء ، ولكن هذا حال الناس كما وصف أمير المؤمنين علي(ص) (أعدوا لكل حق باطلا ، ولكل مستقيم مائلا) .
هذا غيض من فيض ، مما هو من الواضحات التي يعرفها الغرباء أكثر من أهلها ، ولعل كل هذا الانحراف الحاصل اليوم في مسير الأمة وكل الدماء التي أريقت وتراق ظلما وعدوانا يتحملها من شرع للناس سبيلا حرفهم به عن سبيل الله سبحانه ، فأمير المؤمنين علي(ص) هو ولي الله سبحانه بأمر الله وليس باختيار الرسول(ص) ، ولذلك فمن نكث بيعة علي(ص) فقد نكث بيعة الله سبحانه ، وكذب برسالة محمد(ص) ، قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}(البقرة/165)