بقلم: يحيى الانصاري
هناك الكثير من الفلاسفة والمفكرين ممن حاولوا ان يعرِّفوا الايديولوجية، لكنهم لم يصلوا الى تعريف واضح ، بل كان الاختلاف في تعريفهم لهذا المصطلح كبيرا بحيث يكون الناتج معان متغايرة وعديدة ومتناقضة في احيان كثيرة ،
فاذا كان المفكرون بهذه الدرجة من التفاوت في فهمهم ، فباقي المجتمع ، الذي لايمكن ان تبرز هذه الايديولوجيا الا بفهمهم لها وتطبيقها على الواقع ، هو اشد اختلافا وجهلا بها ، لذلك لايمكن اعتبار ماينتج عن هذا المفهوم – الغير مفهوم – من بنية قيمية وفكرية، تبلورت من خلال ممارسة الافراد لهذه المنظومة من المفاهيم –الايديولوجيا- مع عدم استيعابهم لها ، لايمكن اعتباره نظاما مستوعبا لكل نواحي الحياة سائرا بها – من خلال رؤيته للواقع – باتجاه المستقبل المنشود – المجتمع الافضل او المدينة الفاضلة او اليوتوبيا (شجرة طوبى) – كنتيجة مفترضة لتفاعله مع هذا الواقع بآلية هذا النظام المفترضة ايضا للانتقال لهذا المستقبل المنشود ، فالخلل في التعريف ينتج عنه خلل في التطبيق ، كذلك فأن العديد من المفاهيم والمصطلحات الشائعة الداخلة في الايديولوجيا نفسها ذاتا وموضوعا لا تستخدم بشكل دقيق لعدم وضوح معانيها بشكل تام ، فالنتيجة بعد هذا كله لايمكن ان تنتج ذلك الامل المنشود ، فباحتمالية الخطأ في التنظير والممارسة مع كل هذه المنزلقات الفكرية والتطبيقية المحتملة ينتج لدينا ان الوصول الى نتائج محسوبة على اساس تلك المقدمات الغير محسوبة هو ضرب من الخيال ، ناهيك عن الافكار وجذورها وهل هي طارئة منتَجة ام هي اصيلة وموجودة بالقوة وتنتظر وقتها للظهور بشكل افعال ؟…. هذا بالاضافة الى ان التعاطي مع تلك الافكار بآلة اللغة نطقا وكتابة واختلاف هذه الآلة بين الافراد والجماعات وقوة هذه الآلة وضعفها على عكس تلك الافكار من ناحية واستيعابها من ناحية اخرى ، كل ذلك يحول دون جعلها نظاما او علما يؤسس عليه بناء حضاري متكامل ، فمهما حاول المفكرون اكتشاف جذور تلك الافكار ليطلقوا عليه علم الافكار ، الا انهم لم ينجحوا لانهم غير قادرين على الوصول الى تلك الجذور المجردة من عوامل التشويه لها كاللغة فهم يبحثون في انعكاس هذه الجذور على الة اللغة اي ان بينهم وبين الجذور نفسها حجاب اللغة الذي تراكمت عليه حجب التغيير والتشويه لذلك كان لزاما الوصول الى جذور اللغة للوصول الى جذور الافكار ليصح اطلاق مصطلح “علم ” عليه ، فالعلم له اسس وثوابت لاتتغير ويبنى عليه التطور في نفس!
العلم و
في العلوم الاخرى، بثبات تلك الاسس مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء ، وهذه الاسس او الجذور وصلت الينا بدون تشويه حيث لاتحتاج لآلة يطرأ عليها التغيير مع امكانية التلاعب الانساني بها كاللغة مثلا …..
وهناك عدة بحوث لمفكرين حول آلة اللغة وهل هي ايضا لها جذور اصيلة وثابته وموحدة ، وهل هذه الألفاظ التي بايدينا هي نفس المعنى ام انها طارئة عليه ومتغيرة وليس ثمة مايستوجب ثبوتها اصلا ؟ ….
ثم اذا افترضنا ان لها جذورا ثابته وكان اللفظ هو المعنى نفسه ولاافتراق بينهما فهل لهذا المعنى حقيقة وبالتالي تكون حقيقة اللفظ ؟ ، وهناك مايدل على هذا الامر بشكل نظري، فحرمة تنجيس اسماء الانبياء والمرسلين والحجج وكذلك حرمة مس لفظ الجلالة بدون تطهر يدل على ان اللفظ له حقيقة وبالتالي فان الالفاظ ليست طارئة لذلك فان الاشكال ممكن ان يكون ايضا في اللغة نفسها التي وصلت الينا .
عندها يشعر الانسان بعجزه عن الوصول الى المستقبل المنشود – المدينة الفاضلة او المجتمع الافضل او اليوتوبيا – فالامر ليس بمتناول يده واحتمال الخطأ مرتفع جدا يصل الى مرحلة المؤكد ، اما احتمال الوصول الى الهدف المنشود فهو ضعيف جدا يكاد يكون منعدما ، وما بقي الا التجارب على هذا الانسان المسكين الذي صيره المغامرون – من المفكرون والفلاسفة وغيرهم – حقل تجارب فصبت عليه الويلات منذ القدم من فقر وجوع وقتل وظلم وووو…… للوصول الى تلك النتيجة العسيرة التحقق ، ولم يصل ، وها هو يحاول منذ الاف السنين ولم يفلح .
فعند التفكير بعجزنا هذا بشكل واقعي بعيدا عن الغرور المعهود في النفس الانسانية وتعاليها على الغيب ، نقول نحن عاجزون اذا نحن مربوبون ، فمع كل الذي نراه من عجزنا الا اننا نرى قدرة وتكاملا لاتستوعبه عقولنا بكل مافي انفسنا وبكل مايحيط بنا وخارج عن ارادتنا ، فعلينا الايمان والاعتراف اذا بالرب القادر سبحانه وتعالى والتخلي عن التجارب التي ماانتجت الا الخراب، وارجاع الامر لصاحبه جل وعلا الذي لابد ان يكون له في كل زمان موجه ومصحح لما حرفه الانسان بجهله على هذه الارض ، وقد جنبه كل الانحرافات الفكرية والنفسية واللغوية (معصوم ) ووو…. واعطاه جذور واصل كل العلوم التي يحتاجها للوصول بالمجتمع للمستقبل المنشود شجرة طوبى – اليوتوبيا – والمجتمع الأمثل ، لذلك يتحتم علينا معرفة هذا الموجه الذي لابد من طريق رسمه لنا الله سبحانه وتعالى لمعرفته….. واليك ما قاله السيد احمد الحسن واليماني الموعود في هذا الخصوص :
((أهم طريق لمعرفة خليفة الله في أرضه هو
الطريق الأول : الذي عرفت به الملائكة آدم (ع) وهو النص ، فقد نص الله سبحانه وتعالى على آدم (ع) وأنه خليفته في أرضه (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) وبعد آدم (ع) كان أيضاً النص هو الطريق لمعرفة خليفة الله في أرضه ولكن هذه المرة النص الإلهي يعرف عن طريق الخليفة السابق ، فهو ينص بوصية لأمته على الخليفة الذي بعده بأمر الله سبحانه وتعالى فليس هو الذي يعين الذي بعده بل الله سبحانه وتعالى هو الذي يعين خليفته في أرضه في كل زمان ، فقط يكون دور الخليفة السابق هو إيصال هذا النص الإلهي بالوصية ، ولذا سمي خلفاء الله في أرضه من الأنبياء والمرسلين بالأوصياء لأن السابق يوصي باللاحق ولا يوجد نبي من الأنبياء (ع) أو الأئمة (ع) إلا وقد نص عليه الذي قبله ، فإبراهيم (ع) وإسحاق ويعقوب (ع) والأنبياء من بني إسرائيل (ع) نصوا على موسى وأوصوا به وموسى والأنبياء (ع) أوصوا بعيسى (ع) . وعيسى أوصى بمحمد (ص) ومحمد (ص) أوصى بعلي (ع) والأئمة (ع) والمهديين من ولده فلا يوجد فراغ ليملأه غيرهم (ع) ولكن الأمم انحرفت عنهم فظهر فيها علماء عاملون يرشدون الناس إلى الرجوع إلى طريق الأوصياء (ع) وضرورة إتباعهم والأخذ عنهم فقط وظهر أيضاً علماء غير عاملين يحاولون تقمص دور الأوصياء (ع) . كما تقمصها ابن أبي قحافة ، قال أمير المؤمنين (ع) :-
( أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى . ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير . فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا . وطفقت أرتإى بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير . ويشيب فيها الصغير . ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى . وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا … )
أما الطريق الثاني : لمعرفة خليفة الله في أرضه فهو سلاح الأنبياء والأوصياء وهو العلم والحكمة وهذا يُعرف من كلامهم ومعالجتهم للمشاكل والأمور الواقعة ولابد للإنسان أن يتجرد عن الهوى والأنا ليتبين حكمتهم وعلمهم (ع) وبه احتج الله سبحانه على الملائكة (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) فهو خير دليل على خليفة الله في أرضه .
أما الطريق الثالث : لمعرفته خليفة الله في أرضه فهو الراية : (البيعة لله) أو الملك لله وطالب به الله سبحانه لخليفته الأول آدم (ع) (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) أي أطيعوه وأتمروا بأمره لأنه خليفتي . وقال تعالى :
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) .
وقال تعالى :- (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)
وفي تلبية الحج (الملك لك لا شريك لك) .
فهم لا يداهنون أحداً على حساب هذه الحقيقة وإن كانوا يتهمون بسبب حملها فقديما قالوا عن عيسى (ع) إنه طامع بملك بني إسرائيل الذي ضيعه العلماء غير العاملين بمداهنتهم الرومان وقيل عن دعوة محمد (ص) :
(انه لا جنة ولا نار ولكنه الملك) .
أي أن محمداً (ص) جاء ليطلب الملك له ولولده ، وقيل عن علي (ع) :-
(( إنه حريص على الملك )) .))
فسبحانك اللهم ما أحلمك وأعظمك مبدئا ومعيدا . تقدست أسماؤك ،وجل ثناؤك ، وكرم صنائعك وفعالك .
يحيى الأنصاري